دوليات

الحرب التجارية بين الشركاء.. قرارات ترامب تهدد العلاقات الأمريكية الأوروبية

بقلم ابتسام الشامي

على أن الحرب المعلنة على عدد من الدول لا تقتصر على تلك المنافسة أو غير الصديقة وفق التصنيف الأمريكي، وإنما تطال تداعياتها الدول الحليفة أيضاً، لاسيما دول الاتحاد الأوروبي.

ترامب يمس بمصالح الأوروبيين

بعد أيام قليلة على أوامره التنفيذية برفع الرسوم الجمركية على الواردات من الصين والمكسيك وكندا، أصدر الرئيس الأمريكي دونالد ترامب أن دول الاتحاد الأوروبي أمر آخر يتعلق برفع الرسوم الجمركية بنسبة 25٪ على واردات البلاد من الصلب والألمنيوم، في قرار انطوى على رسالة سياسية بأن حربه التجارية المعلنة تحت شعار أمريكا أولاً، لن تستثني أحداً، حتى وإن هدّدت تأثيراتها علاقات الولايات المتحدة الأمريكية بأوثق حلفائها. وهو إذ أبدى استياءه من اختلال الميزان التجاري لبلاده مع تلك الدول، فإنه شدد على عدم وجود استثناءات في سياق هذه الاستراتيجية، قائلاً إن الرسوم الجمركية على الصلب والألومنيوم ستشمل الجميع، وإن أي صلب يدخل إلى الولايات المتحدة سوف يخضع لرسوم جمركية بنسبة 25٪”.

قرار ترامب الذي يؤثر بشكل مباشر في الاتحاد الأوروبي، يشكل ترجمة عملية لاستراتيجية الإدارة الأمريكية الحالية المرتكزة إلى شعار أمريكا أولاً، بما يعني وضع المصالح الأمريكية فوق أي اعتبار لحسابات سياسية أخرى، كانت منظورة في سياسات أسلافه في البيت الأبيض، ومنها العلاقة مع الحلفاء. وهو في ولايته الأولى عمد إلى تحطيم عدد منها، سواء برفع الرسوم الجمركية على عدد من السلع الواردة إلى بلاده بمعزل عن مصادرها وما إذا كانت من دول منافسة أو صديقة، أو بتهديد العلاقات القائمة مع الدول الأوروبية ومؤسساتها، بما في ذلك حلف شمال الأطلسي، متهماً إياها باستغلال علاقاتها بواشنطن لتحقيق مصالحها الخاصة.

ردود الفعل الأوروبية

عملياً يواصل ترامب من خلال أوامره التنفيذية الأخيرة ما كان قد بدأه في ولايته الأولى، من دون الأخذ في الاعتبار تأثيراتها في علاقات بلاده مع الشركاء الأوروبيين، الذين دفعتهم إجراءات الرئيس الأمريكي إلى رفض القرار، والاستنفار لمواجهة هذا التحدي الجديد. وفي هذا السياق، قالت رئيسة الاتحاد الأوروبي أورسولا فون دير لاين إن الرسوم الجمركية الأمريكية “غير المبررة” لن تمر من دون رد متوعدة بالرد عليها “بإجراءات مضادة حازمة ومتناسبة”، وإذ لفتت إلى أن الاتحاد الأوروبي سوف يتحرك لحماية مصالحه الاقتصادية، أكدت “سنحمي عمالنا وشركاتنا ومستهلكينا”.

الرفض العام الذي عبرت عن رئيسة الاتحاد الأوروبي، ترجمه المسؤولون الأوروبيون كل على حدة، مع ملاحظة تأكيد على الإجراءات الأمريكية بما يتناسب وحماية مصالح الدول الأوروبية، وبحسب المستشار الألماني أولاف شولتز فإن الولايات المتحدة “إذا لم تترك لنا أي خيار، فإن الاتحاد الأوروبي سيرد موحداً”، مضيفاً في كلمة أمام البرلمان أن “الحروب التجارية تؤدي في نهاية المطاف دائماً إلى تكلفة الرخاء لكلا الجانبين”.

وهو ما أكد عليه أيضاً ماروس سيفكوفيتش، المفوض التجاري في الاتحاد الأوروبي، معتبراً أن سيناريو الحرب التجارية “خاسر للجميع”، وحذّر من أن الرسوم الجمركية “ستكون مضادة للإنتاجية اقتصادياً”. وأمام البرلمان الأوروبي في ستراسبورغ قال المسؤول الأوروبي: “من خلال فرض الرسوم الجمركية، فإن الولايات المتحدة ستفرض الضرائب على مواطنيها، وتزيد من تكاليف أعمالها وتزيد من التضخم”.

وفي قراءته للتداعيات المتوقعة للحرب التجارية، قال الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في مقابلة مع شبكة CNN الأمريكية، إن “الرسوم الجمركية على السلع الأوروبية ستعني ارتفاع الأسعار بالنسبة للأمريكيين”.

بدوره وزير الخارجية الفرنسية جان نويل بارو وجه تحذيراً مبطناً من توجه الأوروبيين إلى شركاء جدد، لافتاً إلى أن أوروبا تعمل منذ سنوات على تنويع شركائها التجاريين، وإن هذه العملية سوف تتسارع بسبب فرض واشنطن للقيود الجديدة. وإذ نوّه بأن ترامب فرض خلال ولايته السابقة رسوماً جمركية طالت دول الاتحاد الأوروبي، ذكّر بالرد عليها آنذاك، قبل أن يؤكد “سنرد الآن مرة أخرى”، مضيفاً أن القرار سيكون بيد بروكسل.

وفي سياق متصل قال وزير الصناعة الفرنسي مارك فيراتشي إن أوروبا يجب أن ترد بحزم واتحاد على إعلان ترامب الأخير بشأن الرسوم الجمركية.

الحرب التجارية بعيون الإعلام الغربي

رفع الصوت الأوروبي رفضاً للرسوم الجمركية وتحذيراً من تداعياتها، يعكس جانباً من حجم الضرر الذي يصيب الاقتصاد الأوروبي بالنظر إلى حجم الصادرات الأوروبية إلى أمريكا. حيث تشير التقديرات الرسمية إلى أن ربع صادرات الصلب الأوروبية تذهب إلى الولايات المتحدة، علماً أن الأخيرة استوردت خلال العام الماضي، أكثر من 26 مليون طن من الصلب، من مصادر متعددة، كانت الحصة الأكبر في أوروبا من نصيب ألمانيا التي حلت في المرتبة السابعة بـ 975.900 طن.

ولاقى قرار رفع الرسوم الجمركية الذي سيدخل حيز التنفيذ في الثاني عشر من آذار المقبل، اهتماماً واسعاً في الإعلام الغربي، من زاوية تحليل النتائج وقراءات التداعيات. وفي هذا السياق يوضح أولي رين، محافظ البنك المركزي في فنلندا وعضو مجلس إدارة البنك المركزي الأوروبي، في مقابلة مع “فايننشال تايمز البريطانية، أن “صراعاً تجارياً بين الحلفاء، بينما تدور حرب وحشية في أوكرانيا، هو آخر ما تحتاج إليه القارة، ولكن استهداف الاتحاد الأوروبي بالتعرفات سيكون ضاراً، ولا يمكننا ببساطة الاستلقاء وانتظار التهديدات الأمريكية حتى ولو كانت نيراناً صديقة”.

وتحت عنوان “أوروبا في موقف دفاعي ضد ترامب” ينقل تقرير لصحيفة لودفوار الفرنسية عن رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين أن “النظام العالمي التعاوني الذي تخيلناه من قبل لم يتحول إلى حقيقة، وعلى العكس من ذلك دخلنا حقبة جديدة من المنافسة الجيو/استراتيجية الشرسة”.

وبحسب التقرير الذي أعده الباحث السياسي كريستيان ريو أن نية ترامب تجاه أوروبا كانت واضحة، فمباشرة بعد تنصيبه خاطب الزعماء الأوروبيين المجتمعين بمنتدى دافوس العالمي بسويسرا عبر تقنية الفيديو قائلاً “أنا أحب بلدان أوروبا، ولكن الأمور معقدة للغاية”.

ونقل ريو عن كبير خبراء الاقتصاد في وكالة فيتش للتصنيف الائتماني براين كولتون أن ترامب “لا يخادع وهو جاد في تهديداته لأوروبا بزيادة الرسوم الجمركية بنسبة 10% أو 20%، وهي الزيادة التي ستكلف أوروبا 1% من ناتجها المحلي الإجمالي، كما ستواجه أوروبا مشكلة أخرى تتعلق بالصين التي قد تُغرق السوق الأوروبية بمنتجاتها في مواجهة الحواجز الجمركية الأمريكية”.

ويؤكد تقرير صحيفة لوديفوار أنه من سبل المواجهة ما لوّحت به رئيسة المفوضية من إمكانية أن تولي أوروبا وجهها شطر الصين، إذ صرحت بالقول “لقد حان الوقت لإعادة التوازن إلى علاقاتنا مع الصين بروح من الإنصاف والمعاملة بالمثل”.

أما صحيفة لوموند الفرنسية، فقد لفتت بدورها إلى اقتراح رئيسة لجنة الشؤون الاقتصادية في البرلمان الأوروبي أورور لالوك والمتمثل في فرض الضرائب على الشركات الأمريكية: غوغل، وآبل، وفيسبوك، وأمازون، ومايكروسوفت.

وفي مقابل الآراء السابقة تنشر صحيفة بوليتيكو تقريراً تعرض فيه دوافع ترامب وراء رفع الرسوم الجمركية، وتشير إلى “أن أكثر ما يثير سخط ترامب على أوروبا هو مشاهد السيارات الألمانية وهي تتحرك في شوارع مانهاتن، في حين تتكدس المركبات الأمريكية في المصانع من دون مشترين من الأوروبيين”. ويؤكد التقرير الذي أعده أساتذة في الاقتصاد، أن “هناك بالفعل خللاً كبيراً في الميزان التجاري بين الولايات المتحدة وأوروبا لمصلحة أوروبا، فعلى سبيل المثال من المتوقع أن يتجاوز الفائض التجاري لعام 2024 لألمانيا وحدها مع الولايات المتحدة 67 مليار دولار”.

وشرح الباحثون الاقتصاديون، أن الفائض التجاري ناتج عن الطلب الضعيف على الواردات الأمريكية في أوروبا مقابل طلب مرتفع على الواردات الأوروبية في الولايات المتحدة. “ففي أوروبا يضغط انخفاض الأجور على الطلب الخاص، وتضغط مجموعة من الإجراءات يفرضها الاتحاد الأوروبي على الطلب العام، ما يقيد الاقتراض الحكومي”. واعتبر التقرير أن الحرب التجارية بين أوروبا والولايات المتحدة تبدو وشيكة بعد أن أعلن ترامب أن الاتحاد الأوروبي هو التالي في القائمة بعد فرض الرسوم الجمركية على المكسيك وكندا والصين.

خاتمة

يفتتح الرئيس الأمريكي عهده بحرب تجارية تطال الأعداء والأصدقاء على حد سواء، وسط تحذيرات من أن شعار أمريكا أولاً الذي يظلل حرب ترامب التجارية من شأنه أن يؤدي إلى تداعيات سلبية على الولايات المتحدة الأمريكية نفسها، ليس على المستوى الاقتصادي فحسب وإنما السياسي أيضاً، مع دفع الحرب التجارية الشركاء الأوروبيين إلى الأحضان الصينية.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *