إقليميات

خطط أمريكية لغزو اليمن برياً.. خيارات معقدة

بقلم نوال النونو

 وبحسب تأكيدات الكثير من وسائل الإعلام الأمريكية ومراكز الدراسات والأبحاث فإن القصف الجوي لليمن لم يُجدِ نفعاً، ولم يؤثر على القدرات العسكرية اليمنية، بل أصبح منهِكاً للولايات المتحدة الأمريكية ويكبدها الكثير من الخسائر، وصلت إلى ما يقارب مليار دولار خلال 3 أسابيع بحسب التصريحات الرسمية الأمريكية.

ويظل التساؤل الأبرز هنا: ما مدى نجاح الخيار البري ضد القوات المسلحة اليمنية، وهل سيحقق نتيجة إيجابية لصالح أمريكا وكيان العدو أم أنه رهان خاسر؟.

أولاً: لا يمكن للولايات المتحدة الأمريكية الزّج بجنودها وقواتها في معركة برية في اليمن، فهي تعرف جيداً الطبيعة الجغرافية المعقّدة للبلاد، وما من غازٍ في الأزمنة الماضية إلا وناله نصيب من الخسارة والويلات عند مواجهة اليمنيين، ولا سيما في المناطق الشمالية التي يمتاز أهلها بالقوة والصلابة، وتمتاز جغرافيتها بالتحصينات الطبيعية والمساحة الكبيرة.

ثانياً: أن الأمريكي لم يكن بعيداً عن العدوان والمعارك البرية التي جرت في اليمن منذ عام 2015م وما بعدها، فهو الذي أشرف على معركة الحُديدة سنة 2017م، وكان ضباطه ومستشاروه في غرف العمليات يديرون المعركة، ويزجون بالمرتزقة اليمنيين والسودانيين إلى المحارق وبأعداد كبيرة جداً لا يتصورها أحد، ومع ذلك تلقوا هزائم مذلة أمام ثلة من المقاتلين الصامدين التابعين لأنصار الله وللقوات المسلحة اليمنية.

 من هنا، فإن الحديث عن التدخل البري، أو الغزو البري الأمريكي لليمن، هو خيار صعب ومعقد، وإذا ما قرر الأمريكيون تفعيله، فإنهم لن يغامروا بجنودهم، وإنما سيحرّكون المرتزقة اليمنيين وذلك من عدة اتجاهات:

الاتجاه الأول: تحريك مرتزقة طارق محمد عبد الله صالح الموجودين في منطقة المخا المطلة على مضيق باب المندب في محافظة تعز جنوب غربي اليمن، بحيث تكون هذه القوات نقطة انطلاقة للسيطرة على ميناء الحديدة الاستراتيجي المطل على البحر الأحمر.

الاتجاه الثاني: تحريك مرتزقة المجلس الانتقالي الموجودين في جنوب اليمن، بحيث تكون انطلاقتهم من عدة اتجاهات، أبرزها التوغل صوب محافظة البيضاء الواقعة وسط اليمن، والتي تشرف على 8 محافظات يمنية.

الاتجاه الثالث: تحريك مرتزقة الإصلاح (الإخوان المسلمين) الموجودين شمال شرقي اليمن، بحيث تكون انطلاقتهم صوب العاصمة صنعاء.

بالنسبة لمرتزقة طارق صالح ومرتزقة المجلس الانتقالي، فإنهم يتلقون الدعم الكامل من دولة الإمارات العربية المتحدة، وهي التي أسستهم وتموّلهم، وتتحكم بهم، وقد أعلن طارق صالح قبل أيام أنه على استعداد لخوض المعركة ضد من سماهم “الحوثيين”، مطالباً بتشكيل تحالف دولي ضدهم، وهو يمتلك تشكيلات عسكرية كبيرة، وسبق أن خاض مواجهات مع أنصار الله في السنوات الماضية، وحقق بعض الانتصارات على الأرض منها الوصول إلى تخوم مدينة الحديدة عام 2017م، والسيطرة على مناطق واسعة في الساحل الغربي لليمن، لكنه تراجع وخسر الكثير من المواقع لصالح أنصار الله والقوات المسلحة اليمنية.

وخلال الأعوام الأخيرة، رسمت صنعاء معادلة جديدة فيما يتعلق بمواجهتها مع مرتزقة الإمارات داخل اليمن، تتمثل بأن أي هجوم بري لهؤلاء، فإن القوات المسلحة اليمنية ستتعامل مباشرة مع الوكيل، وسيتم قصف دبي وأبو ظبي، وهي معادلة أثبتت فاعليتها وجدواها، واستطاعت أبو ظبي ضبط إيقاع مرتزقتها اليمنيين، وعدم خوضهم معارك عسكرية مع أنصار الله منذ استهداف الإمارات عام 2022م.

 والآن، تتزايد رغبة مرتزقة الإمارات في خوض حرب عسكرية مع أنصار الله خدمة للأمريكي والإسرائيلي، غير أن صنعاء لا تزال متمسكة بموقفها، وهو التعامل مع الوكيل والمشغل لهم، وهو ما دفع الإمارات للتصريح علناً الأربعاء الماضي عبر وكالة رويترز بأنها لا تدعم أي هجوم بري ضد أنصار الله في اليمن، وكأن الإمارات تريد أن تقول بإن أي هجوم قادم على اليمن من قبل مرتزقتها هو بدعم أمريكي وليس بدعمها، وبتعبير أدق فإن الإمارات قد فضحت حقيقة دورها خلال السنوات الماضية وهي أنها تتحرك تحت الغطاء الأمريكي الإسرائيلي الذي كان من قبل يمارس دور “القيادة من الخلف” أما الآن فإنه يمارس القيادة بنفسه، وبشكل واضح وعلني.

 وبالطبع، لن تكون أبو ظبي في منأى عن الهجمات اليمنية إذا ما تحرك مرتزقتها في أي هجوم بري لصالح العدو الأمريكي والإسرائيلي، فهي الداعم والممول، والمحرك لهم، وهي من يتحمل مسؤولية أية مغامرة في هذا الجانب.

أما بالنسبة لمرتزقة الإصلاح (الاخوان المسلمين في اليمن) فإنهم يواجهون حرجاً كبيراً في خوض هذه المعركة، فهم يدركون جيداً أن العدوان الأمريكي على اليمن سببه مساندة أنصار الله لفصائل المقاومة الفلسطينية في قطاع غزة، ومنها حركة حماس (الإخوان المسلمين في فلسطين)، والذين لا يتوقفون عن تقديم عبارات الثناء والشكر والتقدير لأنصار الله على مواقفهم النبيلة والصادقة في مناصرة غزة.

هذا التحرك للإصلاح في اليمن، سيجعلهم منبوذين أمام جمهورهم في اليمن، وسيلاقي معارضة واسعة، وعدم رغبة في القتال من قِبَل أفرادهم، إضافة إلى أن صنعاء ستثبت معادلتها في استهداف الوكيل والداعم لهم وهي المملكة العربية السعودية وستكون منابع النفط والطاقة هدفاً دسماً للصواريخ اليمنية الفرط صوتية.

كل الخيارات للأمريكي معقدة أمام اليمن، ولا نعتقد أن الخيار البري سيكون مجدياً، فالتجارب الماضية، أثبتت قدرة أنصار الله على المواجهة وتحقيق الانتصارات، وهم في مرحلة كانوا فيها أقل عدداً وعتاداً، أما الآن فهو أكثر قوة وبأساً، ومعهم الملايين من الشعب اليمني الذين يناصرونهم ويقفون إلى جانبهم.

لن تكون المعركة مجرد نزهة، فاليمن عصي على الانكسار، والخيار البري فشل أمام أنصار الله والشعب اليمني خلال 10 سنوات مضت، ولا نعتقد أن واشنطن ستغامر في تجربة جديدة، وخيار جديد تحتاج معه إلى سنوات كثيرة بهدف هزيمة شعب لم يهزم من قبل.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *