أول الكلام

يا طوبى له يا أمّ حسن

بقلم غسان عبد الله

كم يشتاقُ إليكِ – يا أمه -، فالشوقُ كإقامةٍ جبريةٍ في البعيدِ يرنو إلى لحظةِ هدوء.. تُشاغلُهُ هموم الخلقِ وتأخذهُ منكِ.. يشحنُ أشجانهُ باستحضار ملامحِ وجهكِ الملائكي.. يا مليكةَ الصبر والشوقِ والتوق.

يا نصفَ الجنةِ في يدكِ.. هل تحمِلُ نبضَ القلب إليكِ؟..‏ أم هل تنقل نصفَ اللبّ‏ ويكتحل المعنى‏ تحت غطاء الشفةِ/الجنة؟!‏.. كلُّ سواقي العمر سواكِ صحراء‏.. وهمساتُكِ حين يكونُ في حجركِ تنقلبُ الدنيا من أحرفِها نحو ظلالِ يديكِ‏ وتنام بجفنيكِ غَنَّاءَ الماءِ‏ ورقراقةَ بالْ‏.

هل ذاق الشهدُ هواكِ.. هل ناجاكِ القمرُ الواجدُ‏.. في أفقِ بياضِكِ؟!‏.. هل عادَكِ حين مرضتِ‏ فأسعفَ نبضَكِ بالنسماتِ‏ وكحَّلَ عينيكِ بماء الزهرِ وأراكِ طيفهُ حيثُ حضوره يُشعلُ الأرجاء وحينَ يُطلُّ على الجموعِ تبزغُ من عينيه شمسُ محيّاكِ..‏ وهل دون ضجيج العالمِ واساكِ؟!‏ قولي، ماذا يحدث لو غاب النابضُ في الخافقِ‏.. هل تشتدّ القوسُ وتنطلقُ الإشراقاتُ إلى الدنيا؟!‏.. هل نصْفُ الدنيا حبٌّ‏ ورضاكِ نصفُ الحبِّ الآخَر؟!‏ هل يتَبقّى للنبض وَسِيعاتُ الحلمِ‏ ليُلْهِمَ هذا الحَوْرَ قواماً حلواً‏ وزرافاتٍ تسعى لعيون القِمّة‏ تهمس للأخضر ضحكتَها‏ فيموسقُ هذا الأفقُ المتخاصرُ بالحَوْرِ‏ نشيدَ اليقظةِ‏.. فتّانَ اللفتةِ‏.. مسحورَ العنقِ؟!‏.

مِن شوقكِ عليه ومن توقِكِ لعناقه حدّثَكِ قلبُكِ أنهُ يمضي بجميع لوائحِ عمره‏ نحو الأرضِ والأوطانِ وفق هواكِ..‏ ولكِ يَعْرِضُ كلَّ حروبِه وأوجاعِ الشوقِ‏ ولكِ يخفض جفنه‏ وجناح الذلِّ من الرحمةِ.. ولكِ يشمخ صوته فيصير صوته شجراً.. يتنسَّمُ من قَطْر صداكِ‏ ويعرِّشُ في صوته‏ نحو رؤاكِ‏‏.. ويراكِ على البعدِ.. وترَيْنَهُ سيِّدَ الشموخِ‏ لا لحنَ سوى لحنِ الشجنِ‏ المتضوِّعِ‏ منكِ، ومنه‏.

يا طوبى له يا أمّ حسن.. أن يركبَ قمةَ القِمّةِ من حدْقةِ ناره‏.. ويميط لجامَ دخانٍ‏ يلتفّ على عنق الوطنِ‏.. فيكلّلهُ بشريطِ عبيره أو غاره‏.. كم – يا أمه – غصَّ الجبلُ العالي‏ في سقف الأفق‏ وما وسِعَتْهُ آفاق!!.. ‏كم رَاوَدَهُ الأفقُ المترفُ عن هامتِهِ‏ فتفجَّر ذاك الجبلُ الشاهقُ..‏ من شُعَلٍ‏ غمر الأنحاءَ بطلتِهِ‏ واشتعلتْ فوق رؤوسِ الأوديةِ الأبخرةُ البيضُ!!‏ ومن قمتهِ هذا الجبلُ الشامخُ ضاءْ‏ له يا أم حسن، وكذاك هو‏ من قِمَّةِ إحساسه‏ يترندلُ صوتُهُ بالأوراقْ‏.. ويُلَوْمحُ نبضه الراعشُ‏ بالترياقْ‏.. فأعيريه بعضَ الكأسِ‏ لِتَرَيْ عزمه وقمةَ صبرهِ.. فهو لم يجْنِ الظلَّ‏ ولكنه‏ عاشَ لظلٍّ‏ أو عاش الظلُّ بظلِّه‏ فإذا الكونُ ظلالٌ‏ وإذا وحدهُ كيانْ‏.. وإذا ما كانَ من حبه كانْ‏.. وإذا ما شاء النصرُ، العزةُ، يكونْ.