لا صَوتَ أَوحشُ من صدى المنفى!
بقلم غسان عبد الله
كَمْ بُحَّ وجهيَ من هبوبِ الرّيحِ يا أُمّي.. وخانتني الجسورُ…
أحتاجُ جُرحاً في أَديمِ النَّارِ أَدفنُ غربتي في دفئِهِ
فَلِمَ الوقوفُ إِذا تدلَّى من أصابعيَ السُّقوطُ وكُلُّ ما تحتي يَمُورُ؟!…
للنارِ أَنْ تأَتي فما في الرُّوحِ غيرُ هشيمِ أنفاسٍ وما في الرّيحِ للظمآنِ مَاءُ…
للنار أَنْ تأتي وتعصرَ هطلَها في جيبِ أحلامي فترتَاحُ الدِّماءُ.
للنَّار أن تأتي فَتِسْعُ أصَابعٍ أَشعلتُ كي أتلمَّسَ الأحلامَ بالباقي
وأعلمُ أنَّ ما سرّبتُ من كفيَّ شمعٌ من فراشاتٍ يَذوبُ ولا يُضِيءُ.
ما بينَ هطلٍ من دموعيَ أو بكأسي أَحتمي بِتَعَرُّجِ الخُطواتِ
كيما يخطِئَ الحزنُ الوُصولَ إلى دمي فَأراهُ مِنْ جلدي يَجِيءُ.
ما بينَ عشقَينِ استبدَّا بي أَنوسُ.. أودُّ لو أَصحو وأعرفُ سوف تشربُني الهمومُ.
سيكونُ عرسٌ للظلامِ إذا صحَوتُ
وتنتشي بالرَّقصِ جِنِّيَّاتُ خَيباتي فَتُنجيني تلاواتُ الكتاب
أودُّ لو أغفو ولا تَصحو بأحلامي الكُلُومُ.
يا أيُّهَا البَردُ المَكينُ أَلا انجَلِ قَدْ سَاقَني حُزني إليكَ
فهل أَكونُ مُضرَّجَاً بالشَّمسِ والبردُ الحصينُ على قبابِ فمي يَحُومُ؟؟
في البدْءِ كانَ الحزنُ نصفَ عبارةٍ وَبِسِرِّهَا تُشْقِيكَ أَنصافُ الجُمَلْ.
لا.. لم أَكُنْ أَنوي احترافَ الحُزنِ حينَ زرعتُ عشباً
من مشاتلِ عشقي في كُرَّاسِ مَدرستي ودَارَ العُمرُ دورتَهُ
فضيَّعتُ المشاتلَ في متاهاتِ الجَدَلْ.
في البدءِ كانَ الحزنُ بعضاً من تفاصيلي
وها يَبدو دَمي متورطاً بالحُزنِ من يُنبوعهِ حتَّى أقاصي النَّزفِ
يَجفَلُ من تَمَدُّدِ ضحكةٍ ورديَّةٍ في رَاحَتيهْ.
هذا دَمي مرصودُ ليلِ الدَّمعِ.. شيخُ طريقةِ الأحزانِ سَدَّ لَهُ السُبُلْ.
كَمْ يا تُرَى قمرٌ سَيُخسفُ في سمائيَ
قبلَ أن أستدرجَ الفجرَ العنيدَ إلى ستائر غُرفتي ويبوحَ شُبَّاكٌ بِمَا في اللَّيلِ يُخْفي.
شفتايَ يابِسَتَانِ.. هل مِنْ واحةٍ تدعو بمزمارِ الضراعةِ عشبةَ الغَيماتِ؟؟
مُرِّي يا سَحابةُ في فناءِ دَمي ولو أُكذوبةً فيدايَ بارِدَتانِ من نيرانِ خَوفي.
مُرِّي على قلبي كَمَا ريحانةٌ ليُضيءَ في خفقاته وردٌ ومسكُ.
لا صَوتَ أَوحشُ من صدى المنفى سوى نوحِ اللَّيَالي
لَنْ يُهيلَ الحلمُ في عتباتِ نومي الفَوضَوِيِّ سوى المزيدِ مِنَ الضَّجيجِ
لذا امتثلتُ لحبرِ قافيتي المُرَاوغِ.. ليسَ لي صدرٌ سواهُ..
أَدُقُّ أجراسَ الصُّراخِ على غَلائِلِهِ وأَشكو.. لَنْ أَستعيدَ بغيمةٍ يا قلبُ دفءَ الرُّوحِ
هذا الوقتُ ثلجٌ.. لا يُسَرِّبُ من أَديمِ جليدِهِ باقي الفُصولْ.
آثرتُ ألاَّ أَشتهي ثُقباً بجدرانِ الظَّلامِ
فَأيُّ طعمٍ لاستباقِ البَابِ ما دامَ القميصُ مُمَزَّقاً حتَّى الثمالةِ
أيُّ طعمٍ للخروجِ من الجُنونِ إلى الذُّهولْ.
آثرتُ أَنْ يَبقى حضوريَ غَارقاً حَدَّ الغيابِ بنهرِ ذاكرتي
لأُغريَ شمعةَ الماضي الممدَّدِ فوق روحي بالذبولْ.