آخر الكلام

الغربةُ والوطن

بقلم غسان عبد الله

كُنَّا إذا‏ ما سَرَّبَتْ عَنَّا حديثاً‏ قُبَّراتُ القَلْبِ، نَكتمُ سِرَّنا عنها،‏

فتوشك أن تنامَ على أساها،‏ كيف مالَ القَلْبُ عنها‏ حين أنْكَرْنا وِشايَتَها بِعَذْبِ كلامِها!!؟‏

تنأى، فأصعدُ خَلْفَ ظِلِّكَ‏ أيُّها القَمَرُ المشاغِبُ

ها أنا‏ خَلَعَتْني أحزانُ السُّفوحِ على الظَّما‏..

أمشي إليكَ كعشبةٍ في السَّفحِ‏ لاهثةٍ وراءَ غمامِها‏

حَتَّى تضيقَ الأرضُ عنها خطوةً‏..

حملتْ أنينَ الرَّملْ،‏ تذبحهُ الظهيرةُ في الهجيرِ فيشتكي‏

حَتَّى إذا انكسرتْ على‏ بابِ الظَّهيرةِ رعشةٌ‏ من ذلك الظمأ القتيل على الرِّمالِ‏

بَكَتْ.. ففارَ الغيثُ في كفِّ السَّما‏

لكَ أيُّها الوطنُ المعلقُ في رموش العَيْنِ، حيثُ تكونُ، دِفءُ سلامِها.‏

سيظلُّ يذبحني إليكَ الوَعْدُ‏ ما رَفَّتْ على الشُبَّاكِ آخِرُ ضحكةٍ‏

في ثغركَ الدَّامي، وما‏ ألْقى إليَّ مِنَ الأسى المنديلُ‏

أتُراكَ تذكرُ ما تُخَلِّفُهُ الشَّوارعُ بيننا‏ من ذكرياتٍ،

ما تُلَمْلِمُهُ المفارقُ‏ من حكاياتِ المساءِ،‏ وما تُثرثرهُ الطُّيورُ على امتدادِ الأرصفة‍‍؟‏

أتراكَ تذكرُ‍‍؟ كيف لا‏.. والدَّرْبُ مُشتعلٌ بنا، مشغولُ!!؟‏

ـ أتُراكَ تذكرُ!!؟‏ إنَّها أشياؤنا:

فنجانُ قهوتنا،‏ وضَجَّةُ ذلكَ الصَّمْتِ المُريبِ، وَوَرْدَةٌ‏ نامت على ما ثَرْثَرَ القنديلُ‏

أشكو إليكَ على الصَّبابةِ ما يُثيرُ فتشتكي‏

أني بحبكَ مُسرفٌ حَتَّى إذا اكتملَ المساءُ على الهِلالِ‏

مَرَرْتَ فوق وسادتي‏ فهمستُ: هذا مُسْتَحيلٌ‏

كيف يحملُكَ المساءُ على الحقيقةِ:‏ أنْتَ أنتَ!!؟ وكيف تُوشِكُ‏ أن تُعانقني، وأنتَ قتيلُ!!؟‏

يبدو بأني مُنذُ غُرْبَتِكَ الأخيرةِ،‏ حيثُ يفصلُنا السِّياجُ، وحيثُ تفصلُنا المقابِرُ والدَّمُ‏

أهْذي فلا أدري غِناءً، أو بُكاءً ما يبوحُ بهِ الفمُ!!؟‏

وتضيعُ آخِرُ خطوةٍ مني، فينكرني الطريقُ إليكَ، وهو طويلُ.‏

يُلقي إليَّ الحُلمُ كوكبَهُ الأخيرَ، أقولُ:‏ كُلُّ كواكبِ الدُّنيا رمادْ‏

ماذا سيبقى!!؟‏ حين تنشغلُ البلادُ بحزنِها،‏ وتموتُ في الشَّفةِ ابتسَامَاتُها،‏

وتنكسرُ الملامحُ في العبادْ!!؟‏

ماذا سيبقى!!؟‏ حين يُنكركَ الأحبَّةُ،‏ واليماماتُ الشَّريدةُ في القصائِدِ،‏ والتُّرابُ المُستهامْ!!؟‏

ماذا سيبقى حين ينكسرُ الكلامْ‏ في العينِ، في الشَّفةِ الذَّبيحةِ،‏

حين تُنكركَ القصيدةُ،‏ حين تُنكركَ الأصابعُ..‏ (لم تُعَوِّدْها كتابةَ ما تُحِبُّ)،‏

وحين تُنكركَ الشَّوارعُ… (لم تُعودها قراءةَ ما تُحِبُّ)..‏

وحين يُنكِرُ ما ستكتبهُ المدادْ!!؟‏

لا شيءَ يبقى…‏ غَيْرُ أوهامِ انتظارٍ‏ في الشَّبابيكِ الحزينةِ،‏

قُلْتُ: يَوْماُ… رُبَّما‏ يلتمُّ شَمْلُ الغائبينَ..

ونلتقي‏ حين الطَّريقُ دَمٌ،‏ وحين الأمنياتُ هي البلادْ.‏

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *