هامش ثقافي

وسائل الإعلام الأمريكي.. وعبادة إسرائيل

بقلم غسان عبد الله

الحملة الإعلامية المريعة التي تشنُّها بعض وسائل الإعلام الأمريكي ضدّ الإسلام والمسلمين وضدّ الداعمين بالإعلام والمناصرين بالصوت للمستضعفين في العالم، تدل على أن هذا الإعلام تحرَّر من “أخلاقيات” الماضي (حسب ادِّعائهم الأخلاق)، وقرّرَ أن يكون جزءاً من آلة الحرب الأمريكية التي توجّهها اليوم قوى إستكبارية تضيقُ بالمُعارِض ولو كان أمريكيَّ الهويةِ والمولد، وتمقتُ المخالفَ ولو كان أوروبياً أبيض مسيحياً، وتهاجم من تراه عدواً دون تفكير في العواقب.

وبسقوط الشكليات وصعود النزعة الوطنية الشوفينية تم تحرُّر اليمين الأمريكي من كلِّ قيد، حتى بلغ الحد بمعلِّقة أمريكية في إحدى أهم وسائل الإعلام الأمريكي آنذاك أن تعلِّق على هجمات 11 سبتمبر/أيلول بالقول متحدثة عن المسلمين “ينبغي أن نجتاح أوطانهم ونقتل قادتهم، ونفرض عليهم اعتناق المسيحية”!!.

وهذا التحرُّر الأهوج من جهة اليمين واليسار والوسط جاء على الرغم من ادّعاء البعض أن ثمّةَ قوى تتّسم بالاعتدال والتسامح والحوار والليبرالية في الولايات المتحدة، فقد ظلّت هذه القوى خفيضة الصوت، مكبوحة بكوابح الإعلام الأمريكي، وهي ليست كوابح جديدة وإن كانت أعراضها أصبحت يوماً بعد يوم أوضح للناظر.

نذكر نماذج عن هذه الكوابح:

1- الملكية، فالإعلام الأمريكي ملك لحفنة قليلة من رجال الإعلام الأثرياء والشركات العملاقة، ومهما تكن الحرية التي ينعم بها قانونياً فهو لا يستطيع أن يبثّ ما يؤثّر سلباً على مصالح مالكيه.

2- الدعاية التجارية، فهذا الإعلام يعيش إلى حدٍّ بعيدٍ على مردودِ الدعايةِ التجاريةِ التي يحظى بها، وليس في وسعه إن أرادَ الاستمرارَ في جلبِ الإعلانات التجارية إلا أن يجامل أصحاب المال والأعمال.

3- المصادر الرسمية، فأهم مصدر للأخبار هي الجهات الرسمية في البيت الأبيض والكونغرس، فتعيّن شيء من المجاملة لهذه الجهات حفاظا على تدفق المعلومات منها بانسياب ومرونة.

4- النقد، فخوف وسائل الإعلام الأمريكية من النقد وخصوصاً نقد الجهات الرسمية والمتنفذة يجبرها على تقييد نفسها. وفي تعليل مدير أخبار سي. أن. أن استقالته بالحيلولة دون “تشويه صورة المحطة” نموذج لذلك.

5- الأيدولوجيا، وقد قصد بها المؤلفان آنذاك معاداة الشيوعية أساساً، لكنها اليوم تصدق على معاداة الإسلام والعرب أكثر من معاداة أي شيء آخر، بعدما أصبح العداء لهما حافزاً أيدولوجياً جديداً.

ومع هذه الكوابح فلا غرابة إن لم ينقل الإعلام الأمريكي صورةً دقيقةً لما يجري اليوم في اليمن والعراق وفي فلسطين وغيرهما من النقاط الساخنة للمشاهد والقارئ والسامع الأمريكي. ولا غروَ كذلك أن كانت الولايات المتحدة تملك أقوى وسائل الإعلام في العالم، وكان شعبها أضعف الشعوب الغربية وعياً سياسياً في ذات الوقت.

لكن أهم كابح للإعلام الأمريكي هو ما تدعوه الكاتبة الأمريكية غريس هالسل “عبادة إسرائيل”. ولأن مفهوم العبادة تركيبٌ من الخوف والرجاء، المحبة والخشية، فإن هذا الكابح لا يندرج بالكامل ضمن أي من الكوابح الخمسة التي ذكرناها، بل هو حاصلُ تركيبٍ منها كلها.

فملكية رجال الأعمال اليهود لأهم وسائل الإعلام الأمريكية يجعل سكوتها عن نقد إسرائيل مفهوماً. ومن ثم حاجتها إلى الدعاية التجارية لدى الشركات التي يملكها هؤلاء تفرض عليها شيئاً من مجاملتهم. إضافة إلى العلاقة بمصادر الأخبار الرسمية خصوصاً الكونغرس حيث الإجماع على دعم إسرائيل، يفرض التحوط. والخوف من الاتهام بمعاداة السامية يفرض محاذير مفرطة في تغطية الأخبار المتعلقة بالكيان الصهيوني.

وأخيراً فإن “عبادة إسرائيل” – بالمعنى الديني- من أهم الأيدولوجيات السائدة في أمريكا، وهي من مكونات المسيحية البروتستانتية.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *