آخر الكلام

القمرُ الهارب.. “عند النوافذ في المساءْ”

بقلم غسان عبد الله

منذ بكى فوق حبالِ أمانيهِ الغيمُ‏

وأجهَشَ بالنسماتِ وغابَ بداليةِ الأحلامْ..‏

مثلَ الزهرةِ يا قمرُ..‏ أتفتّح في الحلمِ‏ ولولا البدرُ لبدَّدَني الضجرُ..‏

أتحمّل حيناً تلك الريحَ الغبراءَ..‏ تسدّ عليَّ منافذَ كلِّ حياةْ‏

يحميني حيناً عطري‏ لكنْ في كل الأطوارِ يحمّلني عطري‏ طعناتْ..‏

يا جاري القمرُ..‏

يا مَن فيه أعلِّقُ عند حدودِ الليلِ ذبولي‏

أدخلُ..‏ أحمِلُ نَبْضَ الخبزِ.. وبعضَ الزيتِ‏

أدخل.. بيتي‏..

فوق شفاهي حلوُ سلالِ الفرح المرسوم‏ وفي أنفاسي شدوُ الطائر..‏

تدنو مني أجنحةٌ وتزقزق بين يَديْ‏.. أفرُطُ عقْدَ الياقوت‏ على مقدمهم‏

وتشعشع في خَشَبِ الدارِ وقرميدِ الزرعِ‏ حكاياتٌ لفَّتها أوراقُ التوت‏

أرتِّب.. أنفاسي‏.. أطمر في النار شجوني.. أقرأ في دفترِ أسرار الملكوت‏

أفتح قلبي.. أوسعَ من هذي الأرض..‏ وأكبرَ من أنْ يحملَ عالَمَهُ‏ تابوتْ..‏

حين يلملم أجنحتي ليلٌ‏.. أُمسي مسكوناً بالأحلام..

وبالورد‏ وبالسعد تخبّئهُ الأيامْ‏..

… …‏

بدرٌ منسكبٌ.. فيهِ أطيابُ الفرحةِ‏

بدرٌ.. أشرعةٌ‏.. أدفعُ فيها لُججَ الغرقى..‏

لكني في الحالين دفنتُ ضلوعي‏ وسكبتُ عليها دمعيَ دَفْقا..‏

يتلبّسني الومضُ بكل زمانٍ..

أتأبّطُ عمريَ للريحِ تمدُّ لخطوي أرصفةً،‏ شرفاتٍ..

أشهدُ عند فواصِلها لوني‏ وشروقي..‏

لا يَهْرَمُ بدرٌ أبداً..‏ ‏

إذ يفتحُ القمرُ فواصلَهُ للحب على شرفات الحلم السادر‏

وليدْخلهُ أيُّ حمامٍ شاءْ‏

وليحمل من شاء إليه الشوكَ‏.. ومَن شاءَ الوردَ‏.. ومن شاءَ الأعباءْ‏

فهو لا بد سيحملنا زُمراً ذاتَ عبور.. نشتاقُ لمَن ضيّعنا ملامحَهُ في الديجور..‏

وتاهتْ خلفَ رنين خطاهُ دمعات‏..

نشتاق إليهِ‏.. قد يعبُرُ مِن غيمٍ يوماً‏.. يعبُقُ ورداً‏..

حَسَبْنا أن يحملَ لنا ومضةْ‏..

تسقُطُ منه‏ في غمرةِ سهوٍ‏ نغرُسُها في القلب..

يُفتّح أجنحةً‏.. ويطير إلى دالية الأفقِ‏

تزرْزرُ في بستانِ الروح‏ أزاهيرُ الرؤيا‏

كم شاغَلَنا القمرُ وأنسانا‏.. فغفونا على وعدٍ..‏

وأتانا طيفُ الغيثِ‏ وفاصلةُ القمرِ العالي‏ أن سوفَ يُفَتَّحُ في أيلول..‏

وها أيلولُ يمرّ وطيفُ الغيث يمرُّ‏.. ونحنُ في الظل‏ تُفَتَّحُ أحزانُنا..‏

يسّاقط من روحنا أفقٌ‏ يغرَقُ فيه القلبُ‏ ولا يتفتّح.. بستانُ الروحْ..

قمرٌ هاربٌ.. يُشاغلنا، يواعدُنا.. ويأخذُ منا الليلْ.. ولون الشتاءْ

ونحنُ على نوافذنا نراهُ.. ولا نراهُ..

ولا يرانا، فنراهُ.. كما يشاءْ..

هكذا الأقمارُ.. تومِضُ وتخبو، تأتي وتهرُبُ..

ونحنُ نرقبُ ظلالَها عند النوافذ في المساءْ..

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *