إقليميات

الاتفاق الأمريكي السعودي والتطبيع مع الكيان الصهيوني

بقلم توفيق المديني

هناك اتفاق بين الولايات المتحدة والكيان الصهيوني على تصفية المقاومة الفلسطينية بقيادة حماس في غزَّة، إذْ إِنَّهُ لم يَعُدْ من الممكن أن تلعب حركة خماس دوراً في مستقبل غزة حسب وجهة نظرهما، إلا أنَّ واشنطن تعارض قيام “إسرائيل” بإعادة احتلال القطاع.

وفي هذا السياق، تتطلع إدارة بايدن إلى إبرام اتفاق استراتيجي بين أمريكا والمملكة السعودية بشأن التزامات دفاعية وأمنية ثنائية فضلا عن تعاون نووي، يشكل جسراً لإقامة التطبيع بين المملكة والكيان الصهيوني. وفي المقابل، ستدفع دول عربية وأمريكا “إسرائيل” للموافقة على مسار لإقامة دولة فلسطينية، وهو أمرٌ أَكَّدَ نتنياهو مِرَاراً رَفْضَهُ.

هل بات الاتفاق الأمريكي – السعودي وشيكاً؟

قام مستشار الأمن القومي الأمريكي جيك سوليفان بجولة مؤخراً شملتْ كلاً من المملكة السعودية والكيان الصهيوني، في محاولة حثيثة من جانب إدارة الرئيس بايدن تحقيق إنجازٍ تاريخيٍّ في إقليم الشرق الأوسط، يمكن أن يوظِّفه في معركة الانتخابات الرئاسية القادمة، خصوصاً بعد أن تدهورت شعبيته بسبب اصطفافه في حرب الإبادة الجماعية ضد الفلسطينيين في قطاع غزة، والتي لا يزال يقودها رئيس الحكومة الفاشية بنيامين نتنياهو منذ أكثر من ثمانية أشهر.

المصادر الإعلامية في المملكة السعودية، تقول إنَّه بعد اللقاء الذي حصل بين وليّ العهد السعودي محمد بن سلمان وسوليفان في مدينة الظهران السعودية في 19 مايو/ أيار2024، تمَّ التوصل إلى “صيغةٍ شبهِ نهائيةٍ” في شأن “الاتفاق الأمني الاستراتيجي” المرتقب، المفترض أن يكون الأول من نوعه بين الولايات المتحدة ودولة عربية على الإطلاق.

فها هي وكالة الأنباء السعودية “واس” تؤكِّدُ عن تقدم المفاوضات بين الولايات المتحدة والمملكة السعودية، وقدْ بحثتْ “الصيغة شبه النهائية لمشروعات الاتفاقات الاستراتيجية بين المملكة والولايات المتحدة، التي قارب العمل فيها على الانتهاء”. وعلى الجانب الآخر، كتب مراسل موقع “أكسيوس” الإخباري الأمريكي المختص في شؤون المنطقة، الصهيوني باراك رافيد، على منصة إكس (تويتر سابقاً) في 19 مايو /آيار2024، أنَّ مسؤولاً أمريكياً أخبره أنَّ “المحادثات بين سوليفان وولي العهد كانت جيدة جداً ومثمرة للغاية”. وكشف مصدر سعودي في حينه لوسائل إعلام سعودية، أنَّ إعلانَ إبرام اتفاق السعودية وأمريكا الدفاعي “قد يحصل بصورةٍ نهائيةٍ في أي لحظة”، مشيراً إلى أنَّه لن يتفاجأ إنْ حدث ذلك في يوليو/ تموز المقبل.

الصحف الأمريكية، ولا سيما صحيفة “نيويورك تايمز” تتحدث عن الخطوط العريضة للاتفاقات، التي يركز أولها على توقيع معاهدة دفاع رسمية مشتركة بين واشنطن و الرياض، وتسمية المملكة السعودية “حليفاً رئيساً”، وهي ضمانة أمنية لم تقدمها الولايات المتحدة قط لدولة أخرى خارج أعضاء حلف الناتو الـ30 إلى جانب كوريا الجنوبية واليابان، ولا حتى للكيان الصهيوني، أقرب حليف لأمريكا في إقليم  الشرق الأوسط، وتتطلب هذه المعاهدة تصديق مجلس الشيوخ عليها الذي يبدو مضموناً الآن من الحزبين الديمقراطي و الجمهوري، إذا تم التطبيع مع الكيان الصهيوني المشروط بموافقته أولاً على حل الدولتين.

ويمنح الاتفاق الاستراتيجي بين واشنطن والرياض، للمملكة العربية السعودية إمكانية الحصول على الأسلحة الأمريكية المتقدمة التي كانت محظورةً في السابق، خاصة طائرات أف35، فضلاً عن مظلة دفاع جوي أكثر تطوراً ربما تشمل دولاً عدَّة في المنطقة، وبما يضمن الحماية اللازمة ضد الصواريخ الباليستية دقيقة التوجيه وصواريخ كروز والطائرات المسيرة.

وبموجب الاتفاق الاستراتيجي، ستستقطب المملكة السعودية استثماراتٍ أمريكيةٍ كبيرةٍ في التكنولوجيا الأكثر تقدماً مثل الذكاء الاصطناعي والحوسبة الكمومية، التي يطلب الأمريكيون ألا توجد في ظل استمرار وجود التكنولوجيا الصينية في الشبكات الأكثر حساسية.

تاريخ التحالف الاستراتيجي الأمريكي – السعودي

يعتقد علماء السياسة والاستراتيجيا في الولايات المتحدة أنَّ إبرام الاتفاق الاستراتيجي بين واشنطن والرياض، سيعيد تشكيل الجغرافيا السياسية في إقليم الشرق الأوسط، وفق الرؤية الأمريكية – الإسرائيلية، وبالتالي إعادة تشكيل المشهد السياسي بالمنطقة، وبما ينسجم مع حقبة تاريخية كاملة تمتد لما بعد 80 عاماً من تشكيل التحالف الأولي، الذي ظلّ قائماً ومتماسكاً طوال تلك المدة، فقد بدأت العلاقات بين البلدين بشكل غير رسمي عام 1933 عندما منحت السعودية شركة “ستاندرد أويل” الأمريكية حقوقاً حصرية للنفط في المنطقة الشرقية، التي أصبحت في ما بعد مشروعاً مشتركاً أمريكياً سعودياً مربحاً يسمى “أرامكو”، ثم أقامت الولايات المتحدة علاقات دبلوماسية رسمية مع السعودية بعد لقاء بين الملك عبد العزيز آل سعود والرئيس فرانكلين روزفلت عام 1945 في قناة السويس المصرية قبل أشهر قليلة من انتهاء الحرب العالمية الثانية.

وخلال الحرب الباردة، أقامت دارة الرئيس أيزنهاور، تحالفُاً استراتيجياً مع المملكة السعودية، لمحاربة الشيوعية الملحدة في الاتحاد السوفياتي، باعتبار ما للسعودية من مكانة إسلامية لوجود مكة والمدينة فيها، ولمحاربة الحركة القومية العربية الصاعدة بزعامة عبد الناصر.

ووفقاً لتقرير “هارفرد يونيفرستي ريفيو”، أنشأت الولايات المتحدة والسعودية عام 1951 اتفاق المساعدة الدفاعية المتبادل، الذي كان أول اتفاق دفاع رسمي بين البلدين، الذي تم فيه التوافق على تزويد السعودية بالأسلحة والذخائر من الولايات المتحدة، فضلاً عن إنشاء برنامج تدريب أمريكي للجيش السعودي.

وفي هذا الاتفاق الاستراتيجي الجديد بين أمريكا والمملكة السعودية، ستتمكن الرياض من تحقيق رغبتها التي طال انتظارها في برنامج نووي مدني، يشمل تخصيب اليورانيوم على الأراضي السعودية للأغراض السلمية وتطوير نظام إنتاج الوقود الخاص به، وهو ما كان يُشْعِرُ المسؤولين الأمريكيين والصهاينة بالقلق قبل عدة أشهر، وفي المقابل ستحصل الولايات المتحدة على اليورانيوم الموجود في المملكة، بحسب موقع “بلومبيرغ”.

ومع ذلك، يرى أوليفر جون رئيس شركة “أسترولاب غلوبال استراتيجي”، المعنية بالاستشارات السياسية والاقتصادية للشرق الأوسط، في حديثه مع “اندبندنت عربية”، أنَّ الإعلان عن اقتراب التوقيع على اتفاقات الدفاع المشترك والتعاون النووي المدني والدعم التكنولوجي، لا يعني التنازل عن الشرط السعودي بتحقيق السلام في غزة واتباع مسار موثوق لإنشاء دولة فلسطينية إلى جانب الكيان الصهيوني، كما لا يعني أيضاً تراجع الولايات المتحدة عن ربط الاتفاقات بالتطبيع بين المملكة السعودية والكيان الصهيوني  السعودي لدعم الاستقرار الإقليمي في المنطقة.

