10 أعوام على الخروج المذل للمارينز الأمريكي من صنعاء
بقلم نوال النونو
برزت التدخلات الأمريكية في اليمن منذ عقود متعاقبة في أشكال متعددة، منها ما يتعلق بمكافحة “الإرهاب” ومنها “التدخل الدبلوماسي والسياسي” ومنها “التدخل العسكري”.
وحتى العام 2014م كان السفير الأمريكي هو المتحكم في القرار باليمن، وكان يتحرك مخالفاً لكل الأعراف والعادات الدبلوماسية، ويتحكم في أدق التفاصيل بالشأن اليمني، وبموازاة ذلك كان الطيران المسير الأمريكي لا يفارق سماء اليمن، يطارد ما يسميها بالعناصر الإرهابية، لكن في الكثير من الأحيان يكون الضحايا من المدنيين الأبرياء من نساء وأطفال، وخلال الفترة من (2001- 2020) بلغت الضربات الأمريكية بالطائرات بدون طيار 336 ضربة، ووصل عدد القتلى من المدنيين ما يقارب 1389 بينهم نساء وأطفال.
في تلك الفترة – أي ما قبل 2014 – أدخلت أمريكا معدات وشحنات ذخائر وتقنيات وسيارات مدرعة ولوحات خاصة، وتمكنت من بناء محطة السي آي إيه في سفارتها بصنعاء، ومن خلال السفارة سيطرت على البنية التحتية للمؤسسة، وتحولت السفارة في العام 2009م إلى مقر للمحطة الإقليمية لوكالة المخابرات المركزية السي آي إيه، والمختصة بالقرن الإفريقي والخليج.
كانت السفارة الأمريكية تتحكم في مراقبة الموانئ اليمنية والمنافذ الحدودية، كما فرضت السفارة على السلطات اليمنية عدم اعتراض الأمريكيين، وعدم مطالبتهم بهوية عملهم والسماح لهم بدخول الجمهورية اليمنية والخروج منها بوثائق الهوية الأمريكية والسفر داخل اليمن برخص واجازات القيادة الصادرة عن السلطات الأمريكية والسماح أيضاً بارتداء الزي العسكري، وفرضت عدم تفتيش الطائرات والمركبات والسفن والطرود الأمريكية القادمة إلى اليمن، وألغت وجود الحماية المتحركة من قوات الأمن اليمنية، وإلغاء أي إجراءات تتعلق بنقل الأمريكيين بين بعض المدن اليمنية.
ومن الشواهد الدالة على تجاوز السفير الأمريكي لمهامه، قيامه بشراء الأسلحة من القبائل اليمنية، حيث كان السفير يتنقل بين المحافظات اليمنية، ويشتري الأسلحة من اليمنيين في مخالفة صريحة للعرف الدبلوماسي.
شكّلت التحركات الأمريكية مخاوف لدى الكثير من اليمنيين، فبدأ قائد المسيرة القرآنية السيد حسين بدر الدين الحوثي بالتحرك محذراً من خطورة دخول الأمريكيين إلى اليمن، وتناول ذلك في ملزمة له بعنوان: “خطر دخول أمريكا إلى اليمن”، حيث قال فيها: “فليكن كلامنا مع بعضنا البعض أنه لماذا دخلوا بلادنا؟ ومن الذي سمح لهم أن يدخلوا بلادنا؟ هل دخلوا كتجار؟ هل هناك شركات تعمل أمريكية وهي التي تستولي على نسبة كبيرة من بترول اليمن، لكن أن يدخل جنود أمريكيون ويحتلون مواقع، يصيح الناس جميعاً: أين الدولة؟ من الذي سمح لهم؟ أين هو الجيش الذي ينهك اقتصاد هذا الشعب بنفقاته الباهظة؟“.
ويضيف: “لنفترض أن يكون دخول الأمريكيين تحت مبرر مساعدة الدولة في مكافحة الإرهاب الذي سيقال لنا بأننا عانينا منه كثيراً، فيتجمع الأجانب في بلدنا، وبلدنا موقعه مهم، وبلدنا لا تزال ثرواته مخزونة في باطن الأرض، هو لا يزال شعباً بكراً، وهذا هو ما اتهمت به أمريكا في محاولة دخولها إلى أفغانستان بأعداد كبيرة أنه بلد فيه الكثير من الثروات التي لا تزال لم تستغل بعد، وحينئذ سينهبون ثرواتنا، وحينئذ سيهينوننا، وحينئذ سيستذلوننا، وحينها ستصبح دولتنا أيضاً تحت رحمتهم، ويصبح علي عبد الله كعرفات أيضاً“.
وسببت معارضة السيد الحوثي للوجود الأمريكي انزعاجاً لنظام الرئيس علي عبد الله صالح، والإدارة الأمريكية، فدخل النظام في حرب مباشرة معه، متهماً إياه “بالتمرد” على الدولة، لكن السيد حسين بدر الدين الحوثي وفي تصريحاته لبعض وسائل الإعلام مثل (إذاعة بي بي سي، والجزيرة نت، وصحيفة الشورى) أكد أن الحرب عليه كانت برغبة أمريكية، وهو ما أكده كذلك الرئيس علي عبد الله صالح بحسب وثائق ويكلكس، حيث قال: (إن الحرب التي نخوضها هي حرب تخاض نيابة عن الولايات المتحدة.. الحوثيون هم أعداؤكم أيضاً).
تفاصيل الهروب
استمر الوضع كما هو عليه من التحكم والهيمنة الأمريكية على اليمن، حتى جاءت ثورة 21 سبتمبر 2014م، والتي كان شباب الثورة فيها يرددون هتاف [الموت لأمريكا]، بوعي كبير، مؤمنين أن مشاكل اليمن وأحزانه وأوجاعه سببها الأمريكيون.
استشعر الأمريكي الخطر من الثورة اليمنية الجديدة، وفقد معها كل سطوته وجبروته، ولم يعد قادراً على التحكم والسيطرة على الشأن اليمني، كما كان في عهد الأنظمة السابقة، فالثورة الجديدة لا تقبل بالأمريكي، ولا ترغب فيه، وأمام هذا المشهد فضل الأمريكي المغادرة، لكن بطريقة مذلة تؤكد على فشل مشروعه الكبير في اليمن.
في 8 و9 فبراير 2015، شوهدت أعمدة الدخان تتصاعد من جوار السفارة الأمريكية بصنعاء، اتضح أن الدخان كان ينبعث من فرن يجري فيه إحراق وإتلاف للوثائق والملفات الأرشيفية للسي آي إيه الموجودة في السفارة.
وفي 11 فبراير 2015م غادر آخر جندي أمريكي العاصمة صنعاء في موكب السفير الأمريكي ماثيو تولر، ومعه من تبقى من جنود وضباط المارينز، وعناصر السي آي إيه، على متن حوالي 40 سيارة مدرعة من السفارة باتجاه مطار صنعاء الدولي.
ولدى وصول المارينز والمخابرات الأمريكية حاول جنود المارينز الخروج بأسلحتهم، لكن أمن المطار أصر على أن يغادروا وفقاً للقواعد الدبلوماسية، وبدون أسلحة، فقام الأمريكيون بتحطيم أسلحتهم الشخصية وتكسيرها في محيط المطار، وقد صرح البنتاغون حينها بأن الجنود قاموا بتكسير أسلحتهم بالمطارق.
ومنذ ذلك التاريخ واليمنيون يتنفسون الصعداء، وهم يديرون شؤونهم لحالهم دون تدخل أجنبي، وينعمون بالحرية والاستقلال، تحت راية قائدهم السيد عبد الملك الحوثي، وفي المقابل يقاومون بكل عنفوان وصلابة الأطماع الأمريكية والخليجية التي تحاول الرجوع إلى صنعاء للهيمنة من جديد، غير أن أحلام الاستكبار تتبخر وتتلاشى من عام إلى آخر، وها قد وصلنا إلى العام العاشر لخروج المارينز من صنعاء دون أن يتمكنوا من تحقيق أي انجاز على الأرض، وبفعل هذا الخيبة للأمريكيين بات اليمن قوة لها صوتها المسموع والمميز في المنطقة.
