إقليميات

الفاشية الصهيونية تتحكم في الدولة العبرية المارقة

بقلم توفيق المديني

واستخدام سلاح الجو للقيام بالغارات الوحشية في عدة مناطق من لبنان، لا سيما على المناطق التي توجد فيها قواعد لحزب الله أو حاضنته الشعبية، مثل الضاحية الجنوبية لبيروت، وبعلبك و الهرمل، والجنوب، حيث جرى تشريد أكثر من مليون شخص، تمثل السياسة الراسخة  للكيان الصهيوني بما تحويه من ذبح وإرهاب وقتل واحتلال أراضي فلسطينية وسورية ولبنانية، وتهجير سكانها، وخصوصاً في ظل رئيس الوزراء الصهيوني الحالي نتنياهو الذي أصبح يمثل التيار اليميني الفاشي الصهيوني والعنصري المتحكم في إيديولوجية دولة “إسرائيل”، والمدعوم بصورة مطلقة من قبل الإمبريالية الأمريكية (نفوذ اللوبي الصهيوني في الكونغرس ومجلس الشيوخ والمؤسّسات الأمريكية الأخرى التي تهيمن على صانع القرار في الولايات المتحدة)، وحلفائها من الدول الاستعمارية الأوروبية (بريطانيا فرنسا وألمانيا).

ماذا تستهدف الفاشية الصهيونية من حرب الإبادة على لبنان؟

تندرج حرب الإبادة التي يشنها قائد الفاشية الصهيونية نتنياهو على لبنان إلى تحقيق أكبر دمار واسع، خصوصاً في القرى الجنوبية اللبنانية ومحافظة البقاع، والضاحية الجنوبية، التي تشكل الحصن الاجتماعي لحزب الله، بهدف إجباره هو والحكومة اللبنانية على الرضوخ للشروط الإسرائيلية الهادفة إلى تعديل قرار مجلس الأمن 1701؛ بما يضمن نزع سلاح حزب الله، أو على الأقل ضمان عدم استعادته قوّته أو وجوده في مناطق جنوب نهر الليطاني.

بدأت حرب الإبادة على لبنان، بعد عمليات استهداف قادة حزب الله من خلال الغارات الجوية المتوحشة التي أسفرت عن اغتيال عدد من قادته، بمن فيهم الأمين العام للحزب سماحة السيد حسن نصر الله، ثم مع بدء حرب الاجتياح لجيش الاحتلال الصهيوني لجنوب لبنان يوم 1أكتوبر /تشرين الأول 2024، لتحقيق كسر العلاقة الجهادية بين حزب الله وحركة حماس، جراء فتح حزب الله جبهة الإسناد في شمال فلسطين دعماً للمقاومة الفلسطينية في غزَّة بعد يوم واحدٍ من عملية طوفان الأقصى في 7 تشرين الأول/ أكتوبر 2023.

وقد مارست الإمبريالية الأمريكية دور الشريك الحقيقي في حرب الإبادة هذه على لبنان، واستهدافها تصفية بنية حزب الله العسكرية، واستهداف شبكة خدماته الاجتماعية والصحية والتعليمية والمالية ودفع حاضنته الشعبية إلى التخلي عنه، لأنها لم تنس أنَّ النواة المؤسسة لحزب الله من المجاهدين الشباب المتأثرين بالثورة الإسلامية الإيرانية هم الذين قاموا بأول عملية مقاومة بعد الاجتياح الصهيوني للبنان عام 1982، واحتلاله أول عاصمة عربية بيروت، استهدفت مقر المارينز وتفجير السفارة الأمريكية، وكانت حصيلتها قتل 241 جندي أمريكي، و 58 جندي من المظليين الفرنسيين. 

