هلالٌ وحيدٌ.. وعاشق
بقلم غسان عبد الله
هلالٌ وحيدٌ على قبّةِ الليلِ..
وعاشقٌ من بياضِ المناديلِ.. واقفٌ يتأمّلُ أيامَهُ عند شطِّ الغروبِ،
ويُصغي لتنويحةِ النايِ بين السحبْ..
هلالٌ من الدمعِ خَصَّلَهُ العشقُ من هدبِ العاشقين في المساءاتِ العابرة..
ورفعناهُ إلى كتفِ الغيمِ من شوقنا للمواويلِ..
يا قرويُّ نادِ على الغيمِ أن يحتجبْ!
لنبصرَ ذاكَ الغيابَ الذي تتلألأُ أشجانُهُ في البعيدِ ونتبعَ دربَ المحبينَ..
يا عاشقُ نادِ على الغيمِ!.. نادِ عليه..
والعاشقُ ابنُ النداءِ المبكّرِ للقمحِ، ابنُ الرياحينِ في شجرِ الحبِّ
ابنُ الحمامِ الذي طارَ خلفَ الزغاريدِ كي يختارَ طريقَهُ فاستحالَ إلى دمعةٍ وانسكبْ!
وطعمُ المواويلِ في الليلِ.. ابنُ النجومِ الأحبُّ إلى العاشقين..
نايٌ تأوَّهَ من روعَةِ الحبِّ حتى إذا بُحَّ رجعُ الصدى ثقَبَتْهُ أناتُ القصبْ..
دموعٌ من الفلِّ مجروحةٌ بالربابِ،
إوزّةُ حزنٍ على بيدرِ الصبحِ صبَّ ضراعتها العشقُ يوماً
وزيَّنَ من دمها المستباحِ كرومَ العنبْ..
هو الحَورُ يسقطُ فوق أعالي البكاءِ،
حداءُ غيومٍ ركضنَ على وترِ الذكرياتِ المجرّدِ حتى تعبنَ..
سقوطُ الأغنيةِ في لحنها، شوكةٌ من غضبْ..
يمرُّ كمرِّ السحابةِ في صيفنا الساحليّ، ويجعلُ من روحنا ورقاً للهديلْ..
ويرحلُ نحو قراها البعيدة..
يا أيها النهرُ خذني إليهِ، لأجرحَ أهدابَ قلبي على النايِ واجرِ إليَّ حزنَهُ سلسبيلْ!..
خذوني إلى فسحةِ العمرِ كي أتأملَ لونَ العصافيرِ في زرقةِ الفجرِ..
لا تتركوني وحيداً على النهرِ!
لا تتركوا قمرَ التوتِ قربي جريحاً لأعرفَ أنَّ السحابَ رحيلْ!..
وعُدْ إلى القمحِ يا قرويَّ العشقِ!
أنتَ الدموعُ التي ذَرَفَتْها الغيومُ على زهرِ حزنيَ،
أولُ رمانةٍ أسقطتها الرياحُ على قلبيَ الغضِّ..
أولُ أغنيةٍ أنزلتها النجومُ إلى بئرِ روحي ورجَّعَهَا الماءُ عند حدود القرى في الأصيلْ..
أحبك لكنهُ القمحُ: شَلْحُ حفيفٍ من الحزنِ يحفِنُ أرواحَنا بالدموعِ،
ويجعلُ من حنطةٍ دَمَنا ثم يتركنا في ضفافِ الهوى كالنصوبْ.
ستبكي الحماماتُ.. تبكي وتولدُ مثل النجومِ من الليلِ..
يا قرويُّ رُدَّ جدائلَ الذرةِ للريحِ كيما أتوبْ!
فقلبي حزينُ الأغاريدِ.. والقرويُّ أصغرُ من بُحَّةِ النايِ في قصباتِ الهديلِ،
وأقربُ للحبِّ من غيمةٍ في الغروبْ..
حزينٌ من الحبِّ يا شجرةَ اللوزِ..
حطَّ على كتفي بلبلُ الدوحِ يبكي وردّدَ أغنيتي العندليبْ!
حزينٌ من الحبِّ..
والعاشقُ القرويُّ يذهبُ كل مساءٍ إلى حقلةِ الأقحوانِ ليجمعَ زهرَ ضراعته الليلكيَّ،
ويملأَ جرَّتَهُ من دموعِ المغيبْ..
يمرُّ كهَدْيِ الحفيفِ على وترِ القمحِ..
عاشقٌ مخصَّلٌّ من بكاءِ العصافيرِ.. من شتوةِ الغيم فوق حقولِ التبغِ..
يسرّحُ في خلوةِ الروحِ مُهرَ الغيابِ ويتركُ تمُّوزَهُ هائماً في شمالِ النحيبْ.