دوليات

الصين في مواجهة التحديات.. تعزيز النمو الاقتصادي ورفع الإنفاق العسكري

بقلم ابتسام الشامي

لا يعتمد استراتيجية خفض التصعيد على خط واشنطن بكين، ومن الحرب التجارية إلى العسكرية إن لزم الأمر، تتخذ الأخيرة قرار المواجهة مهما بلغت التحديات.

فاعلية الدورتين

يواصل الرئيس الأمريكي دونالد ترامب رفع مستوى التصعيد الممنهج في العلاقة مع الصين، ضمن استراتيجية تهدف إلى عزل البلاد الآسيوية والحد من تمادي نفوذها العالمي، الذي ترى فيه الولايات المتحدة الأمريكية تهديداً لمكانتها. وعلى وقع المخاطر الكامنة في استراتيجية البيت الأبيض اجتمع صنّاع القرار في بكين للتباحث في واقع البلاد وسبل التعامل مع التحديات المقبلة. وخيمت على الحدث السياسي السنوي الأبرز في الصين المعروف باسم فعاليات الدورتين، ظلال الحرب التجارية الأمريكية المعبرة عن نفسها برفع إدارة ترامب الرسوم الجمركية على الواردات الصينية بنسبة 25٪، وفي إطار المواجهة وما تنطوي عليه من مخاطر اقتصادية وسياسية، لم تقرر القيادة الصينية البقاء في خطوط الدفاع التقليدية وإنما الارتقاء إلى مستويات أعلى في الاستراتيجية الدفاعية، وصلت إلى حد إعلان المجتمعين الاستعداد لمواجهة كل التحديات بما فيها العسكرية، واتخاذ ما يلزم من إجراءات في سبيل ذلك.

وفي “قاعة الشعب الكبرى” حيث اجتمعت الهيئة التشريعية الأعلى في البلاد المعروفة باسم المجلس الوطني لنواب الشعب الصيني، والتي تضم نحو ثلاثة آلاف عضو، حدد رئيس الوزراء لي تشيانغ، هدف البلاد للنمو الاقتصادي عند 5% لعام 2025 عبر زيادة نمو الناتج المحلي في سبيل مواجهة التحديات الاقتصادية والتجارية التي قد تعترضها خلال العام الجاري. معلناً أن الأولوية الاقتصادية الكبرى لهذا العام ستكون تعزيز الاستهلاك المحلي ليصبح المحرك الرئيسي للنمو الاقتصادي. وإذ أكد ضمان رفاهية الشعب الصيني، تعهد بأن تركز “السياسات المحلية بشكل أكبر على تحسين جودة التعليم، وتحسين كفاءة الخدمات الطبية، وتعزيز الجوانب المختلفة لسبل عيش الناس”.

رئيس الوزراء الصيني الذي قدم جردة حساب بأعمال حكومته مفتخراً بما أنجزته وما حققته من أهداف العام الماضي، لم يتنكر للتحديات الكبرى التي تواجه بلاده سواء على المستوى المحلي أو الدولي. مشيراً في تقريره السنوي، إلى “تسارع وتيرة التغيرات التي لم يشهد مثلها العالم منذ قرن، حيث تزداد البنية الخارجية تعقيداً وخطراً، ما يتسبب بحدوث صدمات أكبر لقطاعات التجارة والعلوم والتكنولوجيا ومجالات أخرى في بلادنا”، مع تفاقم مخاطر الحمائية التجارية، وازدياد الحواجز الجمركية وما لذلك من تأثيرات واضحة في سلال الصناعة والتوريد. ولا يمكن فصل التعقيدات الاقتصادية عن تلك السياسية، حيث لا تزال عناصر التوتر الجيوسياسي كثيرة نسبيا بحسب المسؤول الصيني، ما يؤثر سلبا في السوق الدولية.

وفي تقريره عن أعمال الحكومة، عكس رئيس الوزراء مستويات التحديات التي تتوقعها الصين وطبيعة مواجهتها وفي مقدمها التحديات العسكرية، معلناً أنها تعتزم زيادة إنفاقها العسكري بنسبة 7.2% العام المقبل، لترتفع بذلك ميزانية الدفاع إلى 1.78 تريليون يوان، أي ما يعادل 245 مليار دولار.

مواجهة كافة التحديات

وفي خطوة تنطوي على رسالة بشأن اهتمام الصين بهذا التحدي، وقرارها الحاسم بمواجهته، أعادت السفارة الصينية في واشنطن عبر حسابها الرسمي على منصة X نشر القرارات المتخذة بشأن المواجهة والانفاق العسكري، مؤكدة استعداد الصين خوض أي حرب تريدها الولايات المتحدة “إذا كانت الحرب هي ما تريده الولايات المتحدة، سواء كانت حرب رسوم جمركية أو حرب تجارية أو أي نوع آخر من الحروب، فنحن مستعدون للقتال حتى النهاية”.

وفي سياق متصل برفع مستوى التحذير من الحسابات الخاطئة في تقدير موقف بكين من التعامل مع التحديات، رأى المتحدث باسم وزارة الخارجية الصينية، لين جيان، أن زيادة الضغط على بلاده يعكس حسابات خاطئة. ونصح المسؤول الصيني الولايات المتحدة بالتخلي عن وجهها المتنمر والعودة إلى المسار الصحيح للحوار والتعاون في أقرب وقت ممكن.

وعلى الرغم من التحديات التي تحدث عنها رئيس الوزراء، إلا أن الصين نجحت في تجاوز الكثير من العقبات الماثلة أمام تطورها الاقتصادي والتكنولوجي، وهو ما تقر به الولايات المتحدة الأمريكية نفسها، ويعكسها إعلامها. وفي هذا السياق تشير صحيفة واشنطن بوست، إلى أن العام الحالي شهد انطلاقة قوية للصين بقيادة الرئيس شي جين بينغ، توازياً مع عودة دونالد ترامب إلى البيت الأبيض وتلويحه بحرب تجارية ثانية. وذكّرت الصحيفة الأمريكية أن شهر كانون الثاني شهد “إصداراً مفاجئاً لروبوت الدردشة من إنتاج شركة ديب سيك” وذلك في سباق الذكاء الاصطناعي بين الصين والولايات المتحدة. كما أن بكين “تصدت بحزم، لتعريفات ترامب الجمركية، ورفضت التنازل له، كما تجاهلت أيضاً محاولاته السابقة لتطويق موسكو”، التي بنت معها شراكة وثيقة. أما صحيفة وول ستريت جورنال، فقد رأت أن التقدم في مجال الذكاء الاصطناعي في الصين عزز الثقة في أن “القدرات التقنية للبلاد ستساعد في دعم النمو الاقتصادي الطويل الأجل”.

خاتمة

في التعامل مع التحديات اختارت الصين المواجهة، آخذة في الاعتبار إصرار الولايات المتحدة الأمريكية على تقويض حضورها الدولي، وتوسع نفوذها العالمي. وهي إذ تثبت ركائزها الاقتصادية، فإنها بالتوازي، تعزز بنيانها العسكري ربطاً بما قد يفرض عليها، ولعل المقبل من الأيام من شأنه أن يكشف المزيد حول طبيعة المواجهة وميادينها.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *