الانتخابات البرلمانية في أوروبا الشرقية.. روسيا تتقدم في السياسة والميدان
بقلم ابتسام الشامي
ليس التقدم العسكري الروسي في الأراضي الأوكرانية وحده ما يثير القلق الغربي، فشل السياسة الأوروبية في تطويق روسيا من بوابة دول أوروبا الشرقية يوازيه وقد يفوقه خطورة في نظر واشنطن وحلفائها..
بالنسبة لهؤلاء الانتخابات البرلمانية في عدد من دول أوروبا الشرقية وتقدم الأحزاب المقربة من روسيا، أعطت مؤشرات سيئة عن مسار المواجهة الروسية الاطلسية ومستقبلها.
نتائج الانتخابات
رفعت نتائج الانتخابات البرلمانية في كل من مولدوفا، جورجيا وبلغاريا منسوب القلق لدى الدوائر الغربية، حيال مصير المواجهة الروسية الأطلسية في أوكرانيا على مسافة أشهر قليلة من اكتمال عامها الثالث. وعلى الرغم من أن واشنطن وبروكسل بذلتا كل الجهود الممكنة لتجنيد الدول الأوروبية كافة في مواجهة روسيا باعتبارها خطراً “وجودياً” يداهم حاضر القارة الأوروبية ومستقبلها، فإن استراتيجيتها القائمة على التمدد في دول أوروبا الشرقية عبر إغرائها بالانضمام إلى الاتحاد الأوروبي، تواجه المزيد من الانتكاسات، في ظل المد الشعبي الرافض لهذا المستوى من التقارب مع بروكسل والعداء لموسكو. وإذا ما أخذنا في الاعتبار الجهود الروسية المبذولة لصد التمدد الغربي إلى حدودها، فإن عوامل إضافية ساهمت في انتكاسة الاستراتيجية الغربية، تتقدمها التأثيرات الاقتصادية للحرب في الدول الأوروبية وارتفاع كلفة المعيشة فيها، مضافاً إليه فشل أوكرانيا في صد هجمات الجيش الروسي وتقدمه في أراضيها، مع الإمداد العسكري الهائل لها من مصانع الأسلحة في الولايات المتحدة الأمريكية والدول الأوروبية، بما في ذلك الاسلحة النوعية التي اقتضى تزويد كييف بها اجراءات خاصة، في الدول المصنعة لها.
ردود الفعل الغربية
نتائج الانتخابات البرلمانية في ما يعرف بدول أطراف أوروبا الشرقية، حملت أخباراً غير سارة لواشنطن الفاعل الحقيقي في المواجهة الجارية مع روسيا، وبروكسل التابع الأمين لسياستها الخارجية، ما استدعى من الجانبين إطلاق حملة تشكيك بنتائج الانتخابات بادعاء وجود شبهات تزوير، ومحاولة مصادرتها لمصلحة الأحزاب والقوى الموالية لهما. علماً أن الانتخابات التي جرت في الدول الأوروبية الشرقية الثلاث، أظهرت فوز الحزب الحاكم المناهض للغرب في انتخابات جورجيا البرلمانية، وفشل الرئيسة الموالية للغرب في مولدوفا، مايا ساندو، في الحصول على تفويض صريح من الناخبين يمكنها من التقدم في مسار مأسسة العلاقة مع بروكسل، إضافة إلى تقدم الأحزاب الموالية لروسيا في الانتخابات البرلمانية في بلغاريا.
الحملة السياسية على نتائج الانتخابات في الدول الثلاث تولتها إلى قوى المعارضة في تلك الدول ممثلة برموزها السياسية، العواصم الغربية. وفي هذا السياق، دعا الرئيس الأمريكي جو بايدن الحكومة الجورجية إلى الاستجابة للمخاوف الدولية بشأن ما سماها حجم الانتهاكات في الانتخابات وإلغاء القوانين الأخيرة ذات الطابع الروسي. وقال بايدن “لقد أقلقتني بشدة حالة التراجع الديمقراطي الأخيرة في البلاد”، معبراً بذلك عن مخاوف الاتحاد الأوروبي، الذي جمّد طلب انضمام جورجيا واصفاً التطورات الأخيرة بأنها “مقلقة للغاية”.
بدورها رئيسة المفوضية، أورسولا فون دير لاين قالت في معرض تشكيكها بنتائج الانتخابات البرلمانية في جورجيا، “إن شعب جورجيا ظل منذ سنوات عديدة يناضل من أجل الديمقراطية.. وله الحق في التأكد من أن المخالفات الانتخابية يتم التحقيق فيها بسرعة وشفافية واستقلالية، كما أنه من حقهم، مثل جميع الأوروبيين، أن يكونوا أسياد مصيرهم”. وفي إشارة إلى نفوذ موسكو في شرق أوروبا، شددت رئيسة الجهاز التنفيذي الأوروبي على أنه “ليس هناك سبب واحد يجعل للرئيس الروسي فلاديمير بوتين الحق في الحديث عن مستقبل الشباب الأوكرانيين والمولدوفيين والجورجيين”.
أصوات التشكيك الخارجية بنتائج الانتخابات البرلمانية، لاقتها رئيسة جورجيا المؤيدة للغرب، سالومي زورابيشفيلي، برفض الاعتراف بنتائج الانتخابات، وإذ تحدثت عن “عملية خاصة روسية” تهدف للتأثير في نتائج الانتخابات، أعربت عن دعمها لأربع مجموعات معارضة تقول إن الانتخابات “سُرقت” من قبل حزب “حلم جورجيا” الذي اتهمته بالسعي لإعادة جورجيا إلى دائرة النفوذ الروسي تحت قيادة مؤسس الحزب الملياردير بيدزينا إيفانيشفيلي.
وفي مولدوفا لاقت جهود الرئيسة مايا ساندو لانضمام بلادها إلى الاتحاد الأوروبي انتكاسة كبرى، اذ بلغت نسبة الرافضين للانضمام في الاستفتاء الذي نظمته 55 % في مقابل نحو 45% لمؤيدي الانضمام إلى الاتحاد. يأتي ذلك بعدما كانت ساندو قد قطعت العلاقات مع موسكو وتقدمت بطلب انضمام بلادها إلى الاتحاد الأوروبي في أعقاب بداية العملية العسكرية الروسية الخاصة في أوكرانيا عام 2022. وعلقت ساندو على النتائج الجزئية بالقول للصحافة في كيشيناو إن ما حدث هو “هجوم غير مسبوق على حرية بلادنا وديموقراطيتها”. وألقت باللوم على “مجموعات إجرامية تعمل مع قوى أجنبية معادية لمصالحنا الوطنية”، مضيفة لقد “كان هدفهم تقويض العملية الديموقراطية”.
روسيا تتقدم سياسياً
القراءة السياسية لنتائج الانتخابات البرلمانية في الدول الثلاث وما انطوت عليه من مؤشرات توقف عندها “المركز الأوروبي لدراسات مكافحة الإرهاب والاستخبارات ECCI”، وبرأي الباحثين في المركز فإن الانتخابات الأخيرة في جورجيا ومولدوفا أظهرت “كيف يعمل الكرملين على مواجهة التوسع الشرقي للاتحاد الأوروبي”. مستشهدين بتقييم سنوي للتقدم الذي أحرزته الدول المرشحة للانضمام إلى الاتحاد الأوروبي، والذي كشفت عنه بروكسل يوم 30 أكتوبر 2024، أن “أياً من الدول المرشحة لم تحقق تقدماً كبيراً على الرغم من الشعور المتجدد بالإلحاح على توسيع الكتلة الأوروبية شرقاً”.
وإذ يشير التقرير إلى أن عشر دول تنتظر فرصة الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي، وقد تم الاعتراف بتسعة منها كمرشحين رسميين، يقول إن “حرب أوكرانيا أعطت زخما جديداً لعملية دمجها في الكتلة الأوروبية لتجنب ما يسمى المنطقة الرمادية على جانبها الشرقي” وهو ما عبّرت عنه رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين في بيان في 30 تشرين الأول الماضي بالقول “إن السياق الجيو/سياسي المتوتر يجعل من الضروري أكثر من أي وقت مضى أن نستكمل إعادة توحيد قارتنا، تحت نفس قيم الديمقراطية وسيادة القانون”. ولكن الانتخابات الأخيرة في إثنين من هذه البلدان أي جورجيا ومولدوفا، يضيف تقرير المركز الأوروبي “كشفت عن صراع شدٍّ وجذبٍ بين موسكو وبروكسل في محاولة جلب الدول المرشحة إلى مناطق نفوذهما”. مشيراً إلى أن الانتخابات البرلمانية التي جرت في جورجيا مؤخراً، شهدت “تشديد حزب الحلم الجورجي الحاكم، الذي يعتبره كثيرون مقرباً من الكرملين، قبضته على السلطة”.
خاتمة
في الجبهات السياسية كما في الميدانية تبدي روسيا تقدماً ملحوظاً، على مسافة أشهر قليلة من بلوغ مواجهتها مع دول الأطلسي عامها الثالث، وهو ما يعني عملياً إسقاطاً تدريجياً لأهداف الحرب التي أوقدتها الولايات المتحدة الأمريكية في أوكرانيا وجرت خلفها الدول الأوروبية.