عبرة الكلمات 473
بقلم غسان عبد الله
أبجدية السيد
في حديقة الضوء.. وحين يخضب الليل نجومه باللازورد الشفيف، يسلمها بين يدي الدعاء يشعلنا بالوَضوءِ ويؤججنا بالصلاة.. تنهضُ الرُّوحُ القلقةُ لتسامرَ أبجديةِ تلاواتِهِ.. لكلِّ حرفٍ لونٌ.. ولكلِّ لونِ أغصانٌ تمُدُّهُ بالضوء.. ينفرِدُ اللونُ وِشاحاً يغزِلُ عناقَ الضَّوءِ والظِّلِ.. ويحاورُ القلبَ شوقُ الفصولْ.. كيف ينبُتُ العطرُ على سُعُفِ النخيل؟! ثمَّة حباتُ بَلَحٍ تنضحُ بالبَخُور.. من أين لك سيدي كلُّ هذا الحضورْ.. عفوكَ.. هل لكَ أن تفُكَّ حنانَكَ عن روحي قليلاً كي أعرف مَداكَ في الحياة.. وبرزخَكَ في الأعماق؟!.
بلاد الوجع والشهداء
ألا هبّي أجادل فيك هذا الليل.. هذا الحصى والرمالَ المسائية وأشربُ صاعقَ الأمطارِ والصفصافِ والطرقاتِ والنوافذ.. أحجُّ إليكِ صوبَ القدسِ.. أحضنُ لونكِ القمريّ مثل الماء.. أنشُجُ من ضراعةِ وجهي المكلوم في المساء.. كالشهداءِ أبكيك.. وأحفظُ ما تبقى من خلاياكِ الطهورة في انطفائي.. أنتِ يا بلادَ الوجعِ والشهداء.
تلكُم قريتي
هل أدلكُمْ على نبضة شمسٍ في مرايا البحرِ يفيءُ الطائرُ إلى كوكبها الفضيّ، وتنبجسُ الفتنةُ عن عالمٍ ورديٍّ لا تهربُ من سمائِه الأقمارُ ولا يرحلُ عنه هَزارْ؟!.. هل أدلّكُمْ على غيمةٍ، ستمطرُ غِبَّ انبلاج النهارْ.. وتغزلْ من خيوط العشبِ ثياباً لفراشات الماءْ!.. هل أدلّكُمْ على نجمةٍ تتوهّجُ في أجفان سنبلةٍ وتضيءُ سماءَ بلادٍ تخلعُ أسمالَ النومِ. وتلبسُ قمصانَ البرديّ!.. تلكم قريتي.
انكسار المدى
تتلفَّتُ الرَّاياتُ حولَكَ، والأسى يغتالُ حُزْنَ اللاَّفتات.. من كان يصعدُ صوب ذاكرةِ التُّرابِ، ومن تلوذُ بهِ الضِّفافُ غداةَ يختصرُ النخيلُ كُلَّ الأغاني… حين تُختصرُ المنافي في بُكاءاتِ الرَّحيلِ فبأيِّ حُزْنٍ سوف تنكسرُ الوجوهُ!!؟ بأيِّ ريحٍ سوف تنكسرُ الجهاتْ!!؟ لم يَبْقَ من تاريخنا العربيِّ شيءٌ غير أرصفةِ الشوارع والمقاهي، والأسى والذكريات أيظلُّ يَشْرَقُ بالغناءِ العذبِ منديلٌ، وينكسرُ المدى عند الصَّهيل!!؟.
أسئلة عاشق
أَتُراكَ تصعد من دمي فأقولُ: هذا طيرُ صدري قامَ.. ليس له مثيلٌ في خُطى الأشباهِ!!؟ أَتُراكَ تسمعني أنا الصَّحراءُ أُوغلُ في المتاهِ، وأنتَ برقٌ أمتطيهِ وريحٌ!!؟ أَتُرى تُحِسُّ بما أُحِسُّ وليس فيما بيننا إِلاَّ أنينُ الرَّمْلِ يختصرُ الهجيرَ على أساهُ، وليس فيما بيننا إِلاَّ المدى المذبوحُ!!؟ أَتُراكَ تسمعني غَداةَ العُشْبُ يُشعلهُ النَّدى، والقلبُ يُوغلُ في مداهُ الحزنُ والتَّسبيحُ!!؟. وأنا الذي بالرغمِ عني… أعشقُ الصَّحراءَ تقتلني وتبكي ثم أنهضُ باسقاً إِذْ يستحيلُ بُكاؤها غيماً يُدثرني وهذي مُقلتاها للنَّخيل سفوحُ.