إقليميات

أبعاد الوجود الأمريكي على شاطئ “غزة”…

بقلم: زينب عدنان زراقط

وهذا يعني أن العدو الصهيوني هُزم في هذه الحرب هزيمة نكراء وأن المقاومة الفلسطينية انتصرت.. لأن النّصر يعني الوصول إلى نتائج تحقق أهداف الحرب وإفشال الخصم في تحقيق أهدافه.

المقاومة الفلسطينية وبشهادة العالم كله نجحت في إفشال أهداف العدو المعلنة وغير المعلنة، وبالتالي فالنتيجة فإن مرارة الهزيمة تجعل العدو الصهيوني وبشكل هستيري وبسبب عنجهيته وعدم تقبله للهزيمة أن يستمر في هذا العدوان، وهذا بدوره يعني استمرار استنزافه والمزيد من الخسائر الكبيرة في عدده وعتاده والمزيد من الضحايا الأبرياء العُزّل واستمراراً في سياسة التنكيل بحقّ الشعب الفلسطيني المُقاوم حتى آخر نَفَس… فما هي أطماع الإسرائيلي من البقاء في “غزة” وكيف تمكنت أمريكا من فرض موطئ قدم لها عن طريق مأساة “غزة”؟.

الاحتلال الصهيوني جعل معظم سكان غزة – قبل فترة طويلة من الإبادة الجماعية التي يتعرضون لها حالياً – معدمين يعانون من حالات نقص حاد في التغذية، من خلال السياسة الصهيونية طويلة الأمد التي انتهجوها تجاه سكان غزة من تجويع على مدى عدة عقود، حيث اشتدت الأزمة الغذائية عند فلسطينيّي غزة في أوقات عدوان الاحتلال على القطاع، والتي كانت أولها العدوان الذي شنه الاحتلال على القطاع في ديسمبر 2008، والذي أُطلق عليه: “الرصاص المصبوب”، والذي كان من أهم نتائجه، الزيادة الحادة في حالات سوء التغذية لفلسطيني القطاع.

قبل بدء العدوان الصهيوني الأخير على غزة كانت أغلب البضائع والسلع – حوالي 80% – التي تدخل إلى قطاع غزة تأتي عبر الكيان الصهيوني، والذي فرض حصاراً شاملاً على القطاع منذ أكثر من 17 عاماً، ومع بداية العدوان الجاري على القطاع، أعلن عدد من كبار المسؤولين داخل الكيان الصهيوني عزمهم على حرمان أهالي قطاع غزة من أبسط احتياجاتهم الأساسية. ففي 9 من أكتوبر من العام السابق أعلن وزير الطاقة الصهيوني “إسرائيل كاتس” أنه أمر بقطع الكهرباء والمياه والوقود عن القطاع، قائلاً: “ما كان، لن يكون”. وفي اليوم نفسه، طالب وزير جيش الاحتلال “يوآف غالانت” بفرض “حصار كامل” على القطاع، معلناً: “لن يكون هناك غذاء، لن يكون هناك وقود”. كما صرّح وزير الأمن الصهيوني المتطرف “إيتمار بن جفير” في السابع عشر من أكتوبر قائلاً: “طالما أن المقاومة لا تطلق سراح الرهائن الذين في أيديها، فإن الشيء الوحيد الذي يجب إحضاره إلى غزة هو مئات الأطنان من المتفجرات عبر القوات الجوية، وليس جرام واحد من المساعدات الإنسانية”، وهو ما أكده في اليوم التالي رئيس وزراء الاحتلال الصهيوني “بنيامين نتنياهو” في تصريحه الذي قال فيه: “لن نسمح بدخول المساعدات الإنسانية على شكل غذاء وأدوية من أراضينا إلى قطاع غزة”.

وتشير كل تلك التصريحات السابقة إلى نية حرمان الفلسطينيين داخل القطاع المحاصر من المواد الأساسية التي تساعدهم في البقاء على قيد الحياة، بما في ذلك المنع المتعمد لإيصال المساعدات – وهو التعريف القانوني لـ “استخدام تجويع المدنيين كوسيلة للحرب” -، الأمر الذي يمثّل جريمة حرب وفقاً لنص المادة الثامنة من نظام المحكمة الجنائية الدولية والتي تقول: (إن تجويع المدنيين عمداً بحرمانهم من المواد الضرورية التي لا غنى عنها لبقائهم بما في ذلك تعمّد عرقلة الإمدادات الإغاثية الإنسانية يعد جريمة حرب).

أمريكا وتدمير “غزة”!..

الأمريكيون هم صنّاع جريمة الإبادة الجماعية بحق الفلسطينيين في غزة والممولين، إذ تفضحهم شحنات الأسلحة بين واشنطن و “تل أبيب” ومليارات الدولارات الممنوحة لإسرائيل… وكانت آخر أكاذيب صهاينة البيت الأبيض ادّعاء زيادة حجم المساعدات للغزاويين والبدء في إنشاء رصيف بحري مؤقّت على شواطئ غزة بهدف إيصال كميات كبيرة من المساعدات إلى قطاع “غزة”، ولكن خطوة مثل هذه تُكلِّف الإدارة الأمريكية أكثر من 320 مليون دولار كيف لها أن تقتصر على الأهداف الإنسانية فحسب؟.

رصيف “غزة” الذي أعلن الرئيس الأمريكي عنه في خطاب “حالة الاتحاد” في 7 مارس المنصرم وأعطى أوامره للجيش الأمريكي للبدء في إنشاء رصيف بحري مؤقت قبالة شواطئ غزة للمساعدة في إيصال كميات مساعدات كبيرة إلى القطاع؛ فيما بدأت موجة من التحليلات والشكوك والتكهنات والانتقادات تتصاعد حوله خصوصاً في ظل الترحيب الصهيوني به.

اللجوء إلى ممر بحري يكون عادة في ظل استحالة استخدام الممرات البرية، لكن في حالة قطاع “غزة” هناك معابر ميسّرة وسهلة وتحتاج فقط لقرار إسرائيلي لإعادة عملها، ذلك ما يُعزّز كل الشكوك المثارة حول هذا المشروع على أنه فكرة “خبيثة” أضف إلى حجم الغموض الذي يكتنفه، إذ أن الإدارة الأمريكية تعمّدت أن لا تنشر تفاصيل وافية حوله تحت ذريعة الاعتبارات الأمنية، ومن أهم التفاصيل التي أخفتها الإدارة الأمريكية هي الموقع الجغرافي التي سيحتله هذا الرصيف العائم سواء في جزئه المنشور في المياه أو في الجزء المتصل بشواطئ غزة، كما أنها تعمّدت إخفاء التفاصيل فيما يتعلق بمن سيشرف على هذا الرصيف داخل قطاع غزة سواء من ناحية تأمينه أو من ناحية توزيع المساعدات داخل قطاع غزة.

بدأ تشغيل الميناء رسمياً يوم الجمعة 17 مايو 2024، بعد نحو شهرين من انطلاق عملية البناء التي تولاها الجيش الأمريكي بحجّة إيصال المساعدات الإنسانية إلى سكان قطاع غزة تحت رقابة إسرائيل، ليتبيّن أنه تزامن مع تقديم الأسلحة والذخائر للجيش الصهيوني الذي يشن حرباً على القطاع!. فيما لا يساور أي فلسطيني أي شك في أن إسرائيل تبحث عن وسيلة يمكن من خلالها تنفيذ هدفها “الحقيقي والاستراتيجي” من وراء الميناء العائم، هو تهجير الفلسطينيين خارج قطاع غزة.

ختاماً، يهدف الكيان الإسرائيلي إلى فصل غزة عن الفلسطينيين بالضفة الغربية، وهو هدف أساسي لدى رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، لإفشال أي مشروع سياسي لإقامة دولة فلسطينية، عبر إبعاد أي وجود فلسطيني رسمي بالقطاع ومن خلال موقع الرصيف البحري قبالة القاعدة العسكرية التي يقيمها الجيش الإسرائيلي ويوسعها بشكل مستمر عمدَ إلى عزل شمال القطاع عن جنوبه، فهل سيطول أمد الحرب مع تعزز الوجود الإسرائيل العسكري في غزة؟ وما هي أبعاد الوجود الأمريكي على شاطئ “غزة” في ظلِّ التّمويل العسكري لإسرائيل؟.