لغزّة العزّةِ.. أباريقُ الوَضُوءِ من الدماءِ
بقلم غسان عبد الله
أرتدي الفجر وأمضي في سبيلي..
فإذا الشمس دليلي.. وإذا الأنجمُ في قلبي وأعراسُ النخيل
لغزةَ سنونواتُ القلبِ، تفتتحُ النشيدَ،
تمرّ في الحاراتِ، لم تخطئ طريق الدفء،
سبحان الذي سوّى البُراقَ هويّةً للبرتقال الغضِّ والمقتول..
سبحان الذي سوّى الترابَ دفاترَ العشّاقِ..
وانبَجَسَ الحمامُ منَ المآذنِ..
في يديه سكينةُ المعراجِ طوَّقَها أذانُ الفجرِ سُبَّحةً يباكِرُها الهديلْ…
لا سرّ لي.. فالكشفُ ذوَّبني هلالاً في محاريبِ انطلاقِ الشوقِ..
سافَرَ حيثُ أعشاش الهوى..
والروحُ في فَلَقِ الشهودِ تلوذُ بالقرآنِ والقدسِ الجليلْ..
هي سجدةٌ فيها شموخُ الصخرِ يركُضُ كي يطيرَ..
وفي يديه رسائلُ الأشْجَارِ تنْبُعُ من حنينِ النبعِ.. زمزمُها: اليقينُ..
وصوتُها: عدْ يا بُرَاقَ الكاشفينَ.. سنفتدي أرض الأحبّة بالدماءِ..
ونرتدي.. قمصانَ زيتون الأهلّةِ والحمامِ..
نطيرُ قبلَ الصخرِ كي نُلْقِي فَتِيتَ المِسكِ في نبعِ الأذانِ،
يَشِعُّ في نَسْغِ الهوى وينامُ في وجْد النخيلْ..
أسرَجْتُ رَحْليَ للذي.. سَكَبَ الضياءَ بقبَّةٍ رَسَمَتْ على دحنونها:
حلماً تساقَى الوعدَ.. واحتفلَ المقامُ بما تباركَ حَولَهُ..
ودَنَتْ قُطُوفُ اللهِ باسمِ التين والزيتون..
كان الرزقُ في المحرابِ.. يقرأُ في كتاباتِ المطرْ..
ويُطِلُّ في نونِ الكتابةِ، ما رَوَتْ في العشقِ غياباتُ القمرْ
لغزّة العزّةِ.. أباريقُ الوَضُوءِ من الدماءِ،
لأنّنا العشّاقُ.. أماسينا مثلما المحرابُ..
يمضي إليها القلبُ كي يروي عِطَاش الوصلِ،
يغزلُ لهفةَ المشتاقِ من ملكوتِها الأبديِّ..
والآياتُ تنبُعُ من أصابِعِها.. تهزُّ النخلَ..
لا مأوى لهذي الروحِ غيرُ بياضِها العَلَويِّ.. ينْسَلُّ من ضروعِ الغيمِ..
يا غزّةَ المرتجاةَ.. في الكفّينِ بعضُ الماءِ..
سأصُبُّ النهرَ في كأسٍ.. لتشرَبَ من مياهِ الفيضِ نوافذك
سألقي في المدى حجري، لأبزُغَ من سماواتِ الحَجَرْ..
لا أبتغي.. غير الذي سَرَقُوهُ من كَفَّيَ..
والمنفى يفاوضُني لكي أنسى بُرَاقَ الراحلينَ.. وطيبَ نجدٍ..
قل هو الكفرُ المبجَّلُ.. والمدجَّنُ.. والمُتَلْمَدُ..
قل هي الآلام من باب العمودِ إلى شَغَافِ القَلْبِ،
تخفي ورْدها العَلَويَّ في صوت المؤذّنِ،
ثمَّ تنزُفُ روحَها، ليفيق من ملكوتها قمرٌ تَزمَّلَ بالدماءِ.. ونام في حضن القتيلْ..
خارجاً من محنة الليل ومن صمت القبورْ.. من نفايا العصورْ
نَهَشَتْ أظفارُهم وجهي.. وألقوا الشوكَ في دربي
وفي جنبي عضّات الحصيرْ
ممسكاً حَفْنَةَ قمحٍ رغمَ عصفِ الريحِ والأنواءِ والجرحِ الخطيرْ
وسطوراً من رحيق الذكرْ أتلوها فيستيقظ سيفُ المجدِ أتلوها فيصحو الوردُ
أتلوها فتجري للينابيع طيوري
وعلى هدى كتابي أبصر الأشياء من خلف الضبابِ
وأرى الأوجهَ من غيرِ قناعاتٍ ومن غير خضابِ
وعلى هدى كتابي أزرعُ النخلةَ في القلبِ أروّيها شبابي
أبصرُ النحلةَ تجتازُ المسافاتِ لتمتصَّ رحيقَ العمر..
من صدرِ الروابي أسمعُ الترنيمةَ الأولى لطيرِ الفجرِ..
والترجيعةَ الأولى لِدِيكِ الفجرِ..
بوحَ الغيثِ للأرضِ اليبابِ وعلى هدى كتابي..
أكتُبُ الفصلَ الذي يأتي.. وأخطو فوق حد السيفِ
أستنطِقُ عُريَ البرقِ كي أنْقِذَ آلافَ الرقابِ
قد تقولون بأن السيفَ في كفي أقالَتْهُ المعاركْ.. وبأنَّ الليلَ حالِكْ..
وبأني لم أعدْ أتْقِنُ شدَّ القوسِ.. تسديدَ النبالْ
والفتوحاتِ التي أدمَنَها العشاقُ.. ضربٌ من خيالْ
قد تقولون محالْ.. أن يعودَ الركْبُ إسلاماً، وأن تجري مع الرَّكْبِ الغلالْ..
قد تقولون ولكني أقولْ.. وأنا جدُّ خجولْ
وأنا أقرأُ فصلَ الأمسِ.. عرسَ الشمسِ.. أشواقَ الحقولْ
إن في الدربِ الخيولْ.. وعلى وقعِ التلاواتِ ستخضرُّ الفصولْ
ولنا اليومُ الجميلُ..
ولنا التكبيرة الأولى.. لنا الآفاقُ.. والراياتُ.. والصوتُ البديلْ
ولنا السيفُ الذي خبَّأَهُ البرقُ إلى اليومِ الثقيلْ
ولنا الشجرُ الأخضرُ والدَّوحُ تمرحُ فيه الطيرُ والظلُّ الظليلُ
ولنا قارورةُ العطرِ التي تسكُبُها الشمسُ على كفِّ الأصيلْ