هامش ثقافي

الحربُ ضدّ الإسلام وتراثِهِ الضخم.. والكتابات المسمومة

بقلم غسان عبد الله

ومع دخول العالم عصر شبكات التواصل الاجتماعي، صارت ظاهرة الكتابة المسمومة والمخدِّرة للعقلِ المسلمِ أكثرَ خطورة، ومع اندماجِ المؤثراتِ الصوتية مع الموادِّ المكتوبةِ أصبح التأثيرُ على المشاعرِ الإنسانيةِ المختلفةِ ظاهرةً تستحقُّ الرّصد والتّصدي؛ بسبب استغلاله باحترافية من قِبَلِ المتربصين بالأمة الإسلامية.

ومقابل هذا الخطر الداهم نجد أن العالم الإسلامي ضعيف جداً أمام هذا الغزو الفكري الممنهج، فعدد المواقع الإعلامية المكتوبة القادرة على صدّ هذه الظاهرة قليل جداً، والقليل من هذه المواقع اختفى تماماً، ففي استقراءٍ طويلٍ لمواقع إسلاميةٍ مكتوبةٍ عديدة، وجدنا أن النتيجة التالية: بعضُ المواقع اختفى تماماً، واختفت معه كلُّ المواد، وبعض المواقع أصابها الاهتراءُ، بسبب عدمِ التّجديدِ فيها وعدم ضخِّ دماءٍ جديدةٍ في طاقمها، وبعضها لا يزالُ يقاوم، لكنه لا يملكُ رؤية، فهي غالباً ما تخضع للعمل وفق ردّات الفعل، وهذا أحد أهم ما يؤدي بها إلى الزوال مستقبلاً، خصوصاً مع الاستسلام المتزايد لضغط شبكات التواصل الاجتماعي، أما النادر الجيّد فكثرت حوله حملات التشويش السياسي والإعلامي وحتى الدعوي.

مصطلح الانفتاح الإعلامي يظل أحد أبرز الأوهام التي يعمل النظام العالمي – وأياديه الخفية – على ترسيخه في الوعي الجمعي للمسلمين، بينما الحقيقة أن هذا المصطلح لا يعني مطلقاً قبول النظام العالمي بالموادِّ الإسلاميةِ المكتوبة القديمة أو الحديثة؛ التي تمسُّ به، وأبسطُ دليلٍ على ذلك محاربتُهُ للمناهجِ الإسلامية، وإصرارُه على تغييرها، وقد رصدنا هذه التغييرات التي أصرّ على إحداثها خلال العقدين الماضيين، فكان حجم إفراغ المناهج من مضامينها الإسلامية العميقة – التي تؤثر في تشكيل عقل المسلم – هائلاً؛ بالتالي فَقَدَ العقلُ المسلمُ مصدرَ حصانته،  ولم يكن تركيزُ النظامِ العالميِّ على ضرب المناهج الإسلامية عبثاً، بل كان يهدف أساساً إلى أمور ثلاثة: الأول إضعاف الصحوة والنهضة الإسلامية وعدم إعطائها الفرصة لتطوير قاعدتها الإسلامية الشعبية، وثانياً: قطعُ الطريق أمام الصحوةِ للاستمرار في إنتاج جيلٍ مسلمٍ أحسن من الجيل الذي ظهرَ مع الصحوة، والذي تعرّض إلى التخريبِ والتّشتيتِ بطرقٍ كثيرة، سلميةٍ وأمنيةٍ، وثالثاً: تسهيل عملية التخريب المنهجي للعقل المسلم، بعد أن تكون الساحة مهيأة لاستقبال كميات ضخمة من المواد المكتوبة المسمومة.

إذن لا يوجد شيء اسمهُ انفتاحٌ إعلاميٌّ بالنسبة للموادِ الإسلاميةِ الأصيلة، بالأخص في عصر استعمال فزاعة الإرهاب وتمطيط هذا المصطلح ليكون خادماً لمشاريع الغرب، بدليلِ أن الكثير من الدول المسلمةِ لا تزالُ تمنعُ كتباً إسلاميةً أصيلة بعينها، ترى أنها تشكل خطراً عليها، بل يشتركُ في المنع حتى دول غير مسلمة مثل روسيا والصين.

ومختصر الحديث في هذه المسألةِ أنّ النظام العالمي بخبرائه ومراكزه البحثية عمل على تفكيك عالم المواد المكتوبة – الإسلامية الأصيلة – فاختفت الأشعار الإسلامية وصار سوقها راكداً، وضَعُفَ إنتاجُ وتداولُ الروايةِ الإسلامية، والقصصِ الإسلامي.

ومع الحربِ ضدّ الإسلام وتراثِهِ الضخم، ومنعِ كتاباتِ أبرزِ العلماءِ المصلحين وتشويهها، فُتِحَتِ الأبوابُ في عالمنا الإسلامي لأقلامٍ غريبةٍ عن هويةِ وقيمِ المسلمين، بل وتُناقِضُها، فصارتْ كتاباتٌ مثل كتابات: آسيا جبار، أحلام مستغانمي، باولو كويلو، غابريال غارسيا، هي النموذج الذي يُقدم للأجيال المسلمة.

ولعلّ ما أدهشني أنني لم أجد أي دراسة أو بحثٍ يتناولُ السموم التي في كتابات باولو كويلو وغارسيا، وآسيا جبار والكثيرِ من الكتابِ الذين يحتلونَ اليوم صدارةَ تسميمِ العقولِ المسلمة، في ظلِّ انشغالِ الدعوةِ الإسلامية عن هذا الغزوِ الفكريِّ المُشَوِّه للعقلِ المسلم.

المنظومة العالمية حريصة على نشر الرذيلة والتفاهة والسفالة بنفس المستوى؛ لذلك لن تتوانى عن الدفاع عن مثل هذه الكتابات، التي تشكّل عندهم شكلاً من أشكال تفكيك الفطرة السليمة النقية التي تعرف الحق بسهولة، والتي تشكّل عندهم وعند وكلاء الغرب في بلاد الإسلام كتابات قيّمة تقضي على التطرف، وتنشر روح المحبة حسب زعمهم.

نحن مدعوون إلى إنشاء رصيد محترم يتصدى لهذا العبث الذي يعبث بعقول وقلوب المسلمين، ونحتاج إلى ضرب الدعاية المفرطة لهؤلاء الكتّاب بدعاية موضوعية وعقلانية وعلمية، ولعلّ من أنفع ما يمكن أن يشتغل به الكثير من أهل الإصلاح: الإتيان بنماذج لأقوال هؤلاء ودحضها وكشف ركاكتها أدبياً، وعوراتها أخلاقياً، وسقوطها علمياً ودينياً، وهذا ممكن من خلال الكتابة، أو من خلال تناول هذه المقولات في مقاطع فيديو، وتحليلها وفق الميزان الإسلامي الحنيف.

وختاماً: إن الغرب الذي يكافئ المجرم سلمان رشدي على كتاباته الساخرة من القرآن والمشوِّهة للإسلام، والذي يمنعُ عقولَ المسلمين من الوصولِ إلى مصادر المعرفة العسكرية والتقنية المتطورة لا يريد لنا الخير بتصديره بضاعة كتّاب الأشباح والأوهام والغموض والخرافة والسخافة إلى العالم الإسلامي، ويكفي المسلم معرفة هذا إن لم ينتبه للسم الذي في هذه الكتابات.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *