إقليميات

انتظار الرّد قصاصٌ يَستَنزِف العَدوّ

بقلم:  زينب عدنان زراقط

لم تكن أمريكا يوماً أشدّ حِنكةً من المقاومة التي عهدت مكرها، وهي مُتحدّرةٌ من مدرسة الإمام الخميني الذي قال “لو قالت أمريكا {لا إله إلا الله} فلا تصدقوها”!.

فمن الواضح أن هذه الوساطات الآنية هي مُناورة أمريكية لتسويف الوقت دون الوصول إلى وقف إطلاق النار في “غزة”، لحين وقوع ردّ المقاومة وخصوصاً “الجمهورية الإسلامية في إيران” كما لا تقلُّ مخاوفها كذلك إزاء ردِّ “المقاومة الإسلامية اللبنانية – حزب الله -“، فيما لو حصل؛ لتتنصل من التزاماتها وتقلب طاولة المفاوضات وتُلزم المقاومة بتعطيل وقف إطلاق النار. إنه العدو، وسياسة الغدر معقودةٌ في عُنقه.

فما هو موقف محور المقاومة من توقيت الرّد وشروط المقاومة الفلسطينية لإبرام المفاوضات. وماذا عن الموقف الأمريكي من واقع حرب “غزة” وانعكاساتها على مُجرياتها السياسية؟

بدايةً هناك تحليل منطقي عن إمكانية “إسرائيل” اقتراف جرائمها بمعزلٍ عن الدعم الأمريكي لها. تنقل “نيويورك تايمز” عن مسؤولين أمريكيين قولهم: “إسرائيل حققت كل ما تستطيع تحقيقه على الصعيد العسكري في غزة، واحتمالات إضعاف حماس تضاءلت بشكل أكبر، وشبكة أنفاق حماس أكبر من التوقعات الإسرائيلية، ولم تثبت إسرائيل قدرة على السيطرة، ولا يمكن استعادة الرهائن المحتجزين في غزة بالوسائل العسكرية بل بالدبلوماسية”. هذه التصريحات هي إقرار واضح بالفشل الإسرائيلي، على الرغم من دعم واشنطن المفتوح لها، في حين أنَّ جزءاً منها، مرتبطٌ بالتفاوض، وفي جزء آخر هي مؤشر على الواقع الذي يمكن أن تواجهه تل أبيب إذا ما وسعت الحرب اتجاه لبنان تحديداً. بينما تعمل واشنطن على وقف إطلاق للنار في غزة، لا يُظهر “إسرائيل” مهزومة، من منطلق أن وقف النار هناك هو مفتاح التهدئة في الإقليم!.

أظهر “طوفان الأقصى” الحقيقة الجليّة لواقع الجيش الإسرائيلي، وكينونة هذا الكيان الصهيوني بعدما اعترف في هذه الحرب عن فشله الاستخباري وانهيار منظومة الإنذار لديه، الذي لا يملُك القدرة ولا المعرفة ولا الإمكانية ولا الجرأة لتنفيذ اغتيالات سياسية وأمنية دولية كبيرة ومعقّدة في بيروت وطهران وبغداد وفي كل العالم، من دون مساهمة أمريكية مباشرة وتدخُّل عملياتي من حلف الناتو ومن جهاز المخابرات الأمريكية ومخابرات الغرب. لأن تنفيذ الاغتيالات والمراقبة وطائرات التجسس ومراقبة الهواتف واختراق الأجواء وتعطيل الرادارات وتشغيل العملاء على الأرض والدعم اللوجستي لا يملكه إلا أمريكا وهي التي جهزت ورتبت معظم عمليات الاغتيال في العالم، ولا مانع لديها أن تأتي حكومة نتانياهو وتتبنى الاغتيال، ولِتُعلِنَ بعدها الولايات المتحدة أنها تقف إلى جانب إسرائيل وتدافع عنها.

الرّد آتٍ حتّماً

فيما يظهر ثبات المقاومة على موقفها وجهوزيتها والتحضير والاستعداد الدؤوب لردّ الصاع صاعين على إسرائيل وما اقترفتهُ من جرائم على لبنان وإيران واليمن، من خلال ازدياد وتيرة المواجهة من قِبَلِ “حزب الله” وتوسيعهِ رقعةَ الاستهداف في الداخل الإسرائيلي والجليل واحتدام حدّتها، إلى الحرس الثوري الإسلامي الإيراني الذي قام بمناورة عسكرية لبحريّته في وقت سابق قرب القاعدة الامريكية في جزيرة ديغو غارسيا بالمحيط الهندي واستلموا عدداً كبيراً من صواريخ كروز الجديدة المضادة للسفن، بالإضافة الى منظومات رادار بحرية جديدة وأنظمة الحرب الإلكترونية من روسيا.

بينما يؤكد السيد عبد الملك الحوثي مُجدداً أن الرّد على الاعتداء الإسرائيلي الذي ضرب الحديدة آت حتماً، وقول: “للرد مساره وتجهيزاته وتكتيكه وله إمكاناته المخصصة”، على حِدىً بينما “محادثات الدوحة” والمفاوضات الضرب والطرح فيها قائم، وهذه النقطة اللافتة، وهو التأكيد على الرد المدعوم بالاستعداد والتجهيز.

وفي هذا السياق، أفادت صحيفة “فايننشال تايمز” البريطانية، الأربعاء الماضي، نقلاً عن مصادر دبلوماسية بأنّه “منذ الاغتيالات لم يعد حزب الله في مزاجٍ جيد للاستماع”.. مؤكدة أنّه “حاول الجميع نقل رسائل إلى حزب الله، لكنّه نادراً ما يردّ بأيّ شيء”. ويتوقع الخبراء، وفق هذه الصحيفة، أن يتمكّن حزب الله من ضرب “هدفٍ ذي قيمةٍ عالية داخل إسرائيل”، بحيث يكون موقعاً غير معروف للعامّة إلى “حدٍ كبير ويهزّ أركان الجيش الصهيوني”. وقبل أيام، تحدّثت صحيفة “يديعوت أحرونوت” عن تقديرات صهيونية بأنّ حزب الله مصمم على الرد على اغتيال الشهيد القائد فؤاد شكر في الضاحية الجنوبية لبيروت، في الأيام القريبة المقبلة، وأنّه “لن يغير خططه”. قوى ودول محور المقاومة لا تهدأ، وهذه أيام عمل كبير، لجهة الإعداد، بدأت ملامحه مباشرة بعد عدوان الحديدة، وهو مستمر ويتوسع، وبلغَ أشُدَّه مع اغتيال قائد الجهاد الكبير الشهيد “فؤاد شُكر” – فؤاد المقاومة الإسلامية -، ورئيس المكتب السياسي لحماس الشهيد “إسماعيل هنية”.

أمريكا حالياً في ورطة، ما بين إنهاء حرب “غزة” الدموية وانتظار طبيعة الرّد وتوقيته من إيران وبقية محور المقاومة. لأن الحرب في غزّة تُشكّل عُنصر فصلٍ رئيسي على الانتخابات الرئاسية الأمريكية، حيث تتداخل السياسة الخارجية مع السياسة الداخلية بشكل كبير ومواقف المرشحين من الحرب ودعمهم لـ “إسرائيل” أصبحت قضايا رئيسية تؤثر على توجهات الناخبين، لما تضمّه أمريكا من جاليات عربية ويهودية كبيرة.

لذلك اعتمدت الولايات المتحدة الأمريكية خطة اللاحسم في واقع “غزة”، مع إظهار الاهتمام الكامل في المفاوضات ورعايتها، عسى أن تنتهِزَ فُرصةً ذهبية – لصالحها -، فيما تُصرّح الخارجية الأمريكية إن “ما طرحه الرئيس بايدن بشأن اتفاق وقف إطلاق النار في غزة قبلته الأطراف”، لكنها تعلن أنها لا تريد وضع سقف زمني لمسار لمفاوضات الدوحة. لعبة الوقت بهذا الشكل تعطي مؤشراً على المراوغة والمناورة، ولا يمكن فصلها عن محاولات تأجيل رد المحور أو التخفيف من حجمه.

في الختام، كلمة الفصل كانت للأمين العام لحزب الله، السيد حسن نصر الله، الذي أكّد على كيان الاحتلال ومَنْ خلفه “انتظار الرد الآتي حتماً” على أنه لا نقاش فيه ولا جدل. والمقاومة الفلسطينية راسخةٌ بشروطها ومطالبها دون المساومة عليها، بوقف إطلاق النار الدائم والمُستدام، عودة أهالي “غزة” كُلٌ لمكانه وخروج الإسرائيلي من داخل “غزة” بالكامل، إضافة إلى دخول المساعدات إلى القطاع عبر فتح معابر فيلادلفيا، إلاّ أن التسويف الأمريكي الإسرائيلي في الوقت خلال فترة المفاوضات والمُمانعة عن القبول بشروط “حماس” يعكس أسلوب المراوغة الذي تعتمده ترقُّباً لردّ “إيران”، كي ينسفوا المفاوضات وإمكانية وقف إطلاق النّار واتهام محور المقاومة بتعطيل إنها حرب “غزة”. حيلة العدو ونوياه الخبيثة مفضوحةٌ أمام المقاومة، وستبقي عامل “انتظار الرّد” قصاصاً يستنزف العدو نفسياً وماديّاً، والسؤال الذي يُطرح هُنا، حتى متى تصمد أمريكا بالمماطلة بحرب “غزة” وهي أمام استحقاق وموعد رئاسي لا تأجيل فيه؟.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *