دوليات

كوريا الشمالية تطور قدرات نووية .. قادرون ردع الولايات المتحدة الأمريكية

بقلم: ابتسام الشامي

تطوير قدرات نووية

تسابق كوريا الشمالية الزمن في عملية بناء القوة وتطوير قدراتها الصاروخية بعيدة المدى، وإذا كان العالم منشغلاً بمآلات الصراعات المفتوحة على تحولات كبرى في موازين القوى الدولية من غرب آسيا الى قلب أوروبا، مروراً “بالصحوة” الأفريقية ضد الاستعمار القديم، فإن بيونغ يانغ تبدو منشغلة جداً في تحصين أمنها القومي، في مواجهة الولايات المتحدة الأمريكية وحضورها المتنامي التأثير في بيئتها الاستراتيجية، من خلال حلفائها التقليديين لا سيما كوريا الجنوبية واليابان. ثمة في كوريا الشمالية، انطباع معبر عنه بالحراك المتسارع في بناء القوة، بأن الصراع مع أمريكا وحلفائها قد يقع غداً. لا يغير من هذه القناعة انشغال الولايات المتحدة الأمريكية في هذه المرحلة، بالحرب العدوانية الإسرائيلية على قطاع غزة، ولا انشغالها كذلك بمآلات الصراع الروسي الأطلسي في أوكرانيا، علماً أن لهذين الحدثين الجاريين، تداعيات كبرى على النفوذ الأمريكي، في لحظة يشهد فيها العالم مخاض ولادة نظام جديد، على أنقاض النظام الأحادي الآفل.

بالنسبة لزعيم كوريا الشمالية، القوة وحدها تردع الأعداء عن المغامرة، وهو أعاد خلال الأيام الماضية تأكيد “قدرة بلاده على ردع الولايات المتحدة عن التدخل عسكرياً في شبه الجزيرة الكورية، وتدمير القوات الكورية الجنوبية إن تعرضت للاعتداء”. وخلال زيارته إلى أكاديمية علوم الدفاع احتفالاً بالذكرى الـ 60 لتأسيسها، لفت جونغ أون “الحالة الجدية” بخصوص ضمان أمن دولة كوريا الشمالية. مشدداً خلال تقييمه لمخاطر ما وصفه “بالهستيريا الاستفزازية” العسكرية والسياسية للولايات المتحدة وحلفائها، على التحديث “الجذري لصناعة الدفاع في البلاد. داعياً إلى رفع مستوى قوة القوات المسلحة “من دون تهاون وإلى الحد الأقصى”، مشيراً إلى أن الهدف النهائي يتمثل في الحصول على “أكبر قوة استراتيجية وغير مسبوقة على مستوى العالم” لصون كرامة وسيادة البلاد بشكل موثوق.

الزعيم يشرف على مسار التطوير

خطاب الزعيم الكوري الشمالي، جاء على مسافة أيام قليلة من إشرافه الشخصي، على اختبار صاروخ باليستي تكتيكي جديد مزود بتكنولوجيا توجيه متقدمة. حيث أطلقت كوريا الشمالية في الثامن عشر من شهر أيار الحالي، عدداً من الصواريخ الباليستية قصيرة المدى نحو البحر قبالة ساحلها الشرقي، بعد يوم واحد فقط من إجراء الولايات المتحدة وكوريا الجنوبية تدريبات مشتركة باستخدام مقاتلات شبح في محاكاة لقتال جوي.

وقبيل تبادل رسائل الاستعداد والردع بين الجانبين، كان الزعيم الكوري الشمالي، قد دعا إلى “تغيير تاريخي” في استعدادات الحرب عبر تحقيق أهداف تتعلق بإنتاج الأسلحة لهذا العام. وفي إطار الاستعداد للتعامل مع “الاستفزازات الأمريكية”، كان كيم قد أشرف على مناورة تحاكي “هجوماً نووياً مضاداً”. وبحسب ما أفادت به وكالة الأنباء الكورية الشمالية، فإن المناورة جرت بمشاركة “وحدات راجمات صواريخ ضخمة للغاية”، وخلالها أشاد كيم “بقوة ودقة” الصواريخ التي “أصابت هدفها على جزيرة” تقع على بُعد 352 كيلومترا.

وفي سياق متصل بتعزيز القدرات، أشرف الزعيم الكوري الشمالي كيم جونغ أون، على تدريبات خاصة بقاذفات مدفعية صاروخية متعددة كبيرة للغاية من عيار 600 مليمتر.

ووفقاً لوكالة الأنباء المركزية الكورية الشمالية فإن “كيم، أعطى أمراً مباشراً بتنظيم إطلاق النيران إظهاراً للقوة”. وجاء في تقرير للوكالة ذاتها أن التدريبات كانت تهدف إلى إظهار “إرادة كوريا الشمالية المقابلة بعدم التردد في تنفيذ هجوم استباقي عملاً بحق الدفاع عن النفس في أي وقت يحاول فيه الأعداء استخدام القوة العسكرية ضدها”. ونقلت الوكالة الرسمية عن كيم، قوله إن “إطلاق النار سيكون مناسبة لإظهار العواقب التي سيواجهها خصومنا بوضوح إذا ما قاموا باستفزازنا”. مشدداً على أن “القوات النووية لكوريا الشمالية يجب أن تكون أكثر استعداداً لمحاولة تنفيذ مهمة ردع الحرب بسرعة وبدقة”.

على أن الانطلاقة القوية من خلال الاستعدادات العسكرية وتطوير القدرات التي صاحبتها رسائل ردعية للولايات المتحدة الأمريكية وكوريا الجنوبية، منيت بانتكاسة، مع فشل محاولة كوريا الشمالية إطلاق صاروخ يحمل قمراً اصطناعياً للتجسس العسكري يوم الاثنين الماضي، حيث انتهت المحاولة بالفشل مع انفجار الصاروخ بعد وقت قصير من الإقلاع، علماً أن بيونغ يانغ كانت قد نجحت في وضع قمر اصطناعي للتجسس في المدار في نوفمبر 2023 بعد محاولتين فاشلتين في أيار وآب الماضيين.

خاتمة

كان لافتاً للانتباه جداً أن كوريا الشمالية التي تطور قدرات استراتيجية ونووية، لا تحمل رسائل من نوع آخر، كلام الزعيم عن قدرة بلاده على ردع الولايات المتحدة الأمريكية، جاء بعد يوم واحد من إرسال بيونغ يانغ، مئات البالونات التي تحمل “القمامة والفضلات إلى جهة الجنوب” رداً على “حملة نشطاء سيئول لإرسال منشورات مناهضة لبيونغ يانغ عبر الحدود”. وما بين الردع النووي، ورسائل “القمامة” ثمة نار تحت الرماد تستعر، وربما تشتعل.