صراع الرئاسة الأمريكي وتأثيره على واقع الحرب
بقلم زينب عدنان زراقط
مخطئٌ من يظن بأن رئيس الوزراء الإسرائيلي “نتنياهو” هو من يُعيق وقف إطلاق النار وإنهاء الحرب في لبنان وغزة، وإنما العائق يكمن في احتدام الصراع الأمريكي ما بين الديموقراطيين والجمهوريين في ظلِّ الانتخابات الرئاسية التي ستُجرى يوم الثلاثاء القادم في الخامس من نوفمبر الجاري.
فما هي طبيعة تأثير الاستحقاق الرئاسي الأمريكي على واقع حرب غزة ولبنان وتأثيره على الكيان الإسرائيلي وعلى عملية “وقف إطلاق النار” قبل الانتخابات وماذا يحصل بعدها إن لم يكن…؟!.
يُظهر المشهد الإسرائيلي استماتةً بالتوحّش والإبادة والإمعان بالحصار والحرمان كُلّما ذُعِرَ مما يُقاسيه على مختلف جبهات المقاومة التي أصبحت تُشكّل من تهديداً وجودياً لكيانها، حتى بات إنهاء الحرب بشروط المقاومة أهون على هذا الكيان من أن يُعجّل بانهياره وزواله من خلال الاستمرار بهذه الحرب… وهو الذي يُحارب بأوامر أمريكية وتفويضٍ منها، وقد أنفقت أكثر من 22 مليار دولار أمريكي لحد الآن كمساعداتٍ عسكرية لجيش العدو منذ بداية حرب “غزة”.
بالمقابل البيت الأبيض يحتاج إلى ورقةٍ مضافةٍ تُردف لصالح “كاميلا هاريس” مرشحة الرئيس الأمريكي جو بايدن في صف الحزب الديمقراطي من خلال إيجاد حلّ للصراع في المنطقة، – أقلها هدنة مبدئية للدخول في المفاوضات – على أن المقاومة ترفض الحوار تحت أي شكلٍ من أشكال إطلاق النار، بسبب حساسية الصراع الرئاسي ضد “دونالد ترامب” مرشح الفريق الجمهوري، وتقارب نسبة الأصوات الانتخابية ما بينهما في الولايات المتحدة الأمريكية.
موفد أمريكي وورقة ضغطٍ أخرى
فيما اعتُبِرت زيارة الموفد الأمريكي “عاموس هوكشتاين” الأخيرة على أنها الورقة الأمريكية الأخيرة في ملف إنهاء الحرب في لبنان وغزة، وأبدى رئيس الحكومة اللبنانية “نجيب ميقاتي” قبل البارحة إيجابية عالية تلقّاها من هوكشتاين الذي بدوره أعلمه بعودته إلى بيروت فور إنهاء لقائه مع نتنياهو ووزير الحرب غالانت وتمكّنه من انتزاع صيغة من “إسرائيل” بوقف إطلاق النار، فجرت الرياح كما لا تنهي السفن وانقلب الموقف سلباً، وكانت الرسالة إلى بيروت بأن الموفد لن يأتي لبنان بل سيعود مباشرةً إلى الولايات المتحدة الأمريكية.
لقد شكّلت الزيارة الأمريكية الأخيرة إلى الشرق الأوسط ورقة ضغط أخيرة على المقاومة اللبنانية في حين ترافقها مع تصعيدٍ وتدمير وإمعان في القتل والحصار، وافتُرِضَ أنها حِنكةً لرُبما تُنهِك جمهور المقاومة وتيّأسُه وتضعفُ حاضنته الشعبة، لخفض سقف شروط “حزب الله”، وتمكن الإسرائيلي بحفظ مخرجٍ ما ليبقي له اليد الطولى في انتهاك السيادة اللبنانية ضمن مسودة الاتفاق الأمريكي الإسرائيلي التي تسمح بدورها لإسرائيل بضرب لبنان خلال فترة شهرين انتقالية – للرئاسة الجديدة – حسب مصادر عن صحيفة وول ستريت جورنال، وذلك قطعاً ما هو مرفوضٌ من قِبلِ الطرف اللبناني ومعلومٌ لدى الأمريكي، وبالتالي يبقى الرّهانُ المؤكّد – ولن يخيب – على الميدان الذي سيفرض على العدو الخضوع أمام شروط المقاومة التي تفرض واقعاً ضاغطاً شمال فلسطين المحتلة. على أنه أيضاً ربما تكون هناك إمكانية قدوم “هوكشتاين” مرة أخرة على عجلةٍ إلى لبنان واردةٌ أيضاً في الحسابات، فيما تكون قد فشلت محاولة ضغطهم الأخيرة.
يتبيّنُ أنّه كُلّما سوّف العدو فرص الحلّ، هو عملياً يزيد من مستوى خسائره والاستنزاف الذي يُعاني منه إنْ كان على صعيد الذخيرة أو القوى العسكرية البشرية، فهو لجأ لجنود الاحتياط – الذين بدورهم تمرّدوا ورفضوا الالتزام – وآخرين من الحريدم أجبروا على التجنيد فتظاهروا ورددوا بأن الموت أهون عليهم على أن يُقاتلوا في جبهة لبنان الشمالية!. الإسرائيلي كُلما يُمعن بجعل هزيمته نكراء وأشدّ إيلاماً، وإن فشلت كل سبل المفاوضات فسوف يلحقُ الميدان بالعدو هزيمةً نكراء.
أمريكا تسعى لزيادة حظوظ المرشحة الديمُقراطية
تُشير “الدولة العميقة” في أمريكا إلى أنّ سياساتها وتطلُعاتها إلى المنطقة لا تتوافق مع رؤية “ترامب” ومصالحة الخاصة، وتُبدي مُرادها بمجيئ كاميلا هاريس مرشحة “بايدن” عن الديمقراطيين. تشكّل هذه الدولة بما معناها من شبكات غير رسمية من القوى السياسية والاقتصادية التي تؤثر في صنع القرار بعيداً عن الأنظار العامة، وتتكون هذه الشبكات من عناصر من الحكومة، والجيش، وكبار رجال الأعمال، فيما يعتبر الكثيرون أن هذه الدولة العميقة تؤثر على السياسات الأمريكية، بغض النظر عن الحزب الحاكم. تعمل الدولة العميقة في مجالات متعددة، مثل الأمن القومي، والاقتصاد، والعلاقات الدولية. على الرغم من تغيير الأحزاب الحاكمة، يبقى العديد من المسؤولين في مواقعهم، ما يضمن استمرارية السياسات والخطط طويلة الأمد.
في حين أن حرب الإبادة الجماعية التي يرتكبها العدو الصهيوني في قطاع غزة منذ السابع من أكتوبر 2023 وامتداد العدوان على لبنان منذ أيلول الماضي بتمويلٍ ودعم أمريكي وتفويضٍ كامل، تلعب اليوم كنقطة سوداء في سجل مرشحة الرئيس الأمريكي الحالي. ففي تجمعٍ انتخابي لمرشحة الحزب الديمقراطي للانتخابات الرئاسية هاريس في ميشيغان ذات الكثافة السكانية من أصول عربية ومسلمة مثلاً، صدحت أصوات احتجاج من مجموعة أشخاص متضامنين مع فلسطين. ورفع المحتجون شعار: “إسرائيل تقصف كاميلا تدفع.. كم طفلاً ستقتلون اليوم؟!”، في إشارة إلى المجازر اليومية التي ترتكبها إسرائيل بحق الفلسطينيين باستخدام أسلحة أمريكية. فيما كان ردُّها “جميعاً نريد أن تنتهي هذه الحرب في أسرع وقت ممكن وأن يتم إطلاق سراح الرهائن”، زاعمةً بأنها ستفعل كل ما بوسعها من أجل ذلك. فالرأي العام العالمي والإنساني وخصوصاً فئة الشباب والجامعات وكل الجاليات الإسلامية والعربية ذات النسب الكبيرة في أمريكا تلعب دوراً رئيسياً في قلب كفّة الميزان لصالح الجمهوريين إن استمروا بحرب إبادتهم بالشرق الأوسط.
كلمة أخيرة، صحيحٌ أن صورة الأيام المقبلة بخصوص الحرب ومُتغيراتها ومدتها الزمنية ضبابية، إلاّ أن المنطق يقودنا إلى وقوع حدثٍ مُفارق ما في اليومين المقبلين قبل الانتخابات الأمريكية الثلاثاء القادم في الخامس من الشهر الحالي، كي تتمكن أمريكا من دعم المرشحة الديمقراطية، وبالطبع يجب أن يكون التفاوض تحت سقفٍ لوقف إطلاق النار حسب مطلب المقاومة كي تقبل المشاركة في محادثات إنهاء الحرب. وإلاّ، ستتدخل إسرائيل في مُستنقع استنزافٍ غير متوقع المصير في الفترة الانتقالية في الحكم الرئاسة الأمريكية إذا خسرت مرشحة بايدن الذي هو بالتالي سيضاعف دعمه المادي والعسكري لإسرائيل لحين تولي الرئيس الجديد “ترامب” في أواخر يناير من العام القادم. فالسؤال الذي يُطرح ها هُنا، إن كان باستطاعة الكيان الصهيوني الصمود وحيداً في مواجهة مختلف جبهات المقاومة – وزد على ذلك أنه يعيش أزمة الرعب من الرّد الإيراني – أم أنه سيلتزم بالتسوية وشروط المقاومة وعسى أن تمتنع إيران عن الرد كذلك إن تم التوصّل إلى وقفٍ لإطلاق النار؟!.