حملات المقاطعة العالمية تستعيد زخمها.. بنغلاديش تعيد حظر سفر مواطنيها إلى “اسرائيل”
بقلم ابتسام الشامي
بينما يواصل العدو حرب الإبادة ضد قطاع غزة يخيم الصمت الرسمي على دول العالم، وباستثناء بعض البيانات الانشائية المدينة “استهداف” المدنيين والمستشفيات في القطاع المحاصر، لم يمارس “المجتمع الدولي” ضغوطاً جدية على تل أبيب لوقف الحرب، ليس عجزاً، وإنما تواطؤاً..
طالما أن قرار هذا المجتمع بيد الولايات المتحدة الأمريكية، الراعي الرسمي لتلك الحرب الإبادية المجنونة. لكن الصمت الرسمي الدولي شبه المطبق تخرقه بعض مبادرات المقاطعة مذكرة بسلاح قابل للاستخدام رسمياً وشعبياً.
داكا تحظر سفر مواطنيها إلى الكيان الغاصب
بإعادتها إدراج عبارة “باستثناء إسرائيل” على جوازات سفرها، تعيد بنغلاديش التذكير بسلاح المقاطعة الذي تنازلت عنه الدول العربية والإسلامية للتعبير عن موقف عملي رافض لحرب الإبادة التي يمارسها العدو على قطاع غزة وأهله منذ أكثر من عام ونصف. وعلى الرغم من أن هذا السلاح لا يكلف الدول حشد جيوشها ولا استخدام أسلحتها النوعية ولا يستنزف موازناتها الضخمة، وكذلك لا يعرضها لخطر الرد إلا أنها امتنعت طوعاً عن استخدامه في ترجمة عملية لاستقالتها من القضية الفلسطينية، وترك الشعب الفلسطيني مستفرداً في مواجهة حرب الإبادة.
وبالعودة إلى قرار بنغلاديش منع مواطنيها من السفر إلى كيان العدو فإنه يمكن إدراجه في سياق رفض العدوان على غزة، على الرغم من أن ما صدر رسمياً عن سلطات البلد لم يعبر عن ذلك بشكل صريح. إذ اكتفى المسؤول في وزارة الداخلية نيليما أفروز بالقول لوكالة “بنغلاديش سانغباد سانغسثا” إن السلطات “أصدرت توجيها الأسبوع الماضي” لإعادة طبع هذه العبارة على جوازات السفر”، بعدما أزيلت العبارة خلال السنوات الأخيرة من ولاية رئيسة الوزراء المعزولة الشيخة حسينة.
وتأتي هذه الخطوة العملية من قبل حكومة البلاد التي يربو عدد سكانها على 170 مليون نسمة، في ضوء توسع حراك التضامن مع غزة، إذ شهدت العاصمة داكا السبت الماضي تجمعاً شعبياً ضخماً تضامناً مع غزة وتنديداً بالإبادة الجماعية التي يرتكبها العدو في القطاع منذ نحو عام ونصف. واتهم المتظاهرون الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، ورئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي، بدعم “إسرائيل”.
عودة الحرارة إلى حملات المقاطعة العالمية
حظر السفر إلى كيان العدو الذي أعادت حكومة بنغلاديش تفعيله في ضوء الحراك الشعبي المناصر لغزة، يأتي متزامناً مع عودة الحرارة إلى عمل حملات مقاطعة العدو على امتداد العالم. حيث شهدت بريطانيا حملة جديدة لمقاطعة المنتجات الإسرائيلية والشركات الداعمة للاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية بالتنسيق مع الحركة العالمية لمقاطعة “إسرائيل” “بي دي إس”. وتشمل الحملة التي أطلق القائمون عليها اسم “لا تشتروا من نظام الفصل العنصري”، وقفات احتجاجية أمام المتاجر الكبرى في أكثر من 30 مدينة بريطانية. وبحسب تصريحاتهم الإعلامية، يهدف المشاركون في الحملة إلى “إقناع الشعب البريطاني بمقاطعة منتجات الشركات المتواطئة مع الإبادة الجماعية الإسرائيلية” في قطاع غزة والاحتلال الإسرائيلي لفلسطين. وتركز الحملة والمشاركون فيها على شركة “كوكا كولا” التي يتهمونها بـ “التواطؤ الشديد، فالشركة تملك منشآت في الضفة الغربية وفي المستوطنات غير القانونية.”
وإلى هذه الحملة، شهدت مدن بريطانية عدة السبت الماضي، فعاليات احتجاجية للمطالبة بمقاطعة المنتجات الإسرائيلية ومنتجات شركة كوكا كولا، في إطار الحملة العالمية “لا تدعموا الفصل العنصري” التي أطلقتها اللجنة الفلسطينية البريطانية.
كما سبق للمركز الدولي للعدالة للفلسطينيين “آي سي جيه بي” (ICJP) أن أطلق مبادرة “غلوبال 195” (Global 195)، وهو تحالف قانوني عالمي يهدف إلى محاسبة مجرمي الحرب الإسرائيليين والمتواطئين معهم أمام المحاكم الدولية والمحلية. ويضم هذا التحالف محامين ومنظمات حقوقية من عدة دول، ويسعى لاستخدام جميع الأدوات القانونية المتاحة لملاحقة المسؤولين عن الجرائم المرتكبة في قطاع غزة، بما في ذلك التقدم بطلبات لإصدار مذكرات توقيف دولية ضد المتورطين. وبحسب القائمين على هذه المبادرة، فإنها تستهدف محاسبة الإسرائيليين مزدوجي الجنسية المتهمين بارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية في غزة، وتشمل ملاحقة ومحاسبة من جرى تسجيلهم في الخدمة العسكرية الإسرائيلية كافة، خصوصاً مزدوجي الجنسية.
وقال مدير المركز “طيب علي” إن تحالف “غلوبال 195” يهدف إلى إنشاء شبكة عالمية تضمن تفعيل الآليات القانونية المحلية والدولية لملاحقة المشتبه بهم في ارتكاب جرائم حرب أينما كانوا”، مؤكداً أن التحالف سيعمل على التقدم بطلبات لإصدار مذكرات توقيف خاصة ورفع دعاوى قانونية ضد المتورطين. وأوضح أن المبادرة “تشمل محامين ومنظمات قانونية في دول مختلفة، من بينها ماليزيا وناميبيا وتركيا والنرويج وكندا والبوسنة، بالإضافة لمركز العدالة من أجل الفلسطينيين بالمملكة المتحدة”، مؤكداً أن “نطاق عمل المبادرة يتعدى مجرد ملاحقة الجنود الذين خدموا في الجيش الإسرائيلي، بل يشمل أيضاً المسؤولين السياسيين والعسكريين رفيعي المستوى، الذين يتحملون المسؤولية المباشرة أو غير المباشرة عن انتهاكات القانون الدولي”.
وفي السياق ذاته، قال المحامي شين مارتينيز من فرع المركز الدولي للعدالة للفلسطينيين في كندا إن “التحالف الذي أطلقناه يضم عدداً من الدول حول العالم، لكنه يسعى لهدف مشترك، وهو محاسبة الجنود الإسرائيليين والأجانب الذين يسافرون إلى إسرائيل للمشاركة في العمليات العسكرية في غزة”.
وأضاف أن “دولاً مثل كندا والمملكة المتحدة فشلت تاريخياً في محاسبة هؤلاء الأفراد على جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية، لذلك نسعى حالياً لاستخدام الآليات القانونية المتاحة، مثل الدعاوى الخاصة، لضمان محاسبتهم في مختلف الولايات القضائية”.

تأثير المقاطعة في العدو
وعلى الرغم مما تتعرض له حركات المقاطعة من ضغوط وما يواجهه المتضامنون مع فلسطين من حملات ترهيب لاسيما في الولايات المتحدة الأمريكية حيث اتسعت دائرة طرد الطلاب والأكاديميين المتضامنين من فلسطين من الجامعات التي شهدت خلال الأشهر الماضية تظاهرات واعتصامات رفضاً للحرب على غزة، إلا أن حملات المقاطعة تتواصل بأشكال مختلفة وتدق ناقوس الخطر في تل ابيب التي أنشأت أجهزة ووحدات استخبارية خاصة مهمتها ملاحقة الناشطين وتوفير معلومات عنهم للجهات المعنية في بلادهم أو في البلاد المقيمين فيها بهدف التضييق عليهم ومحاسبتهم. ولعل ما يقوم به العدو على هذا الصعيد، يفسر مدى تأثير حركات المقاطعة في صورته امام العالم، وما يتركه ذلك من تداعيات عملية. في هذا السياق تشير التقارير الصادرة عن “رابطة رؤساء الجامعات الإسرائيلية” إلى تصاعد كبير في وتيرة المقاطعة الأكاديمية ضد “إسرائيل” منذ شهر تشرين الأول 2023. وبحسب بيانات الرابطة، جرى تسجيل نحو 500 حادثة مقاطعة، بزيادة نسبتها 66% عن الفترة التي تلت اندلاع الحرب على غزة. وقد تلقت الرابطة 300 شكوى خلال السنة الأولى، و200 شكوى إضافية حتى شباط 2025، ما دفعها إلى تشكيل فريق عمل متخصص وتعيين مسؤولين في كل جامعة لمتابعة هذا الملف. وتشمل أشكال المقاطعة الاكاديمية لكيان العدو، وقف التعاون الأكاديمي من قبل مؤسسات في الولايات المتحدة، بلجيكا، إسبانيا، إنكلترا، هولندا، إيطاليا وكندا. إضافة إلى تراجع التعاون مع جامعات في إسبانيا، بلجيكا وهولندا بشكل حاد. كذلك شملت المقاطعة رفض مقالات لباحثين إسرائيليين في مجلات علمية دولية، وقد امتنع باحثون أجانب عن مراجعتها أو العمل مع الإسرائيليين خشية المساس بتمويلهم. وفي سياق المقاطعة الأكاديمية أيضاً، أُلغيَت دعوات إلى مؤتمرات دولية، وتعرضت فعاليات بمشاركة إسرائيلية إلى احتجاجات طلابية.
وفي إطار جهود المقاطعة الفعالة في أوروبا برز قرار جامعة “غينت” البلجيكية بقطع علاقاتها مع الجامعات الإسرائيلية وسعيها للتأثير على المفوضية الأوروبية، وكذلك تعليق اتحاد طلاب الطب العالمي تعاونه مع الجمعية الإسرائيلية.
خاتمة
الإضاءة آنفة الذكر على اشكال عالمية من مقاطعة العدو رفضاً لحربه الإبادية على قطاع غزة، وعلى الرغم مما واجهه المشاركون فيها من قمع وضغوط، بقيت صوتاً شعبياً قوياً في مواجهة آلة الحرب، ولعل تأثيرها الذي يحاول العدو احتواؤه يؤكد مرة أخرى أن المقاطعة سلاح يمكن أن يكون مؤثراً وفعالاً إذا ما أحسن استخدامه واتسع نطاقه وتعددت مجالاته.