حرب غزة وتغيير الاستراتيجية في إقليم الشرق الأوسط

شَكَّلَ انسحاب القوات الأمريكية من العراق وأفغانستان، والانتصار الذي حققته الدولة الوطنية السورية في حربها ضد التنظيمات الإرهابية والتكفيرية من خلال الدعم الإقليمي والدولي الذي لاقته من جانب روسيا وإيران وحزب الله، وكذلك الحرب الروسية في أوكرانيا مع بداية عام 2022، التـي تدخل في سياق، حرب الرئيس بوتين من أجل إسقاط النظام العالمي الليبرالي المتوحش أحادي القطبية بزعامة أمريكا، دلائل قوية، على أنَّ السياسة الخارجية الأمريكية منذ عهد إدارة الرئيس السابق أوباما وصولاً إلى إدارة الرئيس بايدن تعاني من إرباكاتٍ قويةٍ في تحديد الأولويات والقضايا الاستراتيجية والتعامل معها، في نظر الدول الخليجية، لا سيما المملكة السعودية المتخوفة من الصعودِ الإقليميِّ لإيران، وتوصل إدارة بايدن لإعادة تفعيل الاتفاق النووي معها.

في عام 2022، ومع اندلاع حرب روسيا في أوكرانيا، تخوف البعض من أنَّ الانشغال الأمريكي قد يؤدي إلى تفكك الشراكات الأمريكية مع دول الخليجية في إقليم الشرق الأوسط؛ فقد دخلت أمريكا في الحرب في أوكرانيا من خلال التدفق العسكري والمالي والاستخباراتي، فقد رأت الإدارة الأمريكية المدافعة عن بقاء النظام العالمي الليبرالي الأمريكي المتوحش، أنه إذا لم يتم وقف “العدوان الروسي على أوكرانيا” حسب رأيها، فمن المؤكد أنه سيشجع خصوم أمريكا في المسارح الأخرى التي قد تعتقد أنَّ العالم لن يحشد الإرادة السياسية والموارد العسكرية والاقتصادية في مسرح آخر إذا سعى أحد هؤلاء الخصوم إلى استخدام القوة لإعادة تشكيل الحدود. ومن الواضح أنَّ هؤلاء الخصوم هم الصين في منطقة آسيا والمحيط الهادئ، وإيران في الشرق الأوسط.

إذن، فقد اعتقد المحللون والخبراء أنَّ إقليم الشرق الأوسط لم يعُدْ يحتلُ في سلم أولويات استراتيجية الأمن القومي الأمريكي. فتجذَّرَتْ الشكوك بين الأمريكيين والعرب الخليجيين عقب اندلاع الحرب الروسية – الأوكرانية، لا سيما مع رفض السعودية زيادة الإنتاج النفطي، وتصويت الإمارات المحايد في الأمم المتحدة مرّتين، ما انعكس على الأسئلة حول العلاقة بين الإدارة الأمريكية والمنطقة.

لكنَّ كل ذلك قد تغير إثر اندلاع حرب السابع من أكتوبر تشرين الأول 2023 بين حماس والكيان الصهيوني، فقد تحول التركيز على الشرق الأوسط، وتغيرت أفضل الخطط الموضوع.

كان طوفان الأقصى، ولا زال، بمنزلة تسونامي سياسي واستراتيجي واستخباراتي وعسكري، وستكون له آثاره وتوابعه الزلزالية على مصير القضية الفلسطينية ومستقبل المنطقة. كما سيكون أيضا أحد العوامل المؤثرة في هذه المرحلة الانتقالية من عمر العالم الذي يشهد تغيرات واسعة المدى في تشكيل القوى الإقليمية والدولية، وتعرية النظم والولاءات والتحالفات.

من المتوقع أن تستفيد الولايات المتحدة والسعودية من تجديد شراكتهما الاستراتيجية المركزية، فعلى الرغم من التقلّبات التي شهدتها العلاقة بين البلدين خلال السنوات الأولى من حكم الرئيس بايدن حول بعض الملفات الحساسة للبلدين، فإن الأحداث اللاحقة أعادت إدراك البلدين أنه من مصلحتهما التوصل إلى نوع من التسوية الأمنية التي تؤكد أهمية العلاقات بينهما وتوفر ضمانات إضافية للرياض بدعم واشنطن، لا سيما في ضوء تخوف المملكة السعودية والدول الخليجية من الصعود الإقليمي للجمهورية الإسلامية الإيرانية التي تدافع عن القضية الفلسطينية، وتدعم قولاً وفعلاً المقاومة الفلسطينية في مواجهة العد الصهيوني.

ما حقيقة التطبيع بين الكيان الصهيوني والمملكة السعودية؟

على الرغم من العدوان الوحشي الذي شَنَّتْهُ قوات الاحتلال الصهيوني على قطاع غزَّة منذ ثمانية أشهر، بوصفه عملاً حربياً إجرامياً ضد الفلسطينيين، فإنَّ وسائل الإعلام الصهيونية والأمريكية ظلت تتحدث عن موضوع التطبيع بين الكيان الصهيوني والمملكة السعودية، وكأنَّه وشيك التحقيق.

وإذا كانت حركة التطبيع تسارَعَتْ مع  وصول جِيلٍ جَديدٍ إلى السلطة في الخليج، لا يجد حَرَجاً من تابوهات أسلافه، في عهد الإدارة الأمريكية الجمهورية السابقة بقيادة ترامب، فإنَّ المملكة السعودية ظلت تُرَاوِغُ في موضوع التطبيع في ظل الإدارة الأمريكية الحالية بقيادة جو بايدن، لأنَّها لا تزال متمسكةً بموقفها الرسمي من القضية الفلسطينية، وتريد استخدام قدراتها الدبلوماسية وعلاقاتها السياسية مع السلطة الفلسطينية ومع الدول العربية والإسلامية لتسهيل إيجاد الحلول المعقولة والمقبولة والمبتكرة بشأن القضايا المختلف عليها في البنود المتضمنة في المبادرة العربية للسلام التي تقدمت بها المملكة العربية السعودية، ومن خلال تبنِّي الولايات المتحدة للمبادرة بطرح الحلول الإبداعية للمسألتين الرئيستين، وهما مدينة القدس، واللاجئين الفلسطينيين.

ما هي رؤية الكيان الصهيوني للتطبيع مع السعودية؟

يسعى الكيان الصهيوني إلى إقامة علاقات دبلوماسية كاملة مع المملكة السعودية، باعتبار مكانتها الاقتصادية والمالية والسياسية في العالم العربي والإسلامي، لا سيما أنَّ “إسرائيل” أقامت علاقات كاملة مع أربع دول عربية في عام 2020، وهي، الإمارات، والبحرين، والمغرب، والسودان، فضلاً عن علاقاته السابقة مع كل من مصر بحكم توقيع اتفاقيات كامب ديفيد عام 1979، ومع الأردن بحكم اتفاقيات وادي عربة في عام 1994، وظلت الدول العربية الأخرى في المنطقة مثل سوريا والعراق ولبنان خارجة عن السرب، نظراً لعلاقاتهم الاستراتيجية مع إيران.

في الوقت الحاضر، يولي الكيان الصهيوني أهمية خاصة للتطبيع مع المملكة السعودية، بوصفها الدولة العربية المهمة في المنطقة، التي سوف تفتح له آفاقاً رحبةً في العالم الإسلامي، نظراً لمكانتها الدينية.

خاتمة

إذا تمَّ التوقيع على الاتفاق الإستراتيجي بين الولايات المتحدة الأمريكية والمملكة السعودية، فإنَّه سيمثلُ انتصاراً للرئيس الأمريكي جو بايدن في معركته الانتخابية الرئاسية المقبلة، باعتباره الرئيس الأمريكي الذي صنع السلام، أخيراً، بين الكيان الصهيوني والمملكة السعودية، وهو الهدف الاستراتيجي للسياسة الخارجية الأمريكية الساعية إلى إنشاء هيكل أمني جديد في إقليم الشرق الأوسط، يقوم على تحالف عسكري وسياسي أمريكي أوسع مع عديد من دول المنطقة بما فيها السعودية والإمارات والكيان الصهيوني، في مواجهة القوة الإقليمية الصاعدة ألا وهي إيران. إنَّه التحالف الذي سوف يسمح للإمبريالية الأمريكية تخصيص مزيد من وقتها وطاقتها للتعامل مع روسيا والصين، المنافسين الرئيسين لها على النفوذ والقوة العالميين.

ويظل العائق الرئيسي في نجاح الاتفاق الأمريكي – السعودي، هو رفض رئيس الحكومة الفاشية الصهيونية بنيامين نتنياهو قبول حل الدولتين، إضافة إلى معارضته استعادة حكم السلطة الفلسطينية على غزة وإصراره على تصفية حركة حماس، بما في ذلك داخل رفح، كما أنه على خلاف تام مع بايدن في شأن هذه القضايا وكذلك في شأن تصورات الحل في اليوم التالي لانتهاء الحرب في غزة.