بين الإعلام الرسالي والإعلام المأجور
بقلم غسان عبد الله
يتفق المختصون بوسائل الإعلام على أنّ لكل مهنة في المجتمع أخلاقيات وسلوكيات تعبّر في مضمونها عن العلاقات بين ممارسيها من ناحية، والعلاقات بينهم وبين عملائهم من ناحية ثانية، وبينهم وبين المجتمع الذي ينتمون إليه من ناحية ثالثة، وهذه الأخلاقيات والسلوكيات قد يكون متعارفاً عليها، وقد تكون مبادئ ومعايير يضعها التنظيم المهني للمهنة..
إذ تبرز أهمية الإعلام في الرسالة التنويرية والتثقيفية التي تنمي وعي الإنسان بمجريات الأمور في عصره، وتحافظ على فكره من التشتت والضياع والتحجر، ورسالة رفيعة من هذا الطراز لا بد أن تكون لها من المواصفات والخصائص ما يجعلها تحافظ على هذه الرفعة، وهنا يأتي دور الأخلاقيات والسلوكيات الإعلامية.
ونعني بالأخلاقيات المهنية، أنّ على العاملين في وسائل الإعلام أن يلتزموا في سلوكهم تجاه أنفسهم وتجاه جماهيرهم بمبادئ وقيم أساسية، ويكون الالتزام بهذه المبادئ والقيم الأساسية نوعاً من الواجبات الشخصية، أي أنّه التزام شخصي يقع على كل واحد منهم بصفة شخصية ليكون سلوكاً سليماً وأخلاقياً، فهي بمثابة قواعد واضحة للسلوك المهني في المؤسسات الإعلامية، وكذلك الاتجاهات الفعالة والدعاوى المتصلة بكل ما هو ملائم في أسلوب العمل والإنجاز، وانطلاقاً من هذا الفهم فإنّ بعض الإعلاميين تُوجّه إليهم انتقادات مختلفة أساسها أنّهم يفتقدون الاهتمام بالسلوكيات المهنية، حيث لم يترجموا هذه الأخلاقيات والسلوكيات المتعارف عليها إلى واقع عملي ملموس، وظهر ذلك في عدم مراعاة القواعد المهنية في الإعلام، فاهتموا بسرعة النشر وتركوا الدقة، وأغوتهم الإثارة على حساب الحقيقة، ونسوا أو تناسوا أنّ إبلاغ المشاهد أو المستمع بالحقيقة هو الهدف، إذ غاب على طرحهم التوازن والتجرد، ولم يلتزموا بفصل الآراء الشخصية عن الحقائق، إلى جانب عدم اتخاذ أعلى درجات الحرص المهني لتفادي الوقوع بالأخطاء.
في كل حربٍ يلجأ أحد الطرفين لاستخدام أسلحةٍ واستراتيجيات نفسية وإعلامية ضد خصمه، والهدف منها قد يكون تشتيت فكر الخصم وبالتالي إضعافه، ويكون ذلك من خلال الإعلام الموجّه، يستخدم هذا الإعلام كلّ أدوات التحريض والاستفزاز، يتولاه بعض الخونة الذين قد يكونون من القيادات الحزبية أو من نخبة المثقفين، إذ يحاولون تسميم العقول بإيهامهم أنّهم ينتقدون الأحداث السيئة الاقتصادية والسياسية والاجتماعية، وهم في حقيقة الأمر يمرِّرون رسائل من أجل إشعال نار قد أُطفئت وتسعير حرب قد أُوقِفت، وتخويف الناس والسعي ليفقدوا ثقتهم في بلدهم.
ويعمل الإعلام الموجّه على صنع حالة من الفوضى الكلامية والفكرية، من خلال “برامج الثرثرة اليومية”، والتي يكتشف من يتفحصها أنّها لا تحمل هدفاً ولا مغزى، سوى نشر السلبية والامتعاض، كما يتّضح للمتفحص أنّ هؤلاء الخونة لا يملكون أي أسس في التعامل المهني، على الرغم مما يمارسونه من تنظير وجدل عقيم، ووصل ببعضهم أن يستضيف أشباهه من المأجورين ويعطيهم ألقاباً وأوصافاً منتحلة، فيعرف هذا على أنّه ناشط سياسي، وذاك على أنّه ناقد، وثالث على أنّه قائد ثوري، ووصف الرابع بأنّه منسق لائتلاف ربما لم تسمع به من قبل!.
وتجد أنّ هناك اتفاقاً بين وسائل الإعلام المأجورة في استضافة هؤلاء، ليقدِّموا مادة مليئة بالتنظير والجدل والصراخ والصوت العالي؛ لأنّه وببساطة لا علاقة لكلامهم بالحقائق وما يحدث على أرض الواقع، فكلُّ هدفهم تزييف ذلك وإيهام المشاهد والمستمع بعكسه، حتى بات هؤلاء وكأنهم متقدمون على ما خُطِّط ورُسِم لهم ممن اشترى ذممهم ومهنيتهم!.
وكان انتصار المقاومة في لبنان قد صدم من ظَهَرَ وكأنّهم جزء من ماكينة للدعاية الغربية والصهيونية والخليجية، والذين انبروا وتفرّغوا لقلب الحقائق واختلاق الأكاذيب عن المقاومة، وعن الجمهورية الإسلامية في إيران وعن محور المقاومة وليس هذا بمستغرب عليهم، فقد سعوا فيما مضى بمحاربة كل من يحاول أن يتطرق إلى السعودية وأعوانها بسوء، فكيف بمن يهدِّد مخططاتها ومخططات أمريكا الجهنمية في الاستيلاء على كلِّ مقدّرات الشعوب وخيرات بلدانهم؟ وهذا ما جعل إعلاميين يوجهون بوصلتهم تجاه إيران وحلفائها، إذ لم يتوانوا عن الرّدح وإطلاق التهم واختلاق الأخبار الكاذبة، رامين بأخلاقيات وسلوكيات المهنة عرض الحائط، فالمهم والأهم أن يرضى أتباع بما يطرحونه، غير آبهين أن يكونوا أداةً في أيدي قوى أجنبية، توجّههم لضرب دولهم، عن طريق زعزعة استقرارها، وكل ذلك مقابل “بضع أموال” ينالونها، أو مناصب حزبية أو سياسية يوعدون بها.
ولك أن تقارن بين الذين لم يكن لهم نبرة صوت من قتل أبناء الشعب الفلسطيني وهدم بيوتهم واغتيال رموزهم، ولم ينبسوا ببنت شفة تجاه الحصار على غزّة وقصف البيوت الآمنة بل كانوا صوتاً للقتل والتدمير، وإعلاماً يدعو للتطبيع ويجعل من الشرفاء أعداءً ومن الصهاينة أصدقاء. هم اليوم من يتظاهر بالبكاء والخوف على الشعب اللبناني من ما أسموه كذباً وجوراً الذراع الإيرانية في لبنان، فيما هم في حقيقة يبكون زملاءهم في العمالة والخيانة، ولم يجدوا طريقاً لذلك إلاّ بالصراخ، فهم يسعون لإسكات أي صوت يخالفهم ويحاول كشف حقيقتهم بتستّرهم وراءَ حماية وطننا لبنان – بينما يقصفوننا ويجزِّرون بأهلنا، ويحاصروننا من كل حدبٍ وصوب – وغيرها من الأسطوانات المشروخة والتي أكل عليها الدهر وشرب، ولم يعد بالإمكان استخدامها كأدوات للابتزاز وشراء السكوت مقابل المال.