مغامرة أمريكية جديدة تهدد الأمن العالمي.. واشنطن تسمح لكييف باستخدام صواريخ بعيدة المدى ضد موسكو
بقلم ابتسام الشامي
ينهي الرئيس الأمريكي جو بايدن ولايته الرئاسية، بتسعير أوار الصراع الروسي الأطلسي. قرار السماح لأوكرانيا باستخدام صواريخ بعيدة المدى لاستهداف الأراضي الروسية ينطوي على تأجيج الحرب الدائرة في أوكرانيا، والانتقال بها إلى مرحلة أكثر خطورة وأشد تعقيداً واستعصاء على الحل.
يدخل الصراع الروسي الأطلسي مرحلة جديدة، هي الأشد سخونة وخطورة في عمره الممتد على نحو ثلاثة أعوام. اتهام روسيا بنشر قوات كورية شمالية للمساهمة في الأعمال الحربية ضد أوكرانيا، شكّل الذريعة المباشرة لقرار جو بايدن السماح للأخيرة باستخدام صواريخ بعيدة المدى لضرب الأراضي الروسية، لكن عجز القوات الأوكرانية عن تحقيق إنجازات ميدانية نوعية من قبيل استعادة الأراضي التي ضمتها روسيا في شرق البلاد، أو بالحد الأدنى وقف تقدمها العسكري، يعد من الأسباب الجوهرية لقرار بايدن، مضافاً إليه، تشكيك خليفته في البيت الأبيض دونالد ترامب خلال حملته الانتخابية، في جدوى تقديم المزيد من المساعدات للنظام الأوكراني، وتعهده بإطلاق وساطة لإنهاء الحرب فور انتخابه.
القرار الذي لم يصدر بشكل رسمي عن البيت الأبيض، وإنما جرى تسريبه عبر وسائل إعلام أمريكية، كان واحداً من مطالب الرئيس الأوكراني فلاديمير زيلنسكي، وشماعة علق عليها إخفاقات قوات بلاده العسكرية، لاسيما في الأشهر الأخيرة، عند فشل كييف في ما سمي بالهجوم المضاد لاستعادة الأراضي التي سيطرت عليها القوات الروسية، وما أدى إليه ذلك من ارتفاع في منسوب الإحباط في أوساط القوات العسكرية الأوكرانية، وتصاعد الهمس الغربي عن جدوى الاستمرار في دعم حرب فاشلة. وعلى مدى أشهر طويلة، حث زيلنسكي داعميه في الولايات المتحدة والدول الغربية، على رفع القيود المفروضة على استخدام كييف الصواريخ الغربية البعيدة المدى ضد أهداف داخل روسيا، مدّعياً أن القيود المفروضة تلك، تمنح الجيش الروسي تفوقاً استراتيجياً على حساب قواته. وإذا كانت الدول الغربية قد زوّدت أوكرانيا بالصواريخ النوعية، فإنها ظلت بمستويات مختلفة، حذرة إزاء إعطاء الإذن باستخدامها. فبينما أبدت لندن وباريس حماسة لرفع القيود المفروضة على استخدام الصواريخ، ترددت واشنطن وبرلين، وهو ما دفع زيلنسكي إلى التعبير مراراً عن إحباطه جراء ذلك.
معنى القرار ودلالاته
وبخلاف تشكيك الرئيس الأوكراني في نوايا حلفائه الغربيين، فإن تردد هؤلاء بشأن استخدام الأسلحة النوعية، نابع بشكل أساسي من معاني القرار ومفاعيله العملية وكذلك تداعياته السياسية، فإذا كان من الصحيح القول إن الدول الغربية وفي مقدمها الولايات المتحدة الأمريكية، منخرطة في الحرب ضد روسيا بشكل فعلي وهو ما تجلى في دعمها السياسي والعسكري لكييف، إلا أنها حافظت على صفة دول داعمة، ومعنى إعطاء الإذن باستخدام تلك الأسلحة، إنها دخلت بشكل مباشر في الحرب ضد روسيا، مع ما يمليه ذلك على الأخيرة من قرارات عملانية واستراتيجية للتعامل مع ما تفترضه حرباً دولية عليها لا حرباً مع دولة أخرى. ولعل ما جاء في أول تعليق روسي على القرار الأمريكي اختصر مقاربة موسكو لهذا التطور الخطير. فوفقاً للنائب الأول لرئيس لجنة الشؤون الدولية في مجلس الشيوخ الروسي، فلاديمير دزاباروف، فإن الأمر يعد “قفزة كبيرة جداً تجاه إشعال حرب عالمية ثالثة”، وحذر من أن رد بلاده سيكون فورياً. على أن روسيا لم تكن متفاجئة بالقرار، بل سبق لرئيسها أن حدد مسبقاً طريقة التعامل معه في حال صدوره. ففي أيلول الماضي، اعتبر فلاديمير بوتين، أن استخدام أوكرانيا صواريخ غربية الصنع ضد أهداف روسية، سيعني “مشاركة مباشرة لدول الناتو في الحرب.. وهذا يعني أنهم في حالة حرب مع روسيا، ما سيغير بشكل كبير جوهر الصراع وطبيعته. وإذا كان الأمر كذلك، فسنتخذ قرارات بالسوية نفسها”.
إحباط غربي من الأداء الأوكراني
ويثير الحديث عن رد روسي يوازي القرار، مخاوف غربية من أن تستخدم روسيا سياسية الأرض المحروقة في أوكرانيا، إلى جانب ارتفاع مستوى مخاطر تأجيج الحرب، وهو ما ألمح إليه نجل الرئيس الأمريكي المنتخب دونالد ترامب، متهماً إدارة بايدن بالقيام بمناورة خطيرة قد تؤدي إلى تبدّل نوعي في طبيعة الحرب الجارية وتوسعتها استباق لتولي والده السلطة. وكان نجل الرئيس المنتخب قد كتب في حسابه على منصة X “يبدو أن المجمع الصناعي العسكري يريد التأكد من اندلاع حرب عالمية ثالثة قبل أن تتاح لوالدي فرصة إحلال السلام وإنقاذ الأرواح. يا لهم من بلهاء”.
ويأتي هذا التطور في ظل ارتفاع منسوب الإحباط الأوروبي من إمكانية تحقيق القوات الأوكرانية إنجازات ميدانية، وميل عدد من القادة الأوروبيين إلى اعتبار المسار السياسي المسار الوحيد الذي من شأنه أن يضع حدّاً للحرب، في ملاقاة لأفكار الرئيس الأمريكي الجديد. وضمن هذه الأجواء، جاءت مكالمة المستشار الألماني أولاف شولتس مع بوتين يوم الجمعة الماضي، والتي رأى فيها مراقبون نافذة لفتح ثغرة جدية في جدار المفاوضات المرتفع بين أطراف الحرب. علماً أنه منذ انتخاب الرئيس ترامب يتبدل المزاج الأوروبي باتجاه تبنّي الحل السياسي وفق ما رصدته صحيفة واشنطن بوست. الصحيفة الأمريكية أكدت أن حلفاء أوكرانيا في أوروبا “أصبحوا يميلون، نحو حقيقة أن الحرب مع روسيا لن تنتهي إلا عبر مفاوضات تتضمن تنازلات عن الأراضي الأوكرانية التي نجحت موسكو في السيطرة عليها، والتي تقدّر بنحو خُمس مساحة أوكرانيا”. وبحسب الصحيفة فإن المناقشات المرتبطة بهذه المقاربة الجديدة التي عزّزها انتخاب ترامب، تستند إلى وقائع ميدانية، أظهرت أن أوكرانيا باتت في موقع دفاعي، مضافاً إلى ذلك أن فرص انحسار التمويل الأمريكي تتزايد بفعل مواقف ترامب المعلنة من الحرب.
روسيا تلوح بتغيير عقيدتها النووية
“دعوا الصواريخ تتحدث عن نفسها، وهي بالتأكيد ستفعل” بهذه الكلمات، ألمح الرئيس الأوكراني إلى القرار الأمريكي برفع القيود المفروضة على استخدام كييف الصواريخ الغربية البعيدة المدى ضد أهداف روسية. وعلى الرغم م عدم صدور القرار بشكل رسمي عن البيت الأبيض، إلا أن السفير الأمريكي السابق لدى أوكرانيا، سارع إلى توضيح القرار ومفاعيله، مشيراً إلى أن من شأنه أن “يفتح المجال الآن أمام الجيش الأوكراني لاستخدام صواريخ طويلة المدى بريطانية وفرنسية الصنع وصلته بالفعل، وربما حتى الحصول على صواريخ من ألمانيا أيضاً”.
ورداً على القرار الذي دخل حيز التنفيذ مع قصف القوات الأوكرانية مقاطعة بريانسك الروسية بصواريخ أتاكمز الأمريكية، حذّرت موسكو واشنطن من أن قرار إدارة بايدن قد يؤدي إلى تغيير في عقيدتها النووية، وإلى اتخاذ إجراءات أخرى كانت قد امتنعت عنها، من بينها، مدّ دول أخرى بأسلحة بعيدة المدى. ورأى الناطق باسم الكرملين، ديمتري بيسكوف، إن استخدام الصواريخ الغربية غير النووية من قبل الجيش الأوكراني ضد أراضي الاتحاد الروسي، يمكن أن يغير في العقيدة النووية الروسية. وقال بيسكوف إن “العقيدة النووية الجديدة يجب أن تصبح موضوع تحليل عميق في البلاد وخارجها” موضحاً أن بلاده “تعتبر استخدام الأسلحة النووية تدبيراً استثنائياً، ولكن من الواضح أن ثمة حاجة إلى تحديث تلك العقيدة كي تتماشى مع الأوضاع السياسية الحالية”، في إشارة إلى مصادقة الرئيس الروسي على عقيدة نووية محدثة تضمنت توسيعاً لقائمة المعايير التي تتطلب رداً نووياً، لتشمل الهجمات المشتركة، أي “العدوان من قبل أي دولة غير نووية، ولكن بمشاركة أو دعم دولة نووية”، إضافة إلى اعتبار تهديد السيادة الروسية امراً يستدعي رداً نووياً، وهو ما يشمل أيضاً بيلاروسيا.
خاتمة
تبدو الأيام الأخيرة للرئيس الأمريكي جو بايدن في البيت الأبيض محفوفة بالمخاطر، وكما بدأ ولايته الرئاسية بالتصعيد على أكثر من جبهة ساخنة، فإنه ينهيها بمغامرة عسكرية جديدة، تضع العالم على حافة حرب عاصفة، والسؤال المطروح أمام الإدارة الجديدة، هل ستفي بالتزاماتها بوضع حد للحروب المشتعلة، أم أنها ستكون أكثر انخراطاً فيها؟.