إقليميات

تصنيع “الغواصات” المسيّرة.. اليمن يراكم ترسانته العسكرية

بقلم نوال النونو

وتضمنت المناورة التي حملت اسم “لِيَسُوءُوا وُجُوهَكُمْ” عرض مشاهد متلفزة أظهرت مدى جهوزية القوات المسلحة اليمنية في التصدي للهجوم، والذي يأتي من اتجاهات متعددة (بحرية، برية، جوية)، لتثبت المناورة بعد ذلك قدرتها للتصدي للهجوم وتكبيد المعتدين خسائر فادحة.

واستطاعت القوات المسلحة اليمنية من خلال هذه المناورة إرسال الكثير من الرسائل المزدوجة سواء للداخل اليمني أو للخارج، فهي أولاً تعتبر رسالة ردع للأمريكيين المعتدين على اليمن مفادها بأن عليكم ألا تفكروا في أية مغامرة لاحتلال أجزاء من اليمن، ولا سيما في مناطق الساحل الغربي المطل على البحر الأحمر، لأن مثل هكذا محاولة سيكون مصيرها الفشل، كما أنها رسالة للقوات اليمنية الموالية للسعودية والإمارات بالتوقف عن محاولات استفزاز القوات المسلحة اليمنية في المناطق الساحلية، وأن عواقب الانخراط مع أمريكا في أي عمل عسكري مرتقب على اليمن ستكون وخيمة وقاسية عليهم.

بطبيعة الحال، لقد أظهرت المناورة بتكتيكاتها المتنوعة، وعملياتها العسكرية المتعددة مدى القدرة العسكرية اليمنية المتفوقة على الأعداء، ومدى الانسجام والتكامل بين القوات اليمنية والشعب، فاليمنيون وعلى مدى أكثر من عام قد دخلوا في دورات عسكرية مفتوحة، وهم قادرون على القتال والاشتباك مع العدو حتى في ظل عدم وجود انتشار للقوات المسلحة، وهو ما يعني أن اليمني بطبيعته انسان محارب يستطيع التعامل مع السلاح، والمواجهة في أي مكان في الجغرافيا اليمنية الواسعة.

أسلحة جديدة

لكن اللافت من خلال المناورة العسكرية النوعية، هو التركيز على إظهار بعض الأسلحة التي لم يتم الإعلان عنها سابقاً، حيث تم استعراض الغواصات اليمنية المسيرة، والتي حملت اسم “القارعة”، وأظهرت المشاهدة قدرة هذا السلاح على استهداف سفن الأعداء في البحر، وتدميرها.

وخلال المساندة اليمنية لغزة في معركة “طوفان الأقصى” وعلى مدى أكثر من عام، تمكنت القوات اليمنية من تحقيق انتصارات كبيرة في البحر الأحمر، حيث أجبرت حاملة الطائرات الأمريكية “آيزنهاور” على المغادرة، كما أجبرت قطعاً حربية أخرى مثل المدمرة البريطانية “ادموند” على الرحيل من البحر، ووجهت صفعات قاسية ضد السفن المخالفة للقرار اليمني بمنع مرور تلك السفن عبر البحر الأحمر إلى الموانئ الإسرائيلية في فلسطين المحتلة، ولا سيما ميناء “ايلات”.

وأظهرت القوات المسلحة اليمنية خلال الأشهر الماضية بعضاً من أسلحتها البحرية منها الزوارق المسيرة، والألغام البحرية، والصواريخ الباليستية والمجنحة، والطيران المسير، ثم الإعلان قبل أيام عن دخول سلاح “الغواصات المسيرة” لتكون أحدث الأسلحة اليمنية البحرية في مواجهة الأعداء في البحر.

ويظل السؤال الأبرز هنا: ما أهمية سلاح الغواصات المسيرة؟ وما التأثير الذي يمكن أن تحدثه في مسار المعركة البحرية اليمنية مع التحالف الأمريكي البريطاني؟

يرى الخبير والمحلل العسكري اليمني زين العابدين عثمان أن الغواصات المسيرة تمتلك العديد من الخصائص، منها القدرة على مهاجمة السفن، والقطع العائمة وتدميرها، مشيراً إلى أن الغواصات المسيرة يمكن تزويدها بشحنات متفجرة، ومحركات عالية السرعة، لتصبح قنابل بحرية موجهة بدقة قد تفوق فاعلية الصواريخ الطوربيدية، مضيفاً أن هذا النوع من الأسلحة هو قليل الكلفة، وسهل الاستخدام، كما أن برنامج التصنيع لا يكلف سوى جانبٍ بسيطٍ من المال، ومساراتها التصنيعية سهلة، ولا تأخذ الكثير من الجهد والوقت.

ويشير إلى أن امتلاك تكنولوجيا الغواصات المسيرة محصور فقط على الدول الرائدة مثل (روسيا، الصين، إيران، أمريكا) أما اليوم، فإن اليمن أصبح – بفضل الله – ضمن هذا النادي، وبات يمتلك نماذج من هذه الغواصات، والتي بدأ استخدامها عملياً، وتم الكشف عنها خلال المناورة العسكرية، وحملت اسم “القارعة”.

وتعد غواصة “القارعة” من أحدث الأسلحة اليمنية المتطورة، وهي من المركبات البحرية التي يتم التحكم بها عن بعد، وتمتلك تكنولوجيا تمكنها من تنفيذ مهام عملياتية مختلفة، لا سيما مهاجمة السفن والفرقاطات والمدمرات في مياه البحر الأحمر والعربي ومضيق باب المندب، وبالتالي سيشكل هذا النوع من الأسلحة فارقاً عملياتياً جديداً في المواجهة، وستعزز من فاعلية العمليات الهجومية التي تنفذها القوات المسلحة اليمنية لاستهدافها عدد من سفن كيان العدو الأمريكي والإسرائيلي والبريطاني.

استعداد لكل الاحتمالات

وتعد مساندة اليمن لغزة ضمن معركة “طوفان الأقصى” أحد أبرز المفاجآت التي شكلت رعباً وقلقاً للقوات الأمريكية والبريطانية والإسرائيلية، فاليمن الذي خرج من ركام الحرب السعودية الإماراتية وعلى مدى 9 سنوات مضت، يتصدر المشهد اليوم في عملياته النوعية، ولا سيما في البحر.

والحقيقة أن القوات المسلحة اليمنية بدأت الإعداد وتطوير قواتها البحرية منذ عام 2020، وكان الهدف الرئيس من ذلك هو فك الحصار المفروض على اليمن من قبل التحالف السعودي الأمريكي، لكن “طوفان الأقصى” دفع باليمن للكشف عن أوراقه البحرية، ليتم استثمارها بعد ذلك في المواجهة المباشرة مع أمريكا وبريطانيا وإسرائيل، وهي رسالة بات السعودي والإماراتي يفهمها جيداً، وبات يدرك مدى المأزق الكبير والمستنقع الذي وضع نفسه باليمن، وأن المواجهة مع اليمنيين الآن لن تكون كما في العام 2015، لأن القوات المسلحة اليمنية قد رممت قدراتها، واستطاعت أن تبني ترسانة عسكرية كبيرة تستطيع من خلالها ليس مواجهة فقط التحالف السعودي الإماراتي وإنما مواجهة الأمريكي والإسرائيلي والبريطاني.

ويمكن القول إن البحر الأحمر بات اليوم في قبضة القوات المسلحة اليمنية، حيث لا تستطيع أي سفينة المرور منه إلى الموانئ الإسرائيلية في فلسطين المحتلة إلا بإذن من اليمن، وهي معادلة لها الكثير من الأبعاد الاستراتيجية في المنظور القريب، ومن أهمية هذه العمليات أنها يمنية خالصة لا تخضع لأية املاءات أو قرارات من الخارج، وهي تعيد السيادة البحرية إلى اليمن بعد أن كانت مفقودة على مدى عقود من الزمن.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *