سوريا الشهيدة!!
بقلم توفيق المديني
سوريا في المخيال الاجتماعي العربي، من المحيط إلى الخليج، بحكم الجغرافيا السياسية التي تتحكم فيها، هي بؤرة للصراع الدولي، ما بين الدول المستقلة والإمبريالية الأمريكية، وصراع إقليمي، مع منظومة البترو/دولار الرجعية العربية، وصراع عربي مع العدو الصهيوني في مواجهة مشروع التفكيك، أي أنه صراع في سوريا وعلى سوريا ومن أجل تفكيكها، وليس صراعاً سورياً – سورياً بالأساس.
وسوريا في رأي المؤرِّخ الفرنسيّ جان بيار فيليو “الابنة الكبرى للتاريخ”، هي مَن أعطت روما سبعة أباطرة، وجَعلت زنّوبيا ملكة تدمر تدقّ أبوابَ روما.. سوريا الأثيرة المُكتنِزة هذه صارت ضحيّةَ التاريخ، وكذلك ضحيّةَ الجغرافيا حين في الأصل اقتَطَع الفرنسيّون لواءَ الاسكندرون وقدّموه لتركيا؛ وحين اقتطعَ الكيان الصهيوني مرتفعات الجولان التي كانت بمثابة السقف الصخريّ لمدينة دمشق، وحيث ضريح أبي نصر الفارابي (قوّة العقل) وضريح محي الدّين بن عربي (قوّة الروح)، وتوَّجَ الصهاينة ابتلاعهم المزيد من الأراضي السوريّة باحتلالهم “جبل حرمون”، أعلى قمّة في سوريا ولبنان، حيث يعمل جيش الاحتلال وفق استراتيجية إقليمية تشمل ثلاث مناطق أمنية في جنوب سوريا: منطقة عازلة حتى 5 كيلومترات، وسياج حدودي مع منطقة أمنية تمتد حتى 15 كيلومتراً، ومنطقة نفوذ تصل إلى 65 كيلومتراً.
حول المجازر الطائفية في الساحل السوري
سوريا الآن ضحية لصراع طائفي بغيض، وكادت أن تذهب إلى انتحار يمزق النسيج المجتمعي السوري يشتهيه أعداؤها وهم كثر بالمناسبة، هذا ما جرى في مناطق الساحل السوري خلال الأيام ما بين 6و10مارس 2025، والذي يُعَدُّ جريمة طائفية لا تقبل التأويل أو التأتأة، ضد السكان العلويين، الذين يسكنون في مدنٍ وبلداتٍ وقرى وضيعاتٍ، من محافظات اللاذقية، وطرطوس وجبلة، في الساحل السوري.
وكانت شبكة “فوكوس نيوز”الأمريكية، اعتبرتْ أنَّ الاشتباكات الأخيرة في منطقة الساحل السوري وما تخللها من انتهاكاتٍ بحق مدنيين، يثبت نبوءة مديرة الاستخبارات الوطنية الأمريكية تولسي غارباد بشأن تبعات “التطرف والإرهاب” عقب سقوط نظام الأسد وتولي المعارضة الإسلامية زمام القيادة في سوريا.
وسلطت الشبكة الأمريكية الضوء على تصريحات سابقة لغارباد في مجلس الشيوخ، حيث قالت: “لا أحب الأسد أو أي ديكتاتور. أنا فقط أكره القاعدة. أكره أن يتقرب قادتنا من المتطرفين الإسلاميين، ويطلقوا عليهم اسم المتمردين”. وأضافت: “الآن تسيطر هيئة تحرير الشام، وهي فرع من تنظيم القاعدة، على سوريا، بقيادة جهادي إسلامي رقص في الشوارع في الحادي عشر من أيلول /سبتمبر، وكان مسؤولا عن قتل العديد من الجنود الأمريكيين”.
وأكّد المرصد السوري لحقوق الإنسان أنّ “أعداد الضحايا المدنيين تستمر بالارتفاع على خلفية الأحداث الدموية التي شهدتها مناطق الساحل السوري وعمليات التصفية على أساس طائفي ومناطقي، راح ضحيتها المئات من المواطنين بينهم نساء وأطفال، حيث ارتكبت قوات الأمن وعناصر وزارة الدفاع والقوات الرديفة لها جرائم حرب وانتهاكات لحقوق الإنسان، وسط غياب الرادع القانوني لهؤلاء”.
ووثق المرصد السوري لحقوق الإنسان استشهاد 1143 مواطنا في المحافظات التالية: اللاذقية 648، طرطوس 312، حماة 171، حمص 12، نتيجة عمليات التصفية، من ضمنهم مواطنين من طوائف غير العلوية. وجاءت محافظة اللاذقية في المرتبة الأولى، ثم طرطوس، ثم حماة وأخيرا حمص.
تأتي هذه الجرائم في سياق عمليات انتقامية واسعة تستهدف أبناء الطائفة العلوية، وسط استمرار القتل الجماعي وحرق المنازل والتهجير القسري، في ظل غياب أي تدخل دولي لوقف هذه المجازر.
وبلغ عدد المجازر في الساحل السوري وجباله، 44 منذ التصعيد الذي كانت شرارته هجمات لمسلحين من نظام الأسد في 6 آذار/مارس 2025، ضد قوات وزارتي الداخلية والدفاع السورية لتبدأ عمليات القتل والإعدامات الميدانية وعمليات التطهير العرقي.
واتهمت الصحافية والناشطة السورية هنادي زحلوط “الحمزات والعمشات” بالتورط في أعمال العنف في الساحل السوري، والتي أدت الى مقتل العديد من أبناء قريتها، وبينهم أخوتها الثلاثة. فماذا نعرف عن “العمشات والحمزات”؟
الجماعتان هما “فرقة السلطان سليمان شاه” و”فرقة الحمزة”، بينما القادة هم قائد الأولى محمد حسين الجاسم الملقب بــ “أبو عمشة” وأخيه وليد، وقائد التشكيل العسكري الثاني سيف بولاد الملقب بـ “أبو بكر”.
وينضوي هؤلاء القادة والفرق التي يقودونها ضمن تشكيل “الجيش الوطني السوري” إبان حكم بشار الاسد، ولهما انتشار عسكري في عموم مناطق الريف الشمالي لريف مدينة حلب، وعلى الخصوص منطقة عفرين. فرضت وزارة الخزانة الأمريكية عام 2023 عقوبات على الجماعتين لتورطهما في “انتهاكات خطيرة لحقوق الإنسان في منطقة عفرين”، الواقعة في أقصى الريف الشمالي الغربي لسوريا.
ووجّه الفنان السوري بشّار إسماعيل رسالة غضب إلى الرئيس السوري أحمد الشرع، إثر الأحداث الدموية التي تجري في الساحل السوري، حيث يقيم أغلب أبناء الطائفة العلويّة. ونشر إسماعيل مقطع فيديو يقول فيه: “ما من أحد سيقوم بانقلاب عليك إلّا الفصائل التي جاءت وارتكبت هذه المذابح. كلّ الكرة الأرضية، كلّ العالم المتحضّر، كانوا يراقبون تصرّفات أحمد الشرع. هل سيكون على مستوى عالٍ في قيادة سوريا العظيمة، لرفع العقوبات عنها؟ هؤلاء الذين جاءوا أثبتوا للعالم أنّه من المستحيل أن تتخلّص أنت وهذه الفصائل من هذا الفكر”.
وكشف الممثل السوري أنّه فقد “15 من رفاقي وأخواتي منذ الطفولة وأبناء خالي”، قائلاً للشرع: “والله ما من أحد سيقوم بانقلاب عليك إلّا من هم في صفّك. في حياتي، لم أسمع عن بلد متحضّر مثل سوريا، عمره 10,000 سنة، فيه شيخ يخرج ليقول “حيّ على الجهاد”. على الجهاد ضدّ مَن؟ على مَن الجهاد؟ والله لو كان العدو خارجياً، لقلنا “لنخرج جميعاً”. أمّا أن يكون ضدّ أخيك؟ ألا تعتبرني أخاً لك؟ لا أفهم”.
وعن جرائم النظام السوري السابق، قال إسماعيل: “الذين يقولون “هل نسيتم كانوا يضربوننا ويقصفوننا بالبراميل”، لا لم ننسَ ذلك وكنّا ندين تلك الأفعال، لكن لا يمكننا أن نفعل شيئاً مثل الآن. كلّ شخص أذى أحداً من الشعب السوري، سواء أكان ذلك سابقاً أم سيكون لاحقاً، فهو ساقط من التاريخ”.
موقف الشرع
وفي محاولة لاحتواء الأزمة، دعا الرئيس السوري للمرحلة الانتقالية أحمد الشرع إلى الحفاظ على “الوحدة الوطنية والسلم الأهلي”، وأصدر قراراً رئاسيا بتشكيل لجنة وطنية مستقلة للتحقيق في أحداث الساحل السوري. وأوضحت الرئاسة السورية على حسابها بمنصة “إكس” أن من مهام اللجنة والمكونة من 7 أشخاص، الكشف عن الأسباب والظروف والملابسات التي أدت إلى وقوع تلك الأحداث، والتحقيق في الانتهاكات التي تعرض لها المدنيون وتحديد المسؤولين عنها.
كما ستحقق اللجنة في الاعتداءات على المؤسسات العامة ورجال الأمن والجيش وتحديد المسؤولين عنها، وسترفع اللجنة تقريرها إلى رئاسة الجمهورية في مدة أقصاها 30 يوما من تاريخ صدور القرار.
قالت لجنة التحقيق في جرائم استهداف في الساحل السوري، الثلاثاء، إنه لا أحد فوق القانون وإنها ستطلب من النيابة العامة اعتقال مرتكبي هذه الجرائم وتقديمهم إلى العدالة، في موقف يظهر رغبة واضحة في كشف حيثيات ما جرى. لكنّ مراقبين يقولون إن اللجنة بإطلاق هذه التعهدات تشتري الوقت لصالح الرئيس أحمد الشرع حتى يحسم موقفه؛ إن كانت إدارته جادة في حماية الأقليات أم أنها ستقوم بهجمات أخرى لتخويف السوريين ودفعهم إلى التسليم بحكمها كأمر واقع.
ويرى المراقبون أن المهم ليس إطلاق الشرع تصريحات يومية لإظهار التزامه بمعاقبة من ارتكبوا جرائم الانتقام الطائفي ولو كانوا مقربين منه. وسواء أكانوا أجانب أم سوريين، المهم هو عدم تكرار ما حدث على الأقل في المدى القريب، وهو ما يتعلق بطبيعة الموقف الذي يتخذه الشرع نفسه بقطع النظر عن الاتهامات الموجهة إلى التجاوزات التي حصلت من القوات الرديفة؛ قوات الإسناد التي تضم فسيفساء من المجموعات التي حاربت إلى جانب الشرع عل مدى سنوات، والتي يمكن أن تكون قوة عسكرية من أجانب أو من خليط من أجانب وسوريين.
ولا تزال السلطات الجديدة تعمل على التحضير للمرحلة الانتقالية وإعادة بناء القوات الأمنية والعسكرية. لكنَّ هذه السلطات الجديدة ارتكبت أخطاء قاتلة كما حصل في العراق عقب الغزو الأمريكي له في عام 2003، حين قامت بحلِّ كلٍّ من الجيش النظامي، والأجهزة الأمنية، والشرطة المدنية. وجاءت الأحداث في الساحل السوري كاختبار مبكر لقدرتها على ضبط الأمن، وتحقيق السلم الأهلي.. فبعد أقل من ثلاثة أشهر على الإطاحة ببشار الأسد، وجدت السلطات نفسها أمام مواجهة عنيفة في المنطقة ذات الغالبية العلوية التي ينتمي إليها الرئيس السابق.
لقد كشفت المواجهات الأخيرة أنَّ “الجيش السوري الجديد لا يملك السيطرة الفعلية”. فالمجازر الطائفية التي حصلت في الساحل السوري ستعرقل جهود الرئيس الانتقالي أحمد الشرع في ترسيخ سلطته وإقناع المجتمع الدولي بأنه يسيطر على الأوضاع وقادر على ضبط الفصائل السلفية الجهادية المسلحة التي يُفترض أن تكون تحت قيادته، ولكنها يحكمها المنهج التكفيري، حيث إن القتل أصبح، عند أصحاب الفكر التكفيري، غاية وليس وسيلة، حتى إن إقامة الدول عندهم لا تتحقق إلا بالقتل. فبالنسبة لفصائل داعش والقاعدة وأخواتهما من الفصائل الجهادية يغَدُّ قتال الكفار (الآخرين من الديانات والطوائف الأخرى) هو أيضاً غاية يجب إدراكها طوال الوقت، لأنها قربى إلى الله، حتى إذا جلب هذا القتل أعظم المفاسد، وسبب أكبر الأضرار، لأنه صار فرضاً عليهم، من باب أن القتال الدائم هو تحقيق لفريضة الجهاد. لذلك، يسرف معتنقو هذه الأفكار في قتل مخالفيهم، واستخدام الوسائل البشعة، مثل الذبح، وفصل الرقاب، والحرق. ولا يقتصر هذا على فئات بعينها، أو من يقاتلونهم فقط، بل يسري على الجميع، حتى المدنيين، وكل من كان في استهدافه مصلحة للإسلام.
على الرغم من أن الشرع يحظى بدعم دولي وإقليمي، خصوصاً من تركيا وقطر وعدد من الدول العربية، وتوافد مسؤولون غربيون إلى دمشق منذ وصوله إلى قيادة البلاد، لإظهار دعمهم، وتعهد مراراً بحماية الأقليات في هذا البلد المتعدد دينياً/ فإنَّ المحللين الغربيين والعرب يرون أنَّ السلطة في دمشق “ضعيفة وتخضع لقوى خارجة عن سيطرتها، فهي بحاجة إلى كسب ودّ المجتمع الدولي، لكنها في الوقت نفسه مطالبة بالحفاظ على دعم قاعدتها الإسلامية المتشكلة من الفصائل السلفية الجهادية المتشبعة بالفكر التكفيري للآخر.

الدول الغربية تطالب الحكومة السورية بمعاقبة المسؤولين عن الانتهاكات في الساحل
دانت دول غربية، لا سيما الولايات المتحدة، “المجازر” التي ارتكبت “بحق أقليات في سوريا” بعد أحداث الساحل، داعية السلطات السورية إلى محاسبة من وصفتهم بـ “إرهابيين إسلاميين متطرفين” نفذوا عمليات قتل في سوريا، وقالت إنَّها تقف إلى جانب الأقليات الدينية والعرقية في البلاد، وقال وزير الخارجية ماركو روبيو في بيان: “تندد الولايات المتحدة بإرهابيين إسلاميين متطرفين من بينهم متشددون أجانب قَتلوا أشخاصاً في غرب سورية في الأيام القليلة الماضية”.
بدورها، وصفت ألمانيا التقارير التي تفيد بوقوع قتلى في الساحل السوري بأنَّها “صادمة”، وقالت وزارة الخارجية الألمانية في بيان: “تقع على عاتق الحكومة الانتقالية مسؤولية منع وقوع مزيد من الهجمات والتحقيق في الحوادث ومحاسبة المسؤولين عنها”، وتابعت: “نحضّ بشدة كل الأطراف على إنهاء العنف”.
وفي السياق ذاته، قال وزير الخارجية البريطاني ديفيد لامي إنَّ التقارير الواردة عن مقتل أعداد كبيرة من المدنيين في المناطق الساحلية في سوريا “مروعة” وحث السلطات في دمشق على حماية جميع السوريين من العنف. وأضاف لامي في بيان مقتضب على وسائل التواصل الاجتماعي: “يتعين على السلطات في دمشق ضمان حماية جميع السوريين ووضع مسار واضح للعدالة الانتقالية”.
وعلى الرغم من أن الرئيس السوري سعى إلى التغطية على ما جرى في الساحل السوري من خلال إبرام اتفاق مع الأكراد، وربما اتفاق آخر مع وجهاء السويداء في الساعات القليلة القادمة، إلا أن الموضوع لن يمر بسهولة وسيظل عنصر ضغط على الإدارة الجديدة في دمشق، وسيحتاج الشرع إلى الوقت لإثبات أن ما جرى ناجم عن انفلات “وتجاوزات” أو العكس بتأكيد أن المشكلة تكمن في الفكر الذي يقود هذه الإدارة التي ما زالت تحتفظ بهويتها الأولى، أي هيئة تحرير الشام كفصيل معبر عن تنظيم القاعدة.
الدوافع التي قادت إلى توقيع الاتفاق بين “قسد” والحكومة السورية
ارتبط اسم “قسد” بالحرب في سوريا التي بدأت عام 2011. ولم يتم الإعلان عن تأسيسها إلا في خريف 2015، وذلك في مدينة القامشلي بمحافظة الحسكة، إحدى المناطق الحدودية في شمال سوريا التي تسكنها أغلبية كردية، وكانت المسرح الرئيسي لعمليات “قسد”.
في عام 2012، أعلن الأكراد إقامة “إدارة ذاتية” في مناطق نفوذهم (في الشمال والشرق) بعد انسحاب قوات النظام السوري السابق من جزءٍ كبيرٍ منها من دون مواجهاتٍ، وتوسعت هذه المناطق تدريجياً بعدما خاض المقاتلون الأكراد بدعمٍ أمريكيٍّ معارك عنيفة لطرد تنظيم الدولة “داعش”..
وعام 2015، تأسست قوات سوريا الديمقراطية “قسد”، وعمودها الفقري وحدات حماية الشعب الكردية وضمنها فصائل عربية وسريانية مسيحية، وباتت تعد اليوم بمثابة الجناح العسكري للإدارة الذاتية. وتسيطر قوات سوريا الديمقراطية التي شكّلت رأس حربة في القتال ضد تنظيم الدولة، اليوم على ربع مساحة البلاد، أي على حوالي 25% من مساحة سوريا، وتعدّ ثاني قوة عسكرية مسيطرة على الأرض بعد جيش النظام السوري السابق.
أتاحت سيطرة قسد على المناطق النفطية في شمال شرقي سوريا مورداً اقتصادياً مهماً لها، جعلها متفوقة على باقي المناطق السورية خلال سنوات الحرب السورية، إلى جانب ذلك حرص التحالف الدولي الذي تقوده الولايات المتحدة الأمريكية على توفير دعم مالي سنوي لها، وخصصت بعض الدول ميزانية بمئات الملايين من الدولارات في صرف أجور المقاتلين وتأمين المصاريف المالية الأخرى.
وقع الرئيس السوري الانتقالي أحمد الشرع وقائد “قوات سوريا الديموقراطية” (قسد) مظلوم عبدي، اليوم الاثنين10مارس/آذار2025، اتفاقاً يقضي بدمج كل المؤسسات المدنية والعسكرية التابعة للإدارة الذاتية الكردية في إطار الدولة السورية، فيما ذكر موقع إعلامي كردي أن ما جرى التوصل إليه كان بناء على اتفاق تم توقيعه في شهر فبراير/شباط بين واشنطن وأنقرة. ونشرت الرئاسة السورية بياناً وقعه الشرع وعبدي جاء فيه أنه تم الاتفاق على “دمج كل المؤسسات المدنية والعسكرية في شمال شرق سورية ضمن إدارة الدولة السورية، بما فيها المعابر الحدودية والمطار وحقول النفط والغاز”.
ووفق مصادر كردية، فقد أقلت مروحية أمريكية من نوع أباتشي وفد “قسد” برئاسة مظلوم عبدي إلى دمشق. وذكر موقع “كوردستريت” الكردي أنَّ الاتفاق الذي وقع يوم الإثنين الماضي كان بناء على اتفاق وُقِّع في شهر فبراير/شباط 2025 بين واشنطن وأنقرة، إذ جرى التوصل إلى النقاط التالية:
1- حل جميع الفصائل التابعة لقسد، مثل وحدات حماية الشعب، وحدات المرأة، منظمة جوانن شورشكر، وقوات سورية الديمقراطية (قسد).
2- تسليم حقول النفط، السجون التي تضم أفراد تنظيم “داعش”، وكامل المعابر الحدودية مع العراق وتركيا إلى الحكومة السورية المركزية.
3- يتولى الطيران الحربي التركي تأمين الحماية الجوية في كل الأراضي السورية بالتنسيق مع قاعدة أضنة.
4- اندماج عناصر “قسد” غير المطلوبين في تركيا بتهم الإرهاب في الجيش السوري كأفراد، وليس كجماعات.
5- يُعطى عناصر قسد المطلوبين الخيار بين البقاء داخل سورية أو اللجوء إلى الخارج.
6- وإلى جانب وقف إطلاق النار، ينص على “ضمان عودة كافة المهجرين السوريين إلى بلداتهم وقراهم وتأمين حمايتهم من الدولة السورية.
7- وبموجب الاتفاق، تدعم “قسد” إدارة المرحلة الانتقالية في مواجهتها لما سمتها “فلول الأسد” و”كافة التهديدات التي تهدد أمنها (الدولة) ووحدتها. وينص الاتفاق أيضا على “رفض دعوات التقسيم وخطاب الكراهية ومحاولات بث الفتنة بين كافة مكونات المجتمع السوري”.
8- وأسند البند الأخير للاتفاق مهمة تطبيقه في أجل لا يتجاوز نهاية العام الحالي. ويبدأ تنفيذ الاتفاق بمجرد الإعلان عنه من الرئيس أحمد الشرع ومظلوم عبدي.
وجاء توقيع الاتفاق بعد نحو أسبوعين من دعوة مؤسس “حزب العمال الكردستاني” عبد الله أوجلان، في إعلان تاريخي، إلى حل الحزب وإلقاء السلاح.
ويُعَدُّ هذا الاتفاق خطوة تاريخية مهمة بالنسبة لجميع مكونات الشعب السوري، تفادياً لاندلاع حرب جديدة بين الأكراد والحكومة السورية الجديدة، ولتموقع الكيان الصهيوني في الشرق السوري. هذا الاتفاق تمَّ إنجازه نتاج توافر عدة أسباب:
أولاً: القبول بأحمد الشرع رئيساً للمرحلة الانتقالية، من جانب الدول العربية والقوى الإقليمية والدولية، إذْ شكَّل هذا القبول العربي والإقليمي والدولي، أحد عوامل الضغط التي دفعت قسد وقيادتها للقبول بالانضواء والاندماج مع الدولة السورية.
ثانياً: تفضيل النظام السياسي الجديد في دمشق فيتمثل لغة الحوار مع قسد، وسعيه وحرصه على التوصل إلى اتفاق عبر الحوار وليس من خلال العمليات العسكرية، بهدف جمع شتات الدولة والجغرافيا السورية وتوحيدها للانطلاق في عملية البناء
ثالثاً: هناك شبه إجماع من جانب الخبراء على أنَّ حكومة دمشق قدّمت العديد من عوامل بناء الثقة لكل الأطراف، من خلال التعاون وإظهار نفسها حكومة مرحلة انتقالية، وليست سلطة استبدادية تسعى إلى الهيمنة، كما أنها لا ترغب في إعادة إنتاج التجربة السياسية التي أرسى دعائمها النظام السابق طيلة أكثر من خمسين عاماً في سوريا.
رابعاً: فطرح الفيدرالية غير مقبولٍ لدى الدولة السورية، لأنَّ سكان شرق سوريا في أغلبيتهم قبائل عربية، وتصل نسبتهم في مدن مثل الرقة ودير الزور إلى 100٪ من السكان، وجميعهم رافضون لهيمنة “قسد” العسكرية عليهم.