وضمن هذا السياق من العدوان المشترك الأمريكي – الإسرائيلي زار المبعوث الأمريكي الخاص لبنان، آموس هوكشتاين، بيروت، بصفته هذه، للضغط على الحكومة اللبنانية، لترويج تطبيق قرار مجلس الأمن 1701 معدّلاً. وذلك في مهمة أخيرة قبل أن يترك منصبه في إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن، في مطلع تشرين الثاني/ نوفمبر المقبل، فالولايات المتحدة، المؤيدة للحرب الإسرائيلية على حزب الله، ترى أن قرار مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة الذي أنهى حرب إسرائيل مع حزب الله في عام 2006، يمكن أن “يشكّل أساساً لوقف إطلاق نار جديد”، على الرغم من أنه يحتاج، بحسب إدارة بايدن، “إلى تدابير إضافية لضمان تنفيذه”؛ بمعنى إدخال تعديلات عليه، تضمن إبعاد حزب الله عن الحدود. وفي الوقت نفسه، تتصاعد الضغوط على رئيس مجلس النواب، نبيه برّي، لتسهيل انتخاب رئيس جديد للجمهورية في ظل الحرب، لتعجيل اتّخاذ قرار بإرسال الجيش إلى الجنوب، قبل التوصل إلى اتفاقٍ لوقف إطلاق النار، على الرغم من استحالة ذلك، ما يبقي أمراً واحداً فقط؛ هو استغلال الحرب لانتخاب رئيس.

ما هو القرار 1701؟

صوت مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، في11 آب/ أغسطس 2006، بالإجماع على القرار 1701، لإنهاء حرب تموز/ يوليو بين “إسرائيل” وحزب الله. وقد دعا نصّ القرار إلى نشر قوات الحكومة اللبنانية وتوسيع نطاق عمل قوة الأمم المتحدة المؤقتة في لبنان التابعة للأمم المتحدة (يونيفيل) لتشمل المناطق الواقعة جنوب نهر الليطاني بالقرب من الحدود مع إسرائيل، ومنع أي قوات أخرى من الوجود في المنطقة. وتضمّن القرار 1701 أيضاً أحكاماً تهدف إلى بسط الحكومة اللبنانية سيطرتها على الأراضي اللبنانية كلّها، وممارسة سيادتها عليها وفق أحكام القرارين 1559 و1680 لعام 2006، والأحكام ذات الصلة من اتفاق الطائف، ومنع حمل الأسلحة أو استخدامها من دون موافقة الحكومة، ما يعني أن يتخلى حزب الله عن سلاحه، وهو الأمر الذي يرفضه الحزب بشدة.

التعديلات الإسرائيلية المقترحة على القرار 1701

من الواضح أنَّ العدو الإسرائيلي يريد إجراء تعديلات جوهرية على القرار 1701، من ضمنها بحسب مصادر إعلامية أمريكية، بأن يُسمح لجيش الاحتلال الصهيوني بالمشاركة “النشطة” للتأكّد من عدم إعادة تسليح حزب الله، أو إعادة بناء قدراته العسكرية بالقرب من الحدود اللبنانية المحاذية لفلسطين المحتلة، بوصف ذلك شرطاً لحل دبلوماسي لإنهاء الحرب في لبنان والسماح للمدنيين النازحين بالعودة إلى ديارهم. كما يطالب رئيس الحكومة الفاشية الصهيونية نتنياهو بحرّية عمل الطيران الإسرائيلي في المجال الجوي اللبناني. بيد أنَّ هذين المطلبين الإسرائيليين يتناقضان كلياً مع القرار 1701، الذي ينصّ على أن القوات المسلحة اللبنانية وقوات اليونيفيل هما اللتان تتوليان مسؤولية فرض وقف إطلاق النار بين “إسرائيل” وحزب الله، ومع ذلك تبنت الولايات المتحدة الطرح الإسرائيلي بدلالة أنَّها نقلتهما إلى السلطات اللبنانية، باعتبار ذلك من شروط إسرائيل لإنهاء الحرب. بناءً عليه، وصل هوكشتاين إلى بيروت في 22 تشرين الأول/ أكتوبر 2024، واجتمع برئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي ورئيس مجلس النواب نبيه برّي. وبعد الاجتماع، صرّح بري بوجود إجماع في لبنان بشأن القرار 1701، وأنه يرفض أيّ “محاولة من شأنها تعديله بأي شكل”.

موقف حزب الله من إنهاء الحرب في لبنان، وتعديل القرار 1701

لا يزال حزب الله الذي يخوض حرب المقاومة الوطنية ضد العدو الإسرائيلي متمسكاً بثوابته الاستراتيجية في المفاوضات غير المباشرة مع الاحتلال الإسرائيلي لوقف العدوان على لبنان، لا سيما أنَّ الحزب لا يعتبر أنَّ الكيان الصهيوني الفاشي يمتلك أفضلية لفرض شروطه.

وتتمثل ثوابت حزب الله في ثمانية بنود أساسية:

 أولاً: التأكيد على أنَّ رئيس البرلمان اللبناني نبيه بري هو من يمثله في أي مفاوضات تجري بما خصّ ملف الحرب ووقف إطلاق النار، وأنَّه في حالة تنسيق مستمرة مع بري، كما لديه قنوات اتصال مع رئيس الحكومة نجيب ميقاتي وجهات أخرى في الدولة معنية بملف التفاوض.

ثانياً: سواء مع الدول العربية أو مع الدول الأوروبية التي تعمل على خط المفاوضات بين حزب الله والكيان الصهيوني، كرَّر حزب الله أمام هذه الأطراف على ثوابته التي تستند إلى أنَّ “وقف العدوان بصورة تامة هو شرط إلزامي لأي بحث حول ما يفترض حصوله لاحقا”.

ثالثاً: يرفض حزب الله القبول تحت أي ظرف بإدخال أي تعديل لا على بنود القرار 1701، ولا على آليات التنفيذ.

رابعاً: يتمسك حزب الله بنهجه السياسي والعسكري المتمثل في استمرار جبهة الإسناد للمقاومة الفلسطينية في غزَّة مع إضافة عبارة “الدفاع عن لبنان”.

خامساً: كشف الأمين العام لحزب الله الشيخ نعيم قاسم يوم الأربعاء الماضي عن برنامج عمله بعد انتخابه في منصب الأمين العام خلفاً لسلفه سماحة السيد الشهيد حسن نصر الله، مشدِّداً على أنَّ “مساندة قطاع غزَّة كانت واجبة لمواجهة خطر إسرائيل على المنطقة من بوابة القطاع، ولأهلها علينا جميعا حق إنساني وعربي وإسلامي وقومي بأن ننصرها”. وشدَّد قاسم على أنَّ حزب الله “سيبقى في طريق الحرب ضمن التطورات المرسومة”، موضحا أن “المقاومة وجدت من أجل تحرير الأرض ومواجهة الاحتلال ونواياه التوسعية”.

سادساً: أكَّدَ الشيخ نعيم قاسم إنَّ حزب الله “لا يقاتل نيابة عن إيران بل من أجل حماية لبنان وتحرير أرضنا وإسنادا لقطاع غزَّة”.

سابعاً: يرى حزب الله أنَّ إصرار العدو الإسرائيلي على التفاوض تحت النار يعكس حقيقة أنَّ “إسرائيل” تراهن على انكسار المقاومة، مشيراً إلى أنَّ الحزب اللبناني يتصرف على أساس أنه قد يكون عرضة لعمليات اغتيال جديدة.

ثامناً: إنَّ حزب الله يريد من الشعب اللبناني فهم أنَّ سلاحه “لن يكون محل تفاوض مع أحد”، مشيرة إلى أنَّ المقاومة تمثل بعد الحرب “خياراً إلزامياً سيعمل الحزب بكل ما يملك لحفظه”.

حزب الله استعاد عافيته ومستمر في مقاومة العدو الإسرائيلي

رغم تعرض حزب الله لسلسلة من عمليات القتل لجيل من قادته الكبار وتدمير بعض أسلحته من جانب العدو الإسرائيلي، فإِنَّهُ استعاد المبادرة من جديد بشهادة المحللين والخبراء الغربيين، وهو الآن يقاوم جيش الاحتلال الإسرائيلي في جنوب لبنان، ويعد كمائن للقوات الإسرائيلية في لبنان، ويكثف الضربات بالمسيرات والصواريخ في عمق فلسطين المحتلة مستهدفاً المقرات العسكرية والاستخباراتية الإسرائيلية.

‏ ويبدو من أول 25 يوم من الحرب البرية، أنَّ الحزب لا يدفع مقاتليه بكثافة بشرية في الخط الأمامي تحسباً لحرب طويلة زمنياً.. ويستعيض عن ذلك بعدد محدود يملك سلاح متطور، وهي الخطة التي أدت للإجهاز على آليات الاحتلال وقتل جنوده في الخط الأمامي، وقصف تحشيداته في الخلفية. فطوال شهر أكتوبر تكبد جيش الاحتلال الإسرائيلي على جبهتي لبنان وغزة، أكثر من 71 قتيلاً، وحوالي 600 جريحاً.

وقد أصاب هجوم بمسيّرة لحزب الله منذ أسبوعين مقر إقامة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في قيسارية في وسط فلسطين المحتلة، على بعد أكثر من 40 ميلاً من الحدود اللبنانية، وهي المرة الثانية في أسبوع التي أظهر فيها حزب الله قدرة على اختراق الدفاعات الجوية الإسرائيلية باستخدام المسيّرات. فقد أسفر هجوم قبل ذلك بأيام عن مقتل أربعة جنود إسرائيليين في قاعدة لوحدة النخبة العسكرية، أيضاً في وسط فلسطين المحتلة. كما ارتفعت وتيرة إطلاق حزب الله للصواريخ، حيث أطلق الحزب ما معدله 200 صاروخ وقذيفة كل يوم خلال عطلة نهاية الأسبوع الماضي و140 يوم الثلاثاء، وفقا للجيش الإسرائيلي. وخلال الأسابيع السابقة، كان متوسطها بضع عشرات فقط في اليوم.

وتظل عمليات إطلاق حزب الله للصواريخ هي أقل مما توقعه المسؤولون الإسرائيليون في حالة اندلاع حرب واسعة النطاق، وهي ما اعتبرت علامة على تدهور قدرات الجماعة. ولكن جيش الاحتلال الإسرائيلي يقول إنَّ معظم هجمات حزب الله يتم اعتراضها من قبل الدفاعات الجوية الإسرائيلية، بتكلفة تبلغ حوالي 100 ألف دولار لكل طائرة بدون طيار وما يصل إلى عدة ملايين من الدولارات لكل صاروخ تسقطه.

لا يزال حزب الله لديه استراتيجيته الأساسية، وهي التمسك بأرضه في الجنوب في مواجهة أي نوع من الهجوم البري أو التوغل أو التقدم الإسرائيلي. إنه موطن حزب الله. ومن المرجح أن يأتي الاختبار الحقيقي لجيش الاحتلال الإسرائيلي إذا ما اختار قادة العدو الإسرائيلي إرسال قواتهم إلى عمق أكبر داخل الأراضي اللبنانية، حيث يتمتع مقاتلو حزب الله بميزة القتال على أرضهم. وحتى الآن، دخلت القوات الإسرائيلية ثماني قرى على الأقل، وكلها على بعد ميل واحد من الحدود بين لبنان وفلسطين المحتلة.

خاتمة

إنَّ الفاشية الصهيونية التي أصبحت المتحكمة في سياسة حكومة نتنياهو، حولت الكيان الصهيوني إلى دولة مارقة مستندة إلى قوة الإمبريالية الأمريكية، في عدائها البهيمي للقانون الدولي، ولمنظمة الأمم المتحدة، خصوصاً بعد إقرار الكنيست الإسرائيلي الاثنين الماضي، قانوناً بحظر عمل وكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين “الأونروا” على أن يدخل حيز التنفيذ في غضون 90 يوماً، وسط موجة من التنديد الدولي وتساؤلات حول شرعية هذا القانون.

أنشأت الجمعية العامة للأمم المتحدة “الأونروا” في عام 1949 لمساعدة اللاجئين الفلسطينيين في أعقاب النكبة التي تلت إعلان قيام الكيان الصهيوني عام 1948، على أنقاض المدن والقرى الفلسطينية، ووقتها جرى تهجير 800 ألف فلسطيني.

وتعمل “الأونروا” منذ عقود في قطاع غزة، وسعت خلال العام الماضي إلى مساعدة المدنيين الذين تقطعت بهم السبل جراء الحرب التي تشنها دولة الاحتلال في القطاع، حيث يعاني العديد من السكان البالغ عددهم 2.3 مليون نسمة من غياب المأوى والغذاء والرعاية الطبية.

وتعتبر الأمم المتحدة أنَّ الذي تفرضه “إسرائيل” على “الأونروا”، إذا تم تنفيذه، من شأنه أن ينتهك القانون الدولي وميثاق الأمم المتحدة التأسيسي واتفاقية الأمم المتحدة المعتمدة في عام 1946.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *