سيِّدَ العُمقِ.. هذا زمانُكَ
بقلم غسان عبد الله
“الخامس والعشرون من أيار يومٌ انتظرتهُ لألتقيه.. فاندلق العطر من فم الوردِ على شرفتي.. وكانت أهزوجةُ التحرير..”
للمقاوم الذي حررنا ومضى..
على شرفةٍ من دمكَ.. يستحمُ المساءْ..
كسيرَ الخطى.. لا ترى غير أرضٍ ينامُ على ساعديها اليبابْ..
صباحَ الفراشاتِ في القرى وفي الضاحية يا صاحبي..
أذكرُ أنيَ ألتقيتكَ ذات زمانٍ بهيٍّ.. وذات احتراقْ..
وبعد سنين سبع.. وبضعِ جراحٍ.. يُراودني الحلمُ كي ألتقيك..
تمدّ للروحِ… جسراً من الأغنياتْ، وتأتي راعفاً بانتظار المكانْ..
صباحَ الأيائلِ الراكضةِ صوب اصطيادها في أزقة الحارة يا صديقَ الدمِ الجليلْ..
كم يشتهيكَ دمُكَ،… والطريقُ انتظارْ..
وصوتكَ يأتي حبيباً إلى شرفةِ القلبِ.. يرفو تفاصيلَ حزنٍ..
ويمضي بالعمر الطري.. إلى مرفأٍ من نضارْ..
صباحَ العصافيرِ يا فتى البطولةِ المسيَّجِ بالضرامْ..
صباحَ العصافيرِ تنقرُ من شفتيكَ ساعة التكبير الكلامْ..
صباحَ الشهادةِ يصطفيكَ ملاكاً وينتقي لأجلِكَ من قلبِ حوريةٍ كلَّ هذا الهيامْ..
يا صاحبي مهلاً حتى ألقي عليكَ باقةَ أرجوانٍ.. أو لأردَّ عليكَ السلامْ..
حشرجةُ شاعرْ
حملتُ الكلمات دهراً،.. وأدلجتُ في حلكةِ الروحِ.. أشعلتُ كلَّ المصابيح…
للذاهبين إلى الحربِ.. والقادمين من المهزلةْ.. صباحُ الخزامى..
لكلِّ الجهاتِ.. دمي.. وجنةُ الوردِ،.. والجلّنارْ..
نسيتُ حدود يديّ.. ولم أكتشفْ سرَّ أغنيتي..
كنتُ أبكي الطفولةَ تهربُ مني.. وتمتصّها الأرصفةْ..
لكلِّ الجهاتِ دمي.. والطريقُ انكسارْ..
نارُكَ الحافَّةُ بالقلب منكَ والرمادْ.. تحيطُ من كلِّ صوبٍ دموعي،..
وأيارُ.. هذا العرسُ الجليلُ.. انعتاقُ الرؤى الخائفةْ..
أنا أيارُ يا يهودُ لا تنسوني.. قتلتُ فيكمُ غدر السنين…
وشيّدتُ… من حشرجاتِ الرمادِ في القرى الغناءْ..
قريباً سترتحلونْ.. وأنت أيها البطلُ الذي بكَ سموتُ..
تذكر.. قبيل ارتحالك عن مدى العين:
قريباً… سيمشي على مقلتي المساءْ..
ألفُ سلامٍ لجرحِكَ وارتحالِكَ في غيابات العمر..
أحبُّك.. لا تغلقِ البابَ… كيما تمرَّ الفراشات سرب غناءْ..
سيدُ العمق.. شامخ الهامة
على وهدةٍ من رؤى الروحِ كان سيدُ العمقِ – الشهيد – يغني..
وكان يحثُّ الخطى.. نحو الأرضِ التي سَرْبَلَتْهُ بماءِ الحنينْ..
على غفلةٍ تلتقيهِ العصافيرُ… تهديهِ ما أغْفَلَتْهُ المواسمُ سرّاً..
وكان يثورُ.. مع الغيثِ كان يجيءُ وحيداً، وعميقاً ينتفضْ..
تُرانا عشقناهُ حلماً،.. وكنّا نسينا دمَهُ المهراقَ..
وكنّا.. وكنا.. وكنا.. شربنا المَدَامَةَ عزَّةً من راحتيهِ..
وكنّا.. إذا جُنَّ لَيْلُ الاحتلالِ إليهِ نجرُ الخطى،.. والحنينْ..
هو الآنَ سيِّدُ هذا الزمان..
مداهُ… رؤاه.. وكلَّ الذي لا يجيءُ من كلامٍ سلسبيلْ..
يُغيِّبُنا… لا نغيبْ..
ينادي… يجيءُ الصدى… ثم يوغلُ فينا..
فيا سيِّدَ العُمقِ.. هذا زمانُكَ..
أدْلِجْ إلى سُدْرَةِ الفجرِ مُطْلَقَكَ العذبَ.. دمَكَ الجليلْ… إنّا نسينا.