إقليميات

من أيّ باب ستخرج إسرائيل لتُنهيَ الحرب؟

بقلم: زينب عدنان زراقط

وفي محاولات ميؤوس منها، يعمل الكيان الصهيوني على إيصال رسائل متعددة للمقاومة في لبنان توحي بأنه على وشك القيام بإشعال الجبهة الشمالية، حيث بدأت وسائل إعلام العدو تتحدث عن قرب الانتهاء من المناورة العسكرية في رفح والبدء بنقل العديد من القوات إلى الجبهة الشمالية، كما وتم الإيعاز لمستشفى زيف في صفد للاستعداد والجهوزية اللازمة لنشوب حرب، وقامت بعض الدول بتحذير رعاياها في لبنان والطلب منهم للمغادرة الفورية، هذه الإشارات وغيرها تعطي الانطباع بأن الحرب على لبنان أقرب مما يتوقعه البعض، ومع ذلك يبقى هناك احتمال قوي بأن ما يقوم به الكيان يندرج في إطار الحرب النفسية للضغط على حزب الله للقبول بإيجاد حل سياسي والتوقف عن مهاجمة شمال فلسطين المحتلة؛ لأن الكيان يعلم بأن حزب الله غير معني بالدخول في حرب شاملة سيكون لها انعكاسات على الدولة اللبنانية التي تعاني أصلاً من ضائقة اقتصادية وأزمة سياسية مستحكمة، ويظلّ احتمال نشوب الحرب أمراً وارداً، إلا أن الكيان لا يزال يفضل الحل السياسي مع لبنان لكي يتمكن من إعادة النازحين إلى مدنهم وقراهم لأن بقاءهم مشردين ولاجئين في “وطنهم!” فيه خطر وتهديد وجودي للكيان الصهيوني. فما هي حقيقة حال الكيان الصهيوني وآراء الوسطاء والمحللين السياسيين والعسكريين في وسطه ومدى إمكانية دخوله في مواجهةٍ أوسع ضدّ “حزب الله”؟!.

مأزق نتنياهو

بعد خروج غانتس وايزنكوت من كابينت الحرب، أصبح نتنياهو يتحمل العبء الأكبر في إدارة معركة متعددة الجبهات، في ظل انقسام ومعارضة كبيره لسياساته في إدارة هذه الحرب، وأهم هذه التحديات:

1- التحدي الأكبر الذي يواجه نتنياهو يتمثل في تحقيق أهداف الحرب التي أعلنها وإعادة الأسرى.

2- التحدي الثاني يتصل بالجبهة الشمالية وما تشهده من تصعيد مستمر والاستمرار في تهجير عشرات الآلاف من سكان الشمال وفي ذلك مس بسيادة الدولة وقدرتها على توفير الأمن لمواطنيها.

3- التحدي الثالث يتمثل بتدهور العلاقات مع الإدارة الامريكية ومع دول أوروبية. فيما يتداول بين الوسطاء بأن “الأمريكي أخبر الإسرائيلي.. لن نستطيع مساعدتكم في الحرب على لبنان ومصلحة بلادنا فوق كل اعتبار” خصوصاً مع اقتراب الإعلان عن البرامج الانتخابية للرئاسة الأمريكية.

4- التحدي الرابع له علاقة بحالة الانقسام الداخلي الذي تُعبّر عنه المظاهرات الحاشدة التي تُطالب بإقالة الحكومة وإجراء انتخابات مبكرة، وفي نفس الوقت جرت مظاهرات تطالب بإعادة الأسرى، ومظاهرات أخرى لسكان الشمال تطالب بالعودة لأماكن سكنهم، أمام هذه التحديات لا يستطيع نتنياهو يصمد مدة طويلة فإما أن يندفع للأمام ويذهب لمواجهة إقليمية أوسع – وذلك ما هو مُستبعد – وأمّا الخيار الثاني – المُرجّح – أن يذهب لوقف الحرب ويكون ذلك من خلال إعلان الجيش عن نهاية عملياته في غزه والذهاب لصفقة تبادل وتهدئة الجبهة الشمالية.

ضوضاء توسّع الحرب..

فيما تتعالى أصوات عملاء الداخل بإثارة القلق وفبركة الأخبار على أن التصعيد في الحرب سيحصل لا محالة، تتجه الأوساط الداخلية والمحللين السياسيين داخل كيان العدو إلى اعتبار أن موضوع التوسع بالحرب واحتدام المواجهة أمرٌ ميؤوس منه وليس باستطاعة إسرائيل عليه!. وفي هذا الصدد يقول الباحث في “معهد أبحاث الأمن القومي” في جامعة تل أبيب والرئيس الأسبق للجنة الخارجية والأمن في الكنيست، عوفِر شيلَح، في مقال له عبر يديعوت أحرونوت، أنه “أشكك في جدوى توسيع إسرائيل الحرب في لبنان، في وقت تتزايد فيه الأصوات التي تتعالى في إسرائيل التي تطالب بتصعيد القتال ضد حزب الله إلى حرب واسعة”.

باعترافات وسائل الإعلام إسرائيلية، تُصرّح بأن حزب الله وبفضل التكنولوجيا المتاحة والأسلحة الدقيقة، أصبح “جيشاً ذكياً يتمتّع بقدرات دقيقة على جمع المعلومات الاستخبارية والهجوم، على نحو يهدّد الجيش والبنى التحتية الحيوية في إسرائيل”. وتحدّثت صحيفة “هآرتس” العبرية عن تزايد التّهديد الذي تُمثّله الطائرات المسيّرة التي يمتلكها حزب الله بالنسبة لإسرائيل، مشيرةً إلى نجاح الحزب في تحدي منظومة الدفاع الجوي لدى الاحتلال، الذي “لا يملك إجابةً كاملةً على الإطلاق شبه اليومي للمسّيرات”. برز ذلك خصوصاً بعد التهديد المباشر عبر “ما جاء به الهدهد” إلى كيان العدو الإسرائيلي وهو ما شكّل صدمةً فضحت هشاشة أنظمته الدفاعية وانكشفت كل مواقعه ونقاطه الحساسة أمام أعين “حزب الله” وأصبحت بمُتناول يديه، فلعلّ ما يُهول به العدو الآن بعد مُضي أيّام من حصول اختراقه الأمني، ما هو سوى ردّة فعل اعتبارية لجبروته الذي اضمَحلَّ على رؤوس صواريخ المقاومة وبين أجنحة هُدهدها.   

فيما يعيش العدو التهديد المباشر والقلق من أن أي حرب مقبلة مع “حزب الله” سوف تدخل فيها المقاومة إلى “الجليل”، ومن يدري لربما تُسترجع تلال “كفرشوبا” و “مزارع شبعا” أيضاً. وفي سياقٍ مُتصل، يقول مفوض شكاوى الجنود السابق اللواء “إسحاق بريك”: إذا انتبهنا إلى ما يفعله حزب الله بالجليل في الأشهر الأخيرة، نجد المستوطنات تنهار، خالية من الناس، وعشرات الآلاف من الدونمات المحروقة، ونحن بكل ما نملك من طائرات وقبة حديدية نفشل في إيقاف الطائرات بدون طيار والصواريخ والقذائف منذ أشهر، لأننا لم نجهز أنفسنا لعشرات الصواريخ وليس الألاف منها والتي سنحظى بها في أي حرب مقبلة”.

ومن المعلوم أنه قد كان إسقاط حكم حماس في قطاع غزة هو أحد أهداف الحرب التي بدأت قبل تسعة أشهر تقريباً. إلا أن الوزير آفي ديختر من حزب الليكود عبر هارتس يوضح أن “تقليص قدرة حماس الحكومية في غزة هو هدف لا يزال بعيد المنال”، وأكد أن الطريق لتحقيق ذلك هو أن تسيطر إسرائيل على القطاع”، وذلك ما انعدم أُفق إنجازه بعد ما يُقارب التسعة أشهر من الحرب دون جدوى!. حتى أن حكومة نتنياهو فشلت في إنشاء بديل حكومي مدني في غزة، حسب ما يُفيد به رئيس مجلس الأمن القومي السابق أيال حولتا، الأمر الذي يضع مسؤولية أكبر على عاتق الجيش، وهي إحدى أكبر الإخفاقات، لأن النتيجة الفعلية هي عودة حماس تدريجياً للسيطرة على القطاع. وعليه، يتضح أنه ما من إنجازات قد تحققت من الأهداف التي رسم لها الجيش الإسرائيلي، وما من أحد في إسرائيل أشار حتى الآن إلى سيناريو معقول لنهاية الحرب ويسمح بتغيير الوضع من أساسه وعودة سكّان شمال إسرائيل إلى بيوتهم، وحتى أنه لا توجد أدنى فكرة حول ما هو الإنجاز الحقيقي الذي سيبرر الضرر الأكيد الذي سيلحق بالجبهة الداخلية الإسرائيلية.

كلمة أخيرة، هناك كم هائل من الأخبار التي يتم بثها بقصد إثارة الخوف والتهويل.. من وصول قوات إلى الحدود الشمالية، إلى وصول بوارج حربية، حتى الطلب من رعايا الدول مغادرة البلاد.. كل هذه الأخبار الغرض منها واضح ومقصود، فيما المقاومة على أهبة الاستعداد لكل الاحتمالات وإن انقاد تهوّر العدو إلى حربٍ في الجنوب اللبناني.

فالسؤال الكامن ها هُنا، ليس إن كان الإسرائيلي فعلاً مستعداً لخوض حرب مع حزب الله، أو إن كان لديه القدرة على تحويل الجيش المستنزف من غزة إلى الشمال ومستعداً لتحمل الكلفة على الجبهة الداخليةِ، وإنما التساؤل هو من أيّ باب ستخرج إسرائيل لتُنهيَ الحرب؟.