دوليات

مخاوف من الانزلاق إلى حرب واسعة، وعدم قدرة إسرائيل على تحقيق أهدافها

بقلم ابتسام الشامي

الحرب على لبنان بعيون الصحافة العالمية:

قلق غربي من توسع الحرب

عندما بدأت تل أبيب حربها العدوانية على قطاع غزة في أعقاب عملية طوفان الأقصى البطولية في السابع من أكتوبر الماضي، كان الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في قائمة رؤساء الدول والشخصيات الرفيعة التي وصلت الكيان المؤقت “للتضامن” معه، واضعاً إمكانات بلاده العسكرية والاستخبارية وحتى السياسية في تصرفه “للدفاع” عن نفسه، قبل أن تذهب بالرئيس الفرنسي حماسته بعيداً إلى حدّ الدعوة لتشكيل تحالف دولي لمحاربة حماس، على غرار التحالف الدولي المزعوم لمحاربة تنظيم داعش الإرهابي. غير أن مقاربة الأخطار المحدقة بالكيان المؤقت من وجهة نظر ساكن الإليزيه، تختلف باختلاف الجهة المهددة، وهو إذ دعا قبل عام لتشكيل التحالف في تعبير يحمل في طياته إلى “الدفاع عن إسرائيل” الانتقام من المقاومة الفلسطينية وردع باقي أطراف جبهة المقاومة، فإنه مع لبنان يدعو إلى تغليب لغة العقل على الانفعال، بالنظر إلى ما تنطوي عليه المعركة مع حزب الله من مخاطر وتهديدات للكيان المؤقت.

تحذير تل أبيب من خطر تصعيد المواجهة مع حزب الله، لم يقتصر على الرئيس الفرنسي وحده، وإن كان الأوضح في التعبير، من بين أصدقائها وداعميها. فقد سبق للولايات المتحدة الأمريكية أن عبّرت بطرق مختلفة عن التحذيرات نفسها ورسمت ما سمتها خطوطاً حمراء، إزاء توسع دائرة الحرب الجارية في غزة، من دون أن يعني ذلك ممارسة ضغط حقيقي وفعّال على الكيان المؤقت، يمنعه من التوسع في عدوانه.

أما وقد وصلت الأمور إلى “العملية” العسكرية العدوانية التي أطلقها جيش العدو ضد لبنان تحت عنوان “أسهم الشمال”، فإن الاتجاه التحذيري الذي تصاعد على ألسنة بعض المسؤولين الغربيين، انسحب على المقاربة الإعلامية الغربية للأحداث والتطورات، حيث انشغل الكتّاب والمحللون السياسيون، في قراءة تداعيات ما يجري وما يمكن أن تتطور إليه الأمور، وسط تقديرات مسبقة بفشل الجيش الإسرائيلي في تحقيق أهدافه وقدرة حزب الله على الصمود.

في هذا السياق، تنقل صحيفة نيويورك تايمز، عن كبار المسؤولين الإسرائيليين قولهم، إن “إسرائيل حققت عدداً من الأهداف القصيرة المدى في سلسلة الضربات الأخيرة على حزب الله الأسبوع الماضي”، لكنهم أعربوا في المقابل عن قلقهم من عدم وجود استراتيجية واضحة “لإعادة الهدوء وعشرات الآلاف من النازحين إلى شمال إسرائيل”. وكشف المسؤولون الإسرائيليون الذين تحدثوا للصحيفة، أن قرار التصعيد مع لبنان “قوبل بمعارضة شديدة من بعض كبار المسؤولين الإسرائيليين”، حيث حذّر هؤلاء من أن يؤدي التصعيد إلى حرب شاملة وقتال مباشر مع حزب الله، متسائلين عن الآلية التي سيسمح فيها مثل هذا السيناريو بعودة المستوطنين إلى منازلهم.

التجربة الإسرائيلية في غزة على مدى عام، حيث فشل العدو في تحقيق أهدافه عدوانه، وفي مقدمها القضاء على حركة حماس، تحكم مقاربة الكثير من الخبراء السياسيين والعسكريين في قراءتهم لتطورات الأوضاع ومآلاتها، لا سيما وأن التصعيد الإسرائيلي ضد لبنان يأتي في ظلال حرب على مدى عام كامل أضعفت قدرات الجيش، وهو ما لفتت إليه شبكة “سي أن أن” الأمريكية في تقرير مفصل رأت فيه، أن المعركة ضد حركة حماس في قطاع غزة، أنهكت الجيش الإسرائيلي، الذي “لم يتلق جنوده سوى قسط قليل من الراحة”، في وقت يتحدث فيه مسؤولون إسرائيليون عن تداعيات الحرب على الجيش، والاقتصاد الإسرائيلي، والمجتمع، حيث تزايد الضغط العام من أجل التوصل إلى وقف لإطلاق النار وتبادل الأسرى.

وتنقل الشبكة عن خبراء قولهم إنه “في حال دخلت إسرائيل في حرب واسعة النطاق مع حزب الله، فإنها ستواجه تهديداً وخسائر أكبر بكثير من تلك التي تسببت بها حماس”. وفي هذا الإطار، تنقل “سي أن أن ” عن يوئيل جوزانسكي، الباحث في معهد دراسات الأمن القومي في تل أبيب قوله إن “حزب الله ليس حماس”، في إشارة إلى ما يتمتع به من قدرات عسكرية أكثر تطوراً عن تلك الموجودة لدى حماس. ويعتبر جوزانسكي، أن “تحويل الموارد نحو لبنان، لا يعني أن حرب غزة قد انتهت”. وإذ تفيد الشبكة ذاتها في تقرير آخر أن مسؤولين أمريكيين لا يزالون “في المراحل الأولى من تقييم الوضع المضطرب في لبنان، ويحاولون فهم ما إذا كان لدى إسرائيل هدف نهائي محدد جيداً”، تلمح إلى عدم وجود استراتيجية واضحة لدى العدو، وتقول بناء على ذلك “يأمل المسؤولون الأمريكيون في أن يجبر هجوم إسرائيل، حزب الله، على الجلوس إلى طاولة المفاوضات”، مشيرة إلى أن هؤلاء المسؤولين يقدرون أنه، لا يمكن تحقيق هدف “فصل الحرب في غزة عن الحرب في لبنان” الذي يعمل عليه العدو.

حزب الله متماسك، وضرباته موجعة

وليس بعيداً عن هذا التقدير المرتبط بمدى ثبات حزب الله على موقفه المعلن بشأن جبهة الإسناد، ربطاً بقدراته العسكرية، تؤكد صحيفة “وول ستريت جورنال” أن الحزب “لم يُظهر أي علامات على التراجع على الرغم من الضربات الموجعة التي تلقاها من إسرائيل”. وبحسب الصحيفة فإن “تصاعد المواجهة يوحي باستمرار الهجمات المتبادلة، مع بقاء الاستراتيجية الإسرائيلية غير واضحة.

بدورها ترى صحيفة إلباييس الإسبانية أن “تصعيد حزب الله ضغطه العسكري في أعقاب اغتيال 16 من عناصره، وبينهم قائدان رفيعان، يوسع دائرة الحرب النفسية ضد إسرائيل التي لم تعرف الاستقرار منذ بداية الحرب، حتى وإن لم توقع صواريخ الحزب ومسيّراته إلا عدداً محدوداً من القتلى منذ بداية عملية طوفان الأقصى”. وتقول الصحيفة إن “الأعلام التي يرفعها سكان شمال إسرائيل على بناياتهم المتضررة لحجب الأضرار عن الأنظار، أقرب إلى خدعة بصرية يحاولون بها الهروب من الواقع الصعب”.

وفي سياق متصل بوضع حزب الله من الناحية العسكرية والقدرة على مواجهة العدوان الإسرائيلي، تشير وكالة رويترز البريطانية إلى أن القيادة المرنة للحزب وشبكة أنفاقه وترسانة أسلحته تساعده على الصمود أمام إسرائيل. وتضيف أن “حزب الله كان يجلب الصواريخ إلى لبنان بوتيرة سريعة تحسباً لصراع مديد ويسعى لتجنب حرب شاملة”. وتؤكد على “أن هجمات الحزب الصاروخية لا تزال ممكنة لأن سلسلة القيادة ظلت تعمل.. وإذا انكسرت سلسلة القيادة يجري تدريب مقاتلي حزب الله على العمل بمجموعات صغيرة”. وبحسب الوكالة البريطانية، فإن “إطلاق صواريخ من مناطق استهدفتها إسرائيل مسبقاً يثبت قدرة حزب الله على إخفاء أسلحته”.

تداعيات الحرب على الكيان المؤقت

وإلى الخسائر المادية والبشرية، تتوقف الصحيفة عند التداعيات التي تتركها الحرب على الداخل الإسرائيلي، وتنقل في هذا السياق عن البروفيسور أمازيا بارام من كلية الشرق الأوسط والدراسات الإسلامية في جامعة حيفا، قوله إن “الحرب ألقت عبئاً هائلاً على كاهل إسرائيل بعدما قسمت سكانها إلى نصفين، نصف يؤيد وقفاً لإطلاق النار في غزة يشمل تبادلاً للأسرى، وعلى الأقل انسحاباً من مناطق مختلفة في القطاع، ونصف آخر يؤيد رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو الذي يرفض تقديم تنازلات ولا يريد وقفاً لإطلاق النار ولا حتى عودة المحتجزين في غزة مقابل إطلاق سراح الأسرى الفلسطينيين”. ويدعو أمازيا بارام إلى انسحاب كامل من القطاع مع عودة الأسرى، ويقول إن “هذا هو السبيل إلى إنهاء هجمات حزب الله الذي يحاول إسناد حماس وغزة”.

ومن التداعيات الأخرى التي يتحدث عنها الاعلام العالمي، الدعوات المتصاعدة لوقف إمداد العدو بالأسلحة، وهو ما توقف عنده موقع “ذي إنترسبت”، مشيراً إلى أن العدوان الإسرائيلي على لبنان “جدد الدعوات لوقف الولايات المتحدة نقل الأسلحة إلى إسرائيل مع فتحها جبهة جديدة في المنطقة، وسط مخاوف من انزلاق الوضع إلى حرب شاملة”.

ويقول الموقع إنه “مع هذه الحملة الجديدة من القصف على لبنان، فتحت إسرائيل جبهة جديدة في حروبها على غزة والضفة الغربية – وجدد منتقدو السياسة الأمريكية دعواتهم للولايات المتحدة بوقف نقل الأسلحة إلى إسرائيل مع استمرار الصراع في النمو”. ويشير في هذا السياق إلى ما كتبته النائبة الأمريكية رشيدة طليب، على موقع “إكس”، مع تعليق على تغريدة من السفارة الأمريكية في بيروت، تحث المواطنين الأمريكيين على مغادرة البلاد: “من الأسهل التوقف عن إرسال أسلحة للحكومة الإسرائيلية التي تستخدمها لشن حروب الإبادة الجماعية بدلاً من إجلاء كل أمريكي في لبنان”.

أمريكا لا تمارس ضغطاً على العدو

وليس الامتناع الأمريكي عن وقف الدعم العسكري للكيان المؤقت سوى دليل آخر سياسة الخداع والنفاق المعتمدة من قبل واشنطن. ففي حين تدعي أنها تريد وقف الصراع، فإنها لا تمارس أي ضغط حقيقي على الجانب الإسرائيلي بما يؤدي إلى وقفه. وفي تعليقها على تعامل الحكومة الأمريكية مع الحرب في غزة تنتقد صحيفة “غارديان” فشل إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن في وقف الحرب على غزة، محذرة من أن هذا قد يفسح المجال أمام حرب أوسع نطاقاً. ونبهت الصحيفة إلى أن “إدارة بايدن قادرة على الضغط على إسرائيل، لكنها تواصل التسامح مع حكومة نتنياهو على الرغم من المخاطر التي تهدد المصالح الإسرائيلية والأمريكية والغربية في المنطقة”.

خاتمة

إذا كان من استنتاج لما يكتبه الخبراء والمعلقون السياسيون حول الحرب العدوانية الإسرائيلية على قطاع غزة ولبنان، فهو أن رعاة الكيان المؤقت أقل ثقة بقدرته على مواجهة التحديات الأمنية الماثلة أمامه، وبهذا المعنى، فإن الحرب الجارية تكشف عن خلل عميق في وظيفة هذا الكيان بما هو راع وحام للمصالح الغربية في المنطقة، وهو تحول تستشعر تل أبيب مخاطره الاستراتيجية على مكانتها لدى رعاتها وداعميها التاريخيين وحلفائها المستجدين.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *