زمن التخلي الأمريكي عن أوكرانيا ترامب: زيلينسكي ديكتاتور فاقد للشعبية
بقلم ابتسام الشامي
رفعت انتقادات الرئيس الأمريكي لنظيره الأوكراني مؤشرات القلق في كييف والعواصم الأوروبية، وبعدما تعهد دونالد ترامب بإيقاف الحرب في أوكرانيا..
يبدو أنه بدأ الخطوات العملية، عبر صياغة تفاهمات مع روسيا، يخشى الرئيس الأوكراني ومعه حلفاؤه الأوروبيون من أن تكون على حسابهم.
ترامب ينتقد زيلينسكي
يوحي أداء الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بعد قرابة شهر على دخوله البيت الأبيض بأنه ماض في وضع حد للحرب في أوكرانيا وفق ما تعهد به خلال حملته الانتخابية. ولئن حافظ خلال خطابه السياسي آنذاك على قدر من الدبلوماسية بالدعوة إلى “صفقة عادلة للجميع” للحرب التي “لم يكن ينبغي أن تحدث أبداً”، وفق تعبيره، فإن تصريحات ترامب عن الصراع في أوكرانيا بما هو “أحجية معقدة” باتت أكثر وضوحاً، وأكثر إثارة للقلق، لكييف والعواصم الأوروبية التي انخرطت في الحرب ضد روسيا، قبل أن تنقلب واشنطن عليها وتتركها مكشوفة في منتصف الطريق لتداعيات الحرب وآثارها الكارثية على مستقبلها واقتصاداتها.
مؤشرات التخلي الأمريكي عن أوكرانيا و”الحلفاء” الأوروبيين بدأت إرهاصاتها خلال حملة ترامب الانتخابية، وتواصلت خلال الشهر الأول من ولايته الثانية، وكان أكثرها وضوحاً في الانتقادات التي وجهها الرئيس الأمريكي لنظيره الأوكراني فلودمير زيلينسكي مؤخراً، واصفاً إياه بالديكتاتور. وفي حساباته على مواقع التواصل الاجتماعي كتب ترامب، بأن زيلينسكي لا يحظى بشعبية وقال “أكره أن أقول ذلك، لكن نسبة تأييده انخفضت إلى 4 في المئة”. وإذ انتقد عدم تنظيم الانتخابات أكد “اختلاس” جزء من المساعدات الأمريكية. أما في ما يتعلق بالحرب، فقد خاطب الرئيس الأمريكي نظيره الأوكراني، “ما كان ينبغي لك أن تبدأها أبداً”.
الموجة الثانية من هجمات ترامب ضد زيلينسكي، جاءت في أعقاب اتهام الأخير له بالعيش “في مساحة من التضليل” الروسي، وذلك في أعقاب ما بدا أنها مرحلة جديدة من العلاقات الروسية الأمريكية، في ضوء لقاء مسؤولين أمريكيين بوفد روسي في الرياض لبدء محادثات لإنهاء الصراع الذي استمر ما يقرب من ثلاث سنوات، حيث اتفق الجانبان على تعيين فرق تفاوض لإطلاق مسار إنهاء الحرب في أوكرانيا، وفق ما أعلنته المتحدثة باسم وزارة الخارجية الأمريكية، تامي بروس، بعد انتهاء اللقاء بين وزير الخارجية الأمريكي ماركو روبيو ونظيره الروسي سيرغي لافروف في الرياض.
وفي ما يشير إلى تقدم في مسار عودة العلاقات الدبلوماسية بين البلدين، اعتبر روبيو أن “هناك فرصاً استثنائية للشراكة مع موسكو، والمفتاح لتلك الفرص هو إنهاء هذا الصراع” مع أوكرانيا، مشيراً إلى أن هذا الأمر سيتطلب تنازلات من جميع الأطراف. وأوضح روبيو، للصحافيين عقب الاجتماع، أن واشنطن تريد “إنهاء الصراع الأوكراني بشكل دائم وليس مؤقتاً” مشيراً إلى أن على الاتحاد الأوروبي “الانخراط في المفاوضات في مرحلة لاحقة”.
بدوره، وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، أشار إلى أن الوفدين أبديا “اهتماماً كبيراً بإزالة الحواجز المصطنعة التي تعوق تطوير التعاون الاقتصادي ذي المنفعة المتبادلة”، وفي كلام ينطوي على رسالة مهمة بشأن مصير الحرب في أوكرانيا، قال رأس الدبلوماسية الروسية، إن واشنطن باتت “تفهم موقفنا بشكل أفضل”. كاشفاً تأكيده لنظيره الأمريكي موقف بلاده الرافض لانتشار أي قوات تابعة لدول حلف شمال الأطلسي في أوكرانيا، وأن اللقاء أفضى إلى الاتفاق على التعيين السريع للسفراء لدى البلدين.
زيلينسكي ممتعض
أصداء انتقادات الرئيس الأمريكي، وكذلك النتائج “الإيجابية” للقاء الروسي الأمريكي، وصلت إلى مسامع الرئيس الأوكراني خلال زيارته إلى تركيا، واذ ابدى امتعاضه منها، فإنه انتقد عدم ضم كييف إلى المحادثات الثنائية. وقال زيلينسكي، من أنقرة حيث استقبله الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، إن المحادثات “تجري بين ممثلين لروسيا وممثلين للولايات المتحدة، بشأن أوكرانيا، بشأن أوكرانيا مجدداً، ومن دون أوكرانيا”، معتبراً أنه “يجب أن تشارك أوكرانيا وأوروبا بالمعنى الواسع، وهذا يشمل الاتحاد الأوروبي وتركيا وبريطانيا، في المحادثات، وتطوير الضمانات الأمنية اللازمة مع أمريكا في ما يتعلق بمصير جزئنا من العالم”.
أما الرئيس التركي، الذي يسعى إلى أن تكون بلاده جزءاً من شركاء الحل السياسي للقضايا المعقدة إقليمياً وعالمياً، فقد سارع إلى الترحيب بأن تنعقد جولة المفاوضات التالية على الأراضي التركية. وقال إن بلاده “ستكون مُضيفاً مثالياً لمحادثات محتملة بين روسيا وأوكرانيا والولايات المتحدة في المستقبل القريب”. وإذ أشار إلى إطلاق الرئيس الأمريكي “مبادرة دبلوماسية لوضع حد سريع للحرب عبر التفاوض”، أكد أردوغان أن “هذه المقاربة تتقاطع مع السياسة التي تنتهجها تركيا منذ ثلاثة أعوام”.
ترامب يبيع أوكرانيا
انتقادات ترامب اللاذعة للرئيس الأوكراني المترافقة مع فتح مسار إنهاء الحرب الأوكرانية وعودة العلاقات الأمريكية الروسية الأمريكية، أحدثت عاصفة في الأوساط السياسية والإعلامية الغربية، وخرجت كبريات الصحف الأوروبية باستنتاج مفاده أن الرئيس الأمريكي الجديد في صدد بيع أوكرانيا. وفي هذا السياق، نشرت صحيفة دايلي ميل البريطانية، افتتاحيتها يوم الخميس الماضي تحت عنوان “بيع أوكرانيا يعتبر مكافأة للطغيان”. وقالت الصحيفة إن ما كان مقرراً بأن يكون محاولة لإيجاد حل للأزمة الأوكرانية، انحدر ليصبح “سلوكاً غريباً وخطيراً من إلقاء اللوم على الضحية”. وأضافت الصحيفة “مع كل تصريح جديد للرئيس ترامب، تبدو رغبته أكثر وضوحاً في فرض تسوية سلام بالقوة، من دون أي اعتبار للثمن الذي ستدفعه أوكرانيا أو لاعتراضات الأعضاء في حلف شمال الأطلسي الناتو”.
وبحسب الصحيفة البريطانية، فإن ترامب “يبدو مستعداً للتنازل عن مساحات شاسعة من الأرض لروسيا، بل ويطالب بما قيمته 400 مليار جنيه إسترليني من الثروة المعدنية في أوكرانيا، مقابل ما حصلت عليه الأخيرة من سلاح أمريكي”، مشيرة إلى أن “ترامب يتصرف كعاهل إمبراطوري أكثر منه زعيماً للعالم الحرّ”. وقالت صحيفة دايلي ميل إن تصريحات ترامب الهجومية على زيلينسكي هي “موسيقى تنساب إلى آذان المعتدي الحقيقي، فلاديمير بوتين، الذي تحول في غضون أسابيع معدودة من رئيس دولة مارقة إلى طرف على طاولة الدبلوماسية الدولية”. وحذرت الصحيفة من أن “هذا التقارب بين ترامب وبوتين حري بأن يدق ناقوس الخطر ليس في أوكرانيا فحسب، ولكن في عموم أوروبا، فإذا ما سُمح لبوتين بتحقيق انتصار في أوكرانيا، فسرعان ما سيواصل الزحف لاحقاً”. وخلصت دايلي ميل إلى القول إنه “منذ منتصف حقبة الأربعينيات من القرن الماضي، تعتمد الديمقراطيات الأوروبية على أمريكا لضمان أمنها. ولكن يبدو من الآن فصاعداً، أن على هذه الدول أن تتعلم كيف تعتمد على نفسها”.
وتحت عنوان “ترامب يميل إلى بيع أوكرانيا”، كتبت صحيفة وول ستريت جورنال الأمريكية، أن الرئيس الأمريكي يمارس ضغوطاً على أوكرانيا من أجل التوصل إلى صفقة مع روسيا أكثر مما يفعل مع الأخيرة. مشيرة إلى أن أحد التحديات في عصر ترامب تتمثل في معرفة ما إذا كان يبتغي بتصريحاته تلك لفت الأنظار أو أنه يريد بالفعل إحداث تغيير حقيقي في السياسة والأولويات. ورأت الصحيفة أن تصريحات ترامب الأخيرة بشأن أوكرانيا ربما تكون نذيراً بتسوية سيئة في المستقبل. ورأت وول ستريت جورنال، أن مثل هذا الاتفاق يرقى إلى درجة “التخلي عن أوكرانيا” وهو يمثل ضربة للنفوذ الأمريكي سيتردد صداها في منطقة المحيط الهادئ ومنطقة الشرق الأوسط.
خاتمة
في خلاصة تجربته مع الولايات المتحدة الأمريكية، قال الرئيس المصري الراحل حسني مبارك، “المتغطي بالأمريكان عريان”، ربما يتذكر زيلينسكي هذه المقولة جيداً، وهو يواجه مصيراً مشابهاً لمصير الكثير من نظرائه على امتداد العالم، من الذين راهنوا على واشنطن واحتموا بها في مواجهة شعوبهم، قبل أن تنقلب عليهم وتتركهم عند مفارق مصالحها.