إقليميات

صفعةٌ استخباراتية إيرانية تفضح النووي الإسرائيلي وتدحض اتهاماتها!

بقلم زينب عدنان زراقط

 أم ما يضجُّ به الإعلام عن خطورة نشوب “حرب نووية” إثرَ ضربة مُرتقبة من إسرائيل على إيران؟.. في وقتٍ قد وصل فيه الملف النووي الإيراني – الأمريكي إلى ذروته وتزامُناً مع إعلان إيران عن أخطر ضربة استخباراتية ضدّ إسرائيل تفضح مخططاتها التخريبيّة في المنطقةِ وخبايا نشاطها النووي غير المُصرّح عنه وتحجبه عن مرأى العالم…؟. ولكن عن أيّ سلاح نووي إيراني يتحدّثون والوكالة الدولية للطاقة الذرية IAEA تؤكّد سلمية تخصيبها؟!.

هل الولايات المتحدة ومعها إسرائيل وحلفاؤهم يشنون حرباً نفسية إعلامية كبيرة على إيران ولبنان مع إمكانية اقتراف حماقة بعمل عسكري ضدّ المُفاعلات النووية في طهران لتشكيل ضغط على الوفد الإيراني المُفاوض في ملف الاتفاق النووي مع أمريكا وكيف ردّت إيران على هذا التهديد؟.

التخصيب الإيراني معترف به لدى الوكالة الدولية للطاقة الذرية

كُل ما يتم تداوله في الإعلام وعلى مسمع العالم عن الخطر المُحدق من امتلاك إيران لأسلحة نووية والشُغل الشاغل لإسرائيل هو أن تستشيط ذُعراً وتستنجد بأمريكا كي تُبقي الضغط والحصار متواصلاً على طهران كوسيلة ضغط من تطوّر نفوذها العسكري وزيادة نسبة تخصيب اليورانيوم في مُنشآتها. فهل سأل أحدهم عمّا تُخفيه إسرائيل من نشاطٍ نووي، فهناك مُفاعل ديمونا الذي سبق أن هدده شهيد حزب الله الأقدس السيد حسن نصر الله وتوفّر كل المعلومات الجغرافية حوله، ولكن على شاكلة هذا المُفاعل وغيره يوجد الكثير وهي محظورةٌ على الإعلام والعلن ولا أحد يجرؤ على التطرق لها، إلى أن ضاقت إيران ذرعاً من التهديد الإسرائيلي وأعربت عمّاُ تُخفيه إسرائيل أنه آن له أن يُعلن عنه.

في أكبر ضربة استخباراتية ضد إسرائيل، كشفت وسائل الإعلام الإيرانية الرسمية عن حصول جهاز الاستخبارات الإيراني على آلاف الوثائق الحساسة ومقاطع الفيديو المتعلقة بالمنشآت النووية الإسرائيلية، والتي تم نقلها إلى إيران بعد عملية سرية استغرقت وقتاً وجهداً كبيرين لضمان نقلها بأمان.

إسرائيل لم تعترف يوماً رسمياً بامتلاكها أسلحة نووية، بينما الولايات المتحدة تعي ذلك وتتستر عليها. فجاء الرّد الإيراني على التهديدات الإسرائيلية بالمستوى نفسه، وأنَّ “أي هجوم إسرائيلي على المفاعل الإيراني قد يواجه برد إيراني مماثل”، خصوصاً في ظل التطور في قدرات الصواريخ الإيرانية واليمنية التي أثبتت قدرتها على تجاوز منظومات الدفاع الجوي الإسرائيلية.

جاء هذا الكشف الإيراني في ظل التوترات المتصاعدة حول الملف النووي الإيراني والتفاوض الجاري مع الولايات المتحدة، ما يُشكل ورقة ضغط استراتيجية، غير أنّه لم تقم إسرائيل أو الولايات المتحدة بالتعليق المباشر على هذه الأنباء، ما قد يفتح الباب أمام التكهنات حول تأثيرها على التفاوض والسياسات الإقليمية، في ظلّ حملة التهديد الأمني التي تشغل الإعلامي الأمريكي والإسرائيلي – وللأسف الإعلام الخليجي – لتشكيل ضغط على إيران وتهديد لبنان والعراق.

الرئيس الايراني مسعود بزشكيان قال في هذا الصدد إنه “لا قنبلة نووية لإيران والمفاوضات وفق سياسة قائد الثورة مشدداً على أن ايران تملك الحق في إجراء أبحاث نووية، وأن المفاوضات مع الغرب تتم وفقاً لتوجيهات قائد الثورة”.

كذلك أصدرت ست دول – الصين، وروسيا، وبيلاروس، وفنزويلا، وكوبا، ونيكاراغوا -، بياناً مشتركاً دعماً لمواقف الجمهورية الإسلامية الإيرانية خلال اجتماع مجلس محافظي الوكالة الدولية للطاقة الذرية.

وجاء في البيان:

“نُذكّر بالتزام إيران الطويل الأمد بعدم الانتشار النووي، بصفتها عضواً في معاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية (NPT)، ونؤكد على ضرورة أن يحترم باقي الأعضاء بشكل كامل حق إيران في الاستخدام السلمي للطاقة النووية بموجب المعاهدة”.

 أمّا ما يثير السخرية، على الرغم مما يقترفه الإسرائيلي من تهديدات لإيران، هو أنه سبقَ وأن زعم الموساد الإسرائيلي بقيامه بعملية استهدفت أرشيف البرنامج النووي الإيراني في 2018، وفي شهر أبريل من السنة نفسها، كشف رئيس الوزراء الإسرائيلي آنذاك بنيامين نتنياهو تفاصيل العملية، مدعياً أن الوثائق تكذب ادعاءات إيران حول نواياها النووية. إلا أنّ الوكالة الدولية للطاقة الذرية كذّبت بدورها مزاعِمَ إسرائيل، ومنذ ذلك الحين كان نشاط إيران تحت إشراف الوكالة التي تؤكّد سلمية برنامجها النووي وشرعية تخصيب اليورانيوم بنسبة 60%، ونفت وجود أدلة على أهداف عسكرية، وخصوصاً أنها عضو بمعاهدة حظر الانتشار. بينما يقول رئيس منظمة الطاقة الذرية الإيرانية “محمد سلامي”، إنه “بناءً على أدلة موثوقة تم الحصول عليها، فإن إحدى الدول الأوروبية، بالتعاون مع إسرائيل، تقوم حالياً بصناعة قنبلة نووية”. فمن أولى بالتصديق، من لا حجة لديه ويفرض رأيه باستبداده أم من الحجة والبرهان بيده ويفرض رأيه بالمنطق؟.

أهمية العملية الاستخباراتية الإيرانية

تُشكّل العملية الاستخباراتية الإيرانية في هذا التوقيت تحديداً عوامل قوّة ومُمانعةٍ لصالحها وهي كالآتي:

أ‌- التوازن النووي والسياسي في الشرق الأوسط: الكشف الإيراني عن السيطرة على معلومات حساسة إسرائيلياً يشكل تهديداً استراتيجياً يضغط على إسرائيل ويدعو أمريكا لإدارة الملف النووي بحذر بالغ لمنع انزلاق المنطقة إلى مواجهة نووية تمتد عواقبها الإقليمية والدولية.

ب‌- الاستخبارات كأداة ضغط في المفاوضات الدبلوماسية: تسريب هذه الوثائق في هذا التوقيت لا يبدو مصادفة بل رسالة سياسية موجهة إلى واشنطن وتