أيارُ على بابي.. فغرِّدي يا طيور الأرضِ
بقلم غسان عبد الله
قد يأتي الأرضَ على عجلٍ وعلى غير عوائِدِهِ
يطرحُ للفصلِ القادمِ كلَّ جرائِدِهِ ويصبُّ لذيذَ قصائِدِهِ
قد يأتي.. لا يطرقُ باباً كي يستأذنَ مَنْ في البيتِ
ومَنْ في القلبِ.. ومَنْ في الروحِ.. ومَنْ في ذاكرةِ الأزهارْ
لكَ مثلُ جميعِ الوردِ.. ومثلُ هلالِ الحبِّ.. ومثلُ ضفافِ الوقتِ
تساندُ روحي حين يضيقُ الكونُ على ملأٍ من أطياري
ولكَ اللهُ حزبَ اللهِ.. لك اللهُ.. تهدهدُني بطهرِ نداكَ فيشغفني وَرْدُ إيابكْ..
يشعِل شوقي في شرفاتٍ كادتْ تنسى شدْوَ الشوقِ
لكَ اللهُ.. يا حزبَ الله
وتأتيني ولكنْ.. أقدَر مِنْ عاصفةٍ في الصحراءِ.. وأروعَ ما في الغابةِ من أسرارْ
عنقودي ما زالَ كأغنيةٍ تتمشَّى في أروقةِ الأوراقِ وفوق أكفِّ الأفنانِ
وبين رفيفِ النسمةِ فوق الأنهارْ..
ولأنه يعنينا.. ويدخلُ عمقَ أمانينا.. يؤجج ذاكرتنا بالعطر المباح.. ليطلع فينا الصباح
أيارُ عناقيدُ مواعيدْ.. وأيائلُ مِن فرحٍ أسطوريٍّ وأناشيدْ
أيارُ بكَ الآنَ يدحرجني من قمَّةِ تذكاري
بكَ.. أيارُ يعيدُ لذاكرةِ البحرِ نوارسَهُ ولداليةِ الحلْمِ عرائشَها
ولقلبي أيارُ يُعيدُكَ كي نبني في هذا الكونِ معاً ما خرّبهُ الأوغادْ
ما هتكتْهُ زمناً تلك الأحقادْ..
كان جديراً أن يصمدَ كلُّ العشاقِ بوجه الطوفانْ
أن يستَلَّ الشعرُ السُّمَّ ويقذفهُ حولَهْ.. كي يحمي ظلَّهْ
كان جديراً ألاّ نستوقف لونَ الوردةِ.. كانَ وكانْ..
أُدرِكُ أنّ يداً واحدةً لا تحدِثُ تصفيقاً أو تحمل بوقَيْن
لكنْ من بذرةِ حقلٍ واحدةٍ يمكن أن يُبْدَعَ بستانٌ
يُؤتي أكلاً أكثر من فصلَين..
وجديرٌ أن يأتي أيارُ ويحملني كشعاع الضحكةِ نحوكَ
أو يحملُ كالغيمةِ طيفَكَ.. أو يرفعُ نحو عيوني وردَكَ مغموراً بالنورْ
أو يجلبَ لونَكَ في المصباحِ المسرورْ..
جدُّ جديرْ.. أن يحملَ لي قلبَكَ كالعصفورِ ينقّرُ فوق شبابيكي
يوقظني مثلَ عبيرٍ ينسابُ ندياً من فاتحة الوردِ ويرنو كي يهْدلَ بالشِّعرِ وبالإشعاعْ
يوقظني مثلَ فَراشٍ يحمل دفءَ الضوءِ
ويتركني فوق حرير التَّوقِ وبين تلالِ التُّوتْ.. كالصبِّ الملتاعْ..
يوقظني فيكَ.. يُطلقُني فيكْ..
لكَ اللهُ حزبَ اللهِ.. يموتُ الجسدُ على الثرى لنحيا كلُّنا فيك..
وأيارُ على بابي نقَّرَ منذ قليل.. وعلى غير عوائدِهِ يأتي الليلةَ مشغوفاً
يخلع بردتَهُ مشغولاً بمشاربهِ ومشاعرِهِ..
بالديمةِ تغسِلُ كلَّ مدامِعهِ.. تمسَحُ بالنسمةِ سُقْم أساهْ
أيارُ.. على بابي.. وصداكَ الآتي سوف يُسوِّي زمناً كان يهاجرُ مَنْسياً منْفياً..
يا صرخةَ قلبٍ متّحدٍ متّقدٍ
هاتِ صرّةَ أحلامِ بلادي هاتِ.. يكفي عالَمنا هذا الظلُّ العاتي
وفريداً وهْجُ المصباح الحارق نحملُهُ
يتمطَّى في الظلِّ وئيداً يطرد كلَّ خفافيش العتمةْ
وبريداً في يدنا نوصِلُهُ لرفاقٍ عشّاقٍ في آخر ميناءٍ في أعلى قِمّةْ..
وأيارُ على بابي نقَّرَ منذُ قليلٍ..
وعلى غير عوائدِهِ.. يأتي اليومَ كتغريدةٍ تصنعُ لحن حريتنا..
وتُبرِئُ جُرحَ الجنوبِ بعد عمرٍ من سُقامْ..
تُطلقُ في الأفق لون الدماءِ الحرّى..
ليزدهي اللونُ بدم الشهيدِ.. وينتشي زهرُ الخُزامْ..
أيارُ على بابي.. فغرِّدي يا طيور الأرضِ..
واجعلي تحليقَ الإباءِ بِدءَ العروجِ ومسكَ الختام..
وليكنْ حرُّ الهجير على الثرى فيهِ بردَ أنسٍ وسلام.
