النَرجسُ يُبْصرُ صورتَهُ في ماء يديكْ
بقلم غسان عبد الله
قادمٌ أنت، كأني أسْمعُ وقعَ خطاكَ..
مثلما المطرُ يَتَكوكَبُ فوقَ روابي الفجرْ،
قادمٌ أنتَ.. كأنّي أُبصرُ وجهكَ فوق سواري الغيمِ،
وفوق بحيراتِ الحَلَكِ الليليّ نهاراً يعشب بالأضواءِ
ويشهقُ فوق سهولِ البحرْ..
تتقدمهُ الأطيارُ.. وتمشي خلف رؤاهُ الأشجارُ..
وتخفقُ – لحظةَ تتألقُ العيونُ – حواليهِ راياتُ الزهرْ..
أيا برزخاً من العشقِ لا تدركُ رؤاهُ النارُ.. ولا يبلغُ فتنَتَهُ النهرْ!
ها أنذا أدخلُ – باسمك – في ملكوتِ العشقِ،
وباسمك أعلنُ أن مولىً للصبرِ الجليلِ لم يُقعِدْهُ نُصْبٌ أو عذاب..
سكنني كالبرقِ، وأني عاشقُه الأبديّ،
وباسمِ الجبينِ الناصعِ كشمسِ الحياةِ سأُعلِنُ أنك مملكةُ للسحرْ،
وبأن فواتحَ سرِّ العشقِ يداكَ، ووجهُكَ إعجازُ الكلماتْ،
وبأن الأرضُ- بلا عينيكَ - خرائب تَعولُ فيها الريحُ،
وأن العمرَ، سنيَّ العمرِ!! سرابٌ يركضُ في الفلواتْ..
ماذا سأرتِّلُ من آياتِ القلبِ،
وأنتَ القلبُ، النبضُ، الأوردةُ، الرؤيا، الأدعيةُ المؤمنةُ، الآياتْ؟
ماذا سأحدِّثُ عنك؟ وأنت أحاديثُ الأنجمِ، هفهفةُ الصفصاف المائيِ،
عزيفُ الريحِ، هبوبُ الفجرِ على شطآن بحورِ الظلماتْ!..
هل قمرٌ يورق في شرفاتِ الليلِ.. ولم تُلبِسهُ قميصَ الضوءِ يداكْ؟..
هل دعاءٌ يرفلُ في الروحِ.. ولم تُنْعِشْهُ بنميرِ الضراعةِ شفتاك؟؟
هل شجرُ تتشامخُ حتى الأوج ذُراهُ.. وهل شمسٌ تتجملُ في مرآةِ سماءِ اللهِ..
إذا لم يدخلْ صيفُ جبينكَ في أبراج الصحوِ، وتشرقُ – سيدي- عيناك؟..
وهل سيّدٌ يأخذُ خُضْرتَهُ من أشجانِ الطَّف – سواكْ -
ويخرجُ جارحاً مُضاءً كالسيفِ، يُنقّطُ بالأشجارِ سطورَ الرملِ،
يُبلّلُ صدرَ الليلِ الظامئِ بالأضواءِ، ويلهجُ فوقَ جبينِ الصبحِ العاشقِ بالدعواتْ؟؟
يجترحُ الفَرحَ المرصودَ.. ويهتِفُ في طوفانِ الخُضْرةِ أن يأتي، إلا أنتْ؟
لا موئلاً، صابراً، مرشداً للوريدِ بأمرِ القلبِ، عاشقاً، معشوقاً أعرفُ
يستوطن ذاكرةَ الأشعارِ ويستعمرُ بالجرحِ النازف ذاكرتي، إلا أنتْ!
أنت اللحنُ الألقيُّ في المساءاتِ تزيِّنُها، وباسمكَ تبدأُ ثانيةً أزمنةُ الخصبْ،
النَرجسُ يُبْصرُ صورتَهُ في ماء يديكْ،
ويأوي الطيرُ إلى شرفةِ فجرٍ عسليٍ.. في موطنِ عينيك الرحبْ.
يا سيِّداً على الروحِ المضمَّخةِ بالأريجِ..
يا معشوقاً يدخلُ ليلَ مضيقِ الرّوحِ الحائرِ ويوِّسعُ للأعيادِ الدربْ!
ها أنذا أصعدُ باسمِكَ في شَفةِ الأمطارِ،
أمزِّقُ كلَّ ثيابِ الصمتْ، افتتحُ الزمنَ المائيَّ..
وها أنذا أصرُخُ كالإعصارِ.. بأعلى أصواتِ العشّاقِ المنفيين وصوتي،
لا أحدَ يقوى أن يسندَ أسوارَ الزّمنِ المائلِ في روحي.. إلا أنتْ!
يا سيداً.. ملاكاً تَتَهجَّـدُ في محرابِ كفيهِ الأزهارُ..
ويصحو الفجرُ على لحنِ حميمِ ندائه!،
يا أجملَ من مطرٍ يتكوكب فوق الليلِ،
ها أنذا أنهضُ – قبل ولوعِ الفجرِ- أسافِرُ في أعيادِ الزهرِ..
أعانقُ ناري.. وأنتظركَ.. أزاولُ العشق الروحيَّ وأحبكَ!!..
ها أنذا أقرأُ أسفارَ العاشقينَ على بابِ النبوّاتِ
وأتلو سورةَ الدهرِ كرمى لحضرةِ الوهَجِ في عينيكَ..
ثم أُعلِنُ أنَّ القلبَ بلا رؤاكَ عذابْ.. وأنَّ السعيَ لغيرِ حنانِكَ سفرٌ خلفَ السرابْ..
وأن الصوتَ بلا تكبيرةِ شفاهكَ هواء..
وأن النهرَ من دون مجدافِ عزمكَ يبحرُ في عبابِه.. مسمى نهرٍ فارقَهَ الماء.
