أول الكلام

قلبي أنا خطأي.. كلما هذَّبَتْ دمَهُ حكمةُ الكهلِ، أغوتهُ تجربةُ الطفلِ 

بقلم: غسان عبد الله

قلتُ: تجيءُ الحقولُ.. أشجارُها نَدَمٌ أخضرٌ يتفتَّحُ تحتَ رذاذِ النوافيرِ، مرتعشاً والمصابيحُ في العشايا حافيةٌ.. تتسلقُ أعلى النوافذِ.. أعلى جبيني منفتحاً للحمامِ يطيُر إلى غابةِ السنديانْ.. وأنا خلفَ دمعِ الزجاجِ الشفيفِ، أجفّفُ وقتي بالانتظارِ.. كيفَ أجفُّ عند العشيَّات على ورقةْ؟!.

ترميني الملمَّاتُ نهراً جفَّفَتْهُ الينابيعُ.. ها هو وردُ الحديقةِ يذبلُ قبلَ انحسارِ خريفي.. يُطمرهُ الثلجُ والذكرياتُ.. وأعلِّقُ قلبي على أيِّما زهرةٍ أو عمودٍ.. لعلّهم بين المياسمِ يكتشفونَ الطريقَ إلى صمتي.. عبّدَتْهُ المفرداتُ بأحلامِ الكثيرين من العشَّاقِ المنتظرينَ خلفَ جبالِ الوهمِ.. ورسَمَتْني شارعاً مقْفِراً يتناثرُ بين الكلامِ وبين الغمامِ.. فلا أجدُ الآنَ لي غيرَ طاولةٍ ومذياعٍ من زبدٍ.. وكتابٍ ينامُ على النوافذِ بانتظارِ صباحٍ ما!! حالماً بالسهولِ الفسيحةِ تحتَ رموشِ المصابيحِ.

تُرى.. هل غادرتني القصيدةُ، مشغولةً بتفاصيلها؟؟.. أيها القلبُ – يا ندمي المتكررَ – هل غادرتني الطفولةُ بضحكاتها الساحرةِ مسرعةً.. كيفَ لمْ تنتبهْ لخفقاتها في الأوردة.. أنتَ لمْ تنتبهْ ليديَّ – ضجيعيكَ في القرِّ – يرتعشانِ أمامَ بياضِ الكهولةِ على ملامحي المغادرةِ وجهي..

أيها القلبُ.. يا ندمي المتكرِّر في الوجيب وفي الخطوب.. ثمَّة ما يُحزِنني اليومَ.. ثمَّة ما يدعو للصُّراخِ.. لكنَّ الصمتَ المكابرَ في تفاصيلِ العمرِ يكتُبهُ وجعاً.. ثمة ما يدعوني لحوارِ الهمسِ.

يا قلبُ.. يا وجعي المتكرِّرَ عند المساكبِ في الصباحِ.. وعند النوافذِ في المساءْ.. أنت خطأي المتواصلُ مدى العمرِ كلَّما هذَّبتكَ المصاعبُ تماديت بالنبضِ المشاكسِ.. ثمَّةَ ما يدعو للسؤال، وليس ثمة ما يدعوكَ للجواب. 

مساءً.. مطرٌ دافئٌ.. من نعاسِ يديَّ على عشبِ النافذةْ.. والمساءُ المشاكسُ يحشو النوافذَ في غيابات الصباحِ العنيد..ِ ينسربُ العابرون وظلي.. ويتطاولُ عنقُ المساءِ على النُّجيماتِ.. إنه الرحيلُ المباغتُ.. إنه وقتُ انتشارِ القلبِ على مساحةِ هذي الدموع.. أما كان يمكنني أنْ أشذَّبَ هذي النوافذَ.. فلا يُشْرَعُ العمرُ على دفقِ الدمعِ والصمتِ الحزينْ؟‍‍!.. [قلبي أنا خطأي.. كلما هذَّبَتْ دمَهُ حكمةُ صوتِ، أغوتهُ تجربةُ الصمتْ].