خطة الفقاعات لضم “غزة” إلى المستوطنات
بقلم زينب عدنان زراقط
إحياءً لخطة الأصابع الخمس في تقسيم غزة، كان “موراج” آخر المحاور. “نتنياهو” يقسّم “غزة” إلى فواصل على شاكلة “فقاعاتٍ خمس” كُل يُضم للمستوطنة المحاذية له وتصبح تحت قبضة الجيش الإسرائيلي، وتنتهي “غزة”…
في تطور جديد وخطير على خريطة العدوان الإسرائيلي، أعلن نتنياهو، بدء السيطرة على محور “موراج” جنوبي قطاع غزة، واصفاً إيّاه بمحور “فيلادلفيا الثاني”، في خطوة تهدف إلى قطع أوصال القطاع وفصل مدينتَي خان يونس ورفح. ويأتي هذا التقدم في ظل استكمال جيش الاحتلال حصار حي تل السلطان في رفح، وسط عمليات قصف وتمشيط مكثّفين.
فما هي خطة “نتنياهو” المستحدثة تحت مُسمّى “الفقاعات”؟ وما الذي سيحلّ بالفلسطينيين في قطاع “غزة” وما هو مصيرهم؟.
الفقاعات الخمس
تتكلم الصحف الإسرائيلية عن خطه بديله اسمها خطة الفقاعات التي هي تعديل لخطة قديمة اسمها الأصابع الخمس، والهدف منها تقسيم قطاع “غزة” لجُزُرٍ منعزلة كي تستطيع إسرائيل التحكّم عسكرياً بها، تقضي بإنشاء أربع مناطق منفصلة بخمسة حواجز.
1- الفاصل الأوّل يَضمّ قطاع غزة الشمالي – محور مفلاسيم – إلى مدينة “عسقلان”.
2- الفاصل الثاني يجمع ما بين محور – نتساريم – ومستوطنة “ناحل عوز”، يبدأ من شرق جباليا وينتهي عند البحر المتوسط في غرب بيت لاهيا.
3- الفاصل الثالث يضمُ – محور كيسوفيم -، وهو المحور الذي يفصل منطقه دير البلح والمخيمات الموجودة وسط القطاع عن مدينه خان يونس ومدينه رفح في الجنوب.
4- الفاصل الرابع يمتدّ ما بين خان يونس ورفح عن طريق صوفا وهو – محور موراج – الذي استُحدث منذ أيام.
5- الفاصل الخامس والأخير فهو يفصل ما بين مدينه رفح الفلسطينية والأراضي المصرية في سينا – محور فيلادلفيا -.
وهكذا تكون إسرائيل قد نجحت خلال الفترة التي مضت في تشييد وبناء وتجديد خمسة محاور: محور نتساريم ومحور مفلاسيم ومحور كيسوفيم ومحور فيلادلفيا وأخيراً محور موراج الذي أعلن نتنياهو احتلاله مطلع الشهر، وبالتالي تكون إسرائيل قد نجحت فعلياً في تنفيذ خطه الأصابع الخمسة والتي يتبقى لها كي تكتمل واحدة من اثنين، إما أن تنجح إسرائيل في تهجير سكان غزه لسيناء وبالتالي تحوّل كل غزة إلى مجموعة مستوطنات أو أنها تفشل في تنفيذ مخطط التهجير فتبني أيضاً المستوطنات ولكن حول كل مستوطنة تختار فسحة صغيرة فارغة لتجعله مخيماً معزولاً عن الآخر، وهكذا يعيش الفلسطينيون معزولون عن بعض.
الفلسطينيون الآن مسجونون في منطقه المواصي التي تدّعي إسرائيل كذباً أنها منطقه آمنة. إسرائيل قطعت القطاع من الشمال عند محور نتساريم ومن الجنوب عند محور موراج والـ 2 مليون فلسطيني يُحشرون مع بعض في منطقه المواصي التي لا تستوعب هذا العدد من الكثافة البشرية. وبالتالي إسرائيل تكون قد ضمنت أنها حاصرت وجوّعت الفلسطينيين، ولو لم تطلق عليهم النار ويبقى ذلك كفيلاً بإكراههم للعيش مكانهم في تلك المساحة الضيقة بدون أكل ولا شراب وبدون مأوى ولا خيام وبدون أي عنصر للحياة أو وسيلة تبقيهم على قيد الحياة، مجرّد دمار لا نهاية له، ما يُدخل الياس في نفوس الفلسطينيين لدرجة مطالبتهم بالتهجير الطوعي الذي بدوره يتيح لمصر باستقبال الفلسطينيين – وكأنَّ لا ذنب عليها، بل على العكس من ذلك، سيلعب السيسي دور المنقذ للشعب الفلسطيني الغريق -.
الشعب الفلسطيني والقضية الفلسطينية كلها بشكل عام تعيش أصعب لحظات تاريخها، فإما أن تحصل معجزة فيبقى الفلسطينيون في أرضهم أو أن إسرائيل تنجح في الضغط على الفلسطينيين للدرجة التي تجبرهم على الهجرة الطوعية تحت تأثير الحصار والجوع والقتل والدمار، حتى ولو كانت الهجرة هذه لبلاد أخرى غير مصر والأردن فتكون النتيجة انتهاء القضية الفلسطينية.
الانفجارات التي استخدمتها إسرائيل منذ استئنافها الحرب هي نوعان من الصواريخ الثقيلة، واحد اسمه سبايس 2000، إنتاج أمريكي وزن القنبلة فيه تقريباً طن، مزوده بنظام الجي بي أس زائد قدرته على التوجيه بنظام القصور الذاتي. والصاروخ الثاني اسمه مارك 84 صاروخ سبايس 2000 أيضاً مزود بنظام بحث كهروضوئي وكاميرا مثبته في رأس الصاروخ مع قدرته باتباع الأجسام المُموهة والمتحركة وعدم تأثره بأجهزة التشويش. وهذا ما نتج عن هذه الأسلحة المحرمة دولياً من تطاير للأجساد وتناثر للأشلاء واختفاء للجثث.
التواجد العسكري المصري على حدود سيناء
تزامن إعلان محور “موراج” مع تسريبات صحفية إسرائيلية عن تحرّك رسمي يقوده نتنياهو يطالب فيه القاهرة وواشنطن بتفكيك البنية العسكرية المصرية في سيناء، فقد نقلت صحيفة “إسرائيل هيوم” عن مسؤول أمني إسرائيلي قوله إنّ الوجود العسكري المصري المتزايد يُعدّ انتهاكاً كبيراً لاتفاقية كامب ديفيد، وإنّ “تل أبيب” تعتبره “غير مقبول”.
القلق الإسرائيلي لا يرتبط باللحظة الراهنة فقط، بل يستند إلى قراءة استراتيجية أوسع، تفترض أن أي بنية عسكرية كبيرة، حتى لو كانت تابعة لأنظمة عربية موقعة على اتفاقات سلام، قد تتحوّل لاحقاً إلى تهديد محتمل إذا تغيّرت الظروف السياسية، وهو ما يُفسّر السلوك الاستباقي الإسرائيلي تجاه ما حدث في سوريا، حين دُمرت مقدرات الجيش السوري قبل تحوّله إلى مصدر تهديد فعلي.
إلى ما يحدث في رفح، الذي لا يمكن فصله عن السياق الإقليمي الأوسع، فالتوسع الإسرائيلي في جنوبي قطاع غزة، ومحاولات فرض وقائع جديدة على الحدود مع مصر، يتزامن مع تصعيد متواصل في الجنوب اللبناني، وتحركات واسعة في الجبهة السورية، في مشهد يدل على بناء استراتيجية إسرائيلية متكاملة لتغيير قواعد الاشتباك، وإعادة رسم حدود النفوذ الإسرائيلي، ضمن سياسة توسعية تستند إلى ظرف إقليمي مفكك وغطاء أمريكي كامل.
ختاماً، في جوهر هذه الاستراتيجية، تلتقي الأبعاد الأمنية والعسكرية مع الحسابات السياسية. فـ “فيلادلفيا 2” ليس مجرد محور ميداني جديد، بل امتداد لرؤية أوسع تسعى إلى تغيير المشهد الحدودي والجغرافي والأمني في الإقليم بأسره ضمن خطة الفقاعات الخمس، التي تُعيد تعريف طبيعة الصراع وحدوده، تمهيداً لصياغة توازنات جديدة في الشرق الأوسط لعقود قادمة.

