نخلةُ البلاد.. البلاد التي مزّقتني
بقلم غسان عبد الله
مثقلٌ شجرُ الصبرِ بالانتظار الملحِّ وبالشوقِ يسري عصيراً
يبرعمُ أحزاننا في الغصونِ الطّريةِ
نخلةُ هذي البلاد تطولُ وتطول.. وتُثمِرُ نوعاً من الرُّطب
يأكُلُنا قبلَ أن نتذوّقَ موسمَه
نخلةُ الجرح تعلو هامَنا ويلاطمنا السّعفُ المتشقِّق
نشربُ هذا العذاب المعتّق من خمرِ أشجاننا.. ويغافلنا الرمل يشرخ أحلامنا..
فالمرايا مكسّرةٌ والوجوهُ تداخَلُ في بعضها والطريقُ طريقانِ والدمُ خمرُ..
وكأسي من الحزن مترعةٌ ومن الدمعِ مترعةٌ ومن الخوفِ مترعةْ..
والكؤوسُ تفيض دماً فاشربوها هنيئاً مريئاً..
ستمضي الليالي ولن تجدوا نشوةً.. وستمضي الصباحات قبل توهّجكم..
فاشربوا في الجماجمِ هذا الدمَ الخمرَ
لن تسكروا قبل أن تتشكّلَ في القَدحِ الفتنةُ القائمةْ..
سورةُ العشقِ تأخذُني لمرافئَ بكر.. تتوهّجُني في مدائنَ تختزنُ الحبَّ..
تنشرني في البحارِ التي تقهرُ الخوف..
ترسُمُني نجمةً في سماءِ البلادِ التي أتحرَّقُ شوقاً إليها..
البلادُ التي مزّقتني وأجمعها من شتاتي..
التي أفقرتني وأحفظها في سواد عيوني وهي في القلب تكبر..
أسهر حتى تنام وأعطش كي ترتوي.. أتهجّى هواها حروفاً وأرقبها حلماً..
وهي البحرُ مازجني ماؤها وأنا حين تولَدُ موجتُها العارمة..
نبّأتني طيورُ المدينةِ أن العواصفَ قادمة..
وخيامَ العشيرةِ تحشدُ أثقالها.. وأنا مثقل بالهموم تشاطرني الحبَّ أوزارُها..
وأراها تدقُّ البيوتَ وتدخل باباً فباباً وألمحُ في وجهها الغدرَ..
لا تنكروا قلقي فأنا المتشائلُ في زمنٍ حائر..
وأنا المتلبّس بالحزنِ واسمي في أول القائمة..
شاعرٌ ليس لي غيرُ نخلةِ هذي البلاد أجوع فتعرى وأبكي فتُسْقِط أوراقها وتجفّ
أنا الجرحُ في جَذْعها يتفتّحُ.. حين أراها أوزّع أغصانها للرياح
أنا السيفُ حين أراها تُجَزّئُ أنفاسها وتجزئُ فيّ.. فأكون طعاماً لمجزرةٍ قادمة..
وطني والهوى توأمان.. وطني قلعةُ الفاسدين البغاة..
أهي الحلم أم أنها قد كَبَت؟.. أهي البحرُ أم أنها سلّمت نفسها للفساد؟..
وطني والأساطيرُ من منبعٍ واحدٍ.. تتخفّى لتبدو.. وتبدو لتصبح سراً..
تحوطني بالبخور يدوِّخني عطرُها وأراها امتداداً لحلمي القديم..
أراها تهيل التراب على موتها.. تنهضُ الآن ثانية من حنايا الرماد..
هي السيفُ لا بدّ للسيفِ من نَبْوَة.. وهي المهرُ لا بد للمهرِ من كبوة..
وأنا أعشقُ المدنَ الحلمَ ولا زلتُ أحسبُها طفلتي..
أذوب هوى في وداعتها وأعانق شطآنها الحالمة.. فيا جذعها لا تلنْ.