هامش ثقافي

المثقف الواعي هو صائد الأفكار القيمة ومحللها

بقلم غسان عبد الله

في محيطنا كلمة حر، كلمة غاية في الحساسية، تقف عندها الكثير من الأقلام للكتابة مع وضد، وهناك من يراقب في صمت. وهنا نعني حريةَ الفكر التي لا تعني محاربة أي طرف، بل تقدّم مساحة جيدة للتحليل الموضوعي والتناول العلمي المحايد ما أمكن عبر النقد، بشكل يخدم الإنسان والمجتمع في كل مرحلة. في عملية الفهم والتوظيف الأمثل لأدوات كل مرحلة. من ناحية أخرى، ثمة عقول يكون لها دور جوهري في المشهد الثقافي بالمجتمعات، وهو الفهم المتعمق لمعطيات العصر وآثارها على المجتمع، كما تملك المهارة في تجسير أي هوة بين المجتمع وأصحاب القرار، للانتباه لمجريات الواقع وما قد ينجم عنه، وكيفية العمل على مجاراته بشكل إيجابي، أو التحكم بشكل يجنب مسار المجتمع أي معوقات أو إشكاليات محتملة.

هذه العقول ينتظر أن تكون لها من النباهة والفهم والحصافة أن تقرأ وتحلل وتستنتج من مجريات الواقع ما يؤهلها لاستشراف المستقبل. هذه العقول هي عقول المثقفين والتي تعدّ من كنوز المجتمعات والتي تحتاجها بشكل مستمر أن تكون في صدارة الاهتمام. أينما كان المثقف فدوره الفكري عظيم ومهم، ويستحق توفير مساحات جيدة لدعمه وتهيئة الفرص للاستماع إليه والتشاور معه من قبل صناع القرار والدارسين والباحثين في شتى الحقول الإنسانية.

من مهارات المثقف الناجح، فهم قضايا المجتمع بصورة شمولية والقدرة على تجميع المعلومات التي تسهم في حل المشكلات، مع التفكير الخلاق المبتكر. بالإضافة إلى المهارة في التفسير الناضج للمعلومات، والقدرة على صياغة شرح تفصيلي وتوعوي، يوافق خلفية السلطة والمجتمع.

لمعرفة معطيات كل عصر بتفاصيله وأحداثه، قد يستلزم التوقف عند ما يصلنا من أثر تركه الإنسان، عبر الحضارات البشرية والاستفادة من تجارب من رحلوا. يلاحظ أن هناك ممن يحيطون بالقيادة في الحضارات السابقة والراهنة شخصيات لها أدوارها المهمة في تسيير المجتمعات عبر أدوات القوة الناعمة، إن جاز التعبير. من ضمن وظائفهم ترسيخ إستراتيجية الحكم وتمريرها بين أطياف الشعب وتأكيد القبول والولاء والمواصلة في دعم السلطة. عليه من الممكن أن يُعتبروا الأيدي غير المباشرة للسلطة في المجتمع. من ناحية أخرى، لتتقبل أطياف المجتمع هذه الشخصيات، يجب توفر بعض المهارات والسمات لضمان نجاحها في مهمتها. من ناحية أخرى، كلما كانت هذه الشخصيات مقربة لثقافة المجتمع، وتتمتع بالحس الإنساني نحو المجتمع وقضاياه، كلما حظيت بالقبول والدعم.

مع تعقيدات العصر الراهن، ولمواكبة قضايا المجتمعات في شتى الحقول بآلية عملية ومرنة، قد يتطلب الأمر من الحكومات أن تخوّل جهات مختصة للقيام بدور البحث عن الشخصيات الثقافية في كل مجال، بعد ترشيحها يتمُّ تدريبها وتوظيفها عبر مشاريع حاملة لرؤى السلطة، ودعمها بشكل مستمر وبكلِّ السبل المتاحة. ثم يُعمل على تأكيد ظهور هذه الشخصيات في الواجهة الإعلامية، وتقديمها في قوالب تحقق درجة من القبول لدى الفئات المستهدفة. من المهم مواصلة تصدّر هذه الوجوه الثقافية بشكل متواصل في مشاريع متتالية ومكافأتها بشكل علني ليحتذى بمسارها. كما تحث فئة المثقفين المختارة هذه على أن تختار وتدعم وجوهاً ثقافية من الأجيال الجديدة لضمان استدامة آلية تواجد المثقفين في صدارة المشهد الاجتماعي.

عموماً، يتوقع أن تتم عملية الانتقاء بشكل علمي وموضوعي ما أمكن، على الرغم من أن المعايير المتطلبة تركن إلى النسبية، مع ذلك هناك ركائز أساسية يعتمد عليها النقاد والمختصون، للوصول إلى أعلى درجة ممكنة من المصداقية. ويحدث في بعض الدول أن ترد أسماء مختارة في قائمة المثقفين المدعومين من قبل السلطة عبر مؤسساتها ويكرموا أينما حلوا، على الرغم من أنه لا تنطبق عليهم المعايير المتفق عليها ثقافياً. حين تُصدّر هذه الأسماء إلى المشهد الثقافي، يتم مقابلتها بالنقد والاستياء، والتشكيك في أن عملية الدعم يشوبها الفساد. بعد ذلك، تحدث مقارنات، للفت الأنظار أن هناك من هم أكثر أحقية وجدارة بهذا الدعم والتكريم.

كان وما زال المثقف الواعي هو صائد الأفكار القيمة ومحللها ويسهم في توالدها ويملك قابلية تشريحها وتفكيك قضايا المجتمع وتقديم رؤاه بشكل يسهل لصناع القرار وضع أولويات مسؤولياتهم تجاه المجتمع نصب أعينهم في صياغة القرارات والخطط الإستراتيجية. المثقف الناجح له القدرة على تجميع المعلومات وتحليلها ومن ثم تقديم حلول مبدعة للمشكلات باختلافها. حين تسخير الأدوات والطاقات في دعم المثقف الذي يعي دوره تجاه المجتمع، سيتسنى للسلطة والمجتمع فرصة اختصار الوقت لوضع الخطط وتنفيذها، دون تأخير، في زمن تتسارع فيه التغيرات والتحولات، بسبب مستجدات علمية وتقنية ما ألفها الإنسان من قبل.

المثقف الذي يأخذ على عاتقه الترويج للسياحة في وطنه والعمل في مشاريع تطوعية ومؤازرة مجتمعه في قضاياه، واستخدام حساباته في شبكة الإعلام البديل له دور مباشر وسريع في مدّ الجسور بين السلطة والمجتمع والحثِّ على إيجاد الحلول والدعم، أسماء كثيرة تبشر باستحقاق لقب سفراء السعادة في مجتمعاتهم. كذلك يستحقون الدعم المستمر لتتصدر أسماؤهم قوائم النجومية كرموز ثقافية تشكل قدوة لأفراد المجتمع.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *