فوقَ أشلاءِ الكلام
ب
متأبطاً شغفي القديمَ، ذهبتُ أرقُبُ لونَ أسرابِ الحمامْ!..
لكأنني رجلُ المواجعِ في حدائقِ حزنيَ العالي وأتباعي اللقالقُ واليمامْ..
أَوَ كلما أصغيتُ أسمعُ من بعيدٍ صوتَ روحيَ ضائعاً يتوجَّعُ؟..
أَوَ كلما أجَّجتُ أمنيةً غَرَقْتُ بحزنها؟ وأنا وحيدٌ ضائعُ!!
والروح ثكلى والبنفسجُ لا يملُّ من الخُزامْ..
والأرضُ “أمُّ الناسِ” لم تشعرْ بآلامي، ولم تسمعْ صراخيَ في الحطامْ!..
فحملتُ أشعاريَ القديمةَ ورحتُ أبكي فوق أشلاءِ الكلامْ!..
لكأنني شيخوخةُ الخسرانِ في مُتَعَزَّلي العالي،
وحارسُ وحشةِ المتعزّلينْ! النائحينَ، المبعدينَ، الغائبينْ!
أنا كلُّ هذا الثكلِ محمولاً على أكتافِ من غابوا، ومرفوعاً على الصُّلبانِ..
من النوافذِ حتى أماسي الحزنِ المجدِّفِ في بحارِ النادمينْ!..
نذراً عليَّ لئنْ رأيتُكِ يا أنيسةَ الروحِ من بعد الغيابِ
لأبكينَّ إليكِ من مُتَعبَّدي النائي بكاءَ الفاقدينْ!..
لأنادينَّكِ أين أنتِ أيا نقاءَ العاشقينْ!..
في ارتحالكٍ الذي هيّئتِ لهُ حقائبَ الغيابِ الطويلْ..
في وحشةِ الروحِ من بُعدِها القسريِّ عنكِ..
ومن قلبٍ مُفعَمٍ بالشوقِ مكتئبٍ عليلْ.. جاءني صوتُكِ دعاءً ينهاني عن العويلْ..
وفي اللحظةِ التي لستُ أدري كنهها.. كنتِ ماثلةً أمامي بوجهكِ الحنونْ..
قلتُ: أأترُكُها نهب الذكرياتِ والدمعِ الذي لا يجفُّ..
أأمشي ولا أدري أين يكونُ الرحيلْ؟؟
في لحظةٍ عابرةٍ كان بيني وبين الموتِ صوتها حين الدعاء..
آنستُ ليلاً هادئاً فجلستُ أُنصتُ كالضريرْ إلى نداءِ الحزنِ في مُتَغزَّلي العالي..
وأحتطبُ الضراعةَ من أعالي السنديانْ!..
غيرُ الغيومِ السودِ لم تشرف على يأسي.. وما سمعتْ بكائي غير أصواتِ الأذانْ!
يا ليتني شجرٌ أشيلُ الريحَ بين جوانحي،
وأهزُّ أغصاني لكي يغفو سهادُ العُمْر في مهدِ الحفيفِ عشيَّةً، ويفيءَ تحتي عاشقانْ!
يا ليتني إبريقُ مئذنةٍ يذهّبُهُ غروبٌ (أخضرٌ).. وحمامتان حزينتانْ!..
يا ليتني عصفورةٌ بأرياشها البيضاءِ راحتْ كي تغرَّد في صحونِ الأقحوانْ!..
يا ليتني نايٌ تكفكفُ دمعهُ شفةٌ، وتحضنهُ يدان رحيمتانْ!..
يا ليتني قمرٌ طليقٌ في سماواتِ الأَذانْ!..
لا أقربُ الأرض الضريرةَ، أو ألامسُ صورها،
إلا كما يرتاح عصفورٌ على صفصافها وقتاً، ويرحلُ كالغمامْ!
فالأرضُ أمُّ الناسِ لمْ تشعر بآلامي، ولمْ تسمعْ صراخيَ في الحطامْ!..
فحملتُ أحلامي القديمةَ… صَعِدْتُ أبكي فوقَ أشلاءِ الكلام!.