إقليميات

دلالات زيارة السفير السعودي إلى العراق

بقلم: زينب عدنان زراقط

فما هي حقيقة انحياز موقف المملكة العربية السعودية اتجاه “إسرائيل” وما هي بوادر تحقيق تطبيع مُرتقب معها؟! وماذا تحمل زيارة السفير السعودي إلى العراق من دلالات؟! هل هو تطبيعٌ آخر يُحضّر له؟!.

الأمريكي الذي يدير حرب الإبادة الصهيونية في فلسطين المحتلة والذي يترنح جراء تأزم واقعه السياسي الداخلي وانقلاب الرأي العام ضده نتيجة لانكشاف دوره في حرب الإبادة يسابق الزمن من أجل تتويج دعمه للكيان الصهيوني بإقامة حفل التطبيع بين هذا الكيان وبين النظام السعودي.

منذ 7 أكتوبر، انتقدت المملكة العربية السعودية بشدة إسرائيل بسبب حربها في غزة وطالبت بوقف فوري لإطلاق النار، بينما أشارت إلى أنها لا تزال منفتحة على علاقات أكثر دفئًا إذا سحب رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو قواته والتزم بإقامة دولة فلسطينية. وهكذا عاد الحديث عن التطبيع السعودي على الألسن الإسرائيلية والأمريكية باعتباره جزءًا من صفقة وقف إطلاق النار في غزة، وترتيبات ما تسمى اليوم التالي لوقف الحرب.

وفي إشارةٍ على ذلك، أقدمت المملكة العربية السعودية على تكثيف عمليات اعتقال المواطنين بسبب منشورات على وسائل التواصل الاجتماعي تتعلق بالحرب بين العدو الصهيوني وحماس، ما يُثبتُ أنّ المملكة تؤكّد استعدادها للموافقة على العلاقات الدبلوماسية مع الدولة اليهودية إذا التزمت بإقامة دولة فلسطينية. وأكدت وزارة الخارجية السعودية يوم 7 فبراير 2024، أنها أبلغت الولايات المتحدة الأمريكية بأنه لن يكون هناك أي علاقات دبلوماسية مع “إسرائيل” ما لم يتم الاعتراف بالدولة الفلسطينية على حدود عام 1967، ووقف العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة وانسحاب قوات الاحتلال منه.

وفي خطوةٍ جدّية أفاد موقع “أكسيوس” نقلاً عن مسؤولين أمريكيين وإسرائيليين بأن مستشار الرئيس الأمريكي للأمن القومي جيك ساليفان سيزور السعودية والكيان الصهيوني نهاية الأسبوع لتحقيق تقدّم في ما يخص تطبيع العلاقات بينهم. وفي التفاصيل أنّه سيرافق ساليفان في جولته كل من منسق البيت الأبيض لشؤون الشرق الأوسط وشمال إفريقيا بريت ماكغورك، ومنسق شؤون الطاقة عاموس هوكشتاين والمستشار في الخارجية الأمريكية ديريك شوليت. وسيلتقي الوفد الأمريكي خلال الجولة بولي العهد السعودي، الأمير محمد بن سلمان، ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو وغيرهما من المسؤولين السعوديين والإسرائيليين.

السعودية تستدرج العراق

وفي ذات المنحى واستكمالاً لعمليات الإدماج الجارية هذه أتت زيارة سفير الكيان السعودي لكربلاء المقدسة في محاولة لكيّ الوعي الممنهج الذي تمارسه سلطة ابن سلمان تجاه ذاكرة الشعب العراقي التي تختزن الكثير من الذكريات المرّة التي مارستها السلطات السعودية في دعمها للإرهاب في العراق.

جاءت زيارة السفير السعودي في العراق “عبد العزيز الشمري” إلى محافظة كربلاء، في 13 مايو الحالي، وسط ترحيب رسمي وشعبي واسعين، كونها الزيارة الأولى التي يقوم بها سفير سعودي إلى المحافظة التي تضم المراقد المقدسة للأئمة وتعتبر مقصداً يأتي إليها سنوياً ملايين الزوار. وكان في استقبال السفير الشمري محافظ كربلاء المهندس نصيف الخطابي، وأعضاء مجلس المحافظة، مؤكداً على حرص المملكة العربية السعودية على تعزيز العلاقات مع الجمهورية العراقية.

ها هُنا في هذا المحفل، كلمة خادم الحرمين الملك سلمان بن عبد العزيز للوفد العراقي برئاسة حيدر العبادي، رئيس الحكومة العراقية السابق في 2017، وحضور وزير الخارجية الأمريكي ريكس تيلرسون قال الملك سلمان “إن ما يربط السعودية بالعراق ليس مجرد الجوار، والمصالح المشتركة، إنما أواصر الأخوة، والدم، والتاريخ، والمصير الواحد”.

في زيارةٍ تحاول أن تبني جسوراً من الوهم المبارك من قِبَل من يتبنى الواقعية السياسية بمنظور الرضا الأمريكي، إن من أخطر أهداف هذه الزيارة هو ترويج لموقف سعودي رسمي يحاول اختراق الوجدان الشيعي وعلاقته بمقدساته، حيث أن السعودي يتحرك في خطوات مدروسة نحو صنع واقع يتقبل خطواته في المنطقة لاسيما التطبيع والاعتراف العلني بالكيان الصهيوني.

إن المعادلات الجديدة فرضتها معركة طوفان الأقصى خصوصاً بعد عملية الوعد الصادق التي ثبّتَتْ واقعاً جديداً في المنطقة ألا وهو بروز واضح وجلي للجمهورية الإسلامية كقوة إقليمية صاعدة. هذا البروز الإيراني أجبر قادة الإقليم والذين هم ممن يتبنى الواقعية السياسية، زحفوا صوب طهران وأعلنوا التقرب من الجمهورية الإسلامية على الرغم من وجود أمريكي في الإقليم حيث أدركت كافة القوى العسكرية الأجنبية على السطوة التي تتمتع بها إيران. فمن المستغرب كان هو انزلاق معظم قادة الإطار وقواعدهم الشعبية في فخاخ أمريكية لتثبيت الانفتاح العراقي نحو منظومة محددة بينما يخجل هؤلاء من التحرك أو الانفتاح بالقوة ذاتها تجاه إيران كونها قوة إقليمية متكاملة الجوانب، بينما ينفتح الكردي المتقلب سياسياً على إيران من منطلق المصالح السياسية.

ختاماً، من الواضح أن الإدارة الأمريكية تريد استنقاذ الموقف الأمريكي قبل فترة وجيزة من بدء الاستحقاقات الرئاسية بصفقة تطبيعٍ سعودية تكون وسام – رد اعتبار – على صدر الرئيس الأمريكي “بايدن” وخلاصاً لـ “نتنياهو” بإنجاز ما وإن لم يكن من تبعات “طوفان الأقصى”، ومن الواضح أن ما يُرسم للعراق أيضاً هو دور تابع لهذه المنظومة التي تسير نحو التطبيع مع الكيان الصهيوني. وإن حصل تطبيع “المملكة العربية السعودية” هل يبقي لها المسلمون كرامة خدمة الحرمين أم تحرّم عليها؟ وهل سينغرّ العراق أيضاً أم تأتيه اليقظة بوضع يده بيد رأس المقاومة المتمثلة بالجمهورية الإسلامية “إيران” لا بيد أمريكا وإسرائيل؟!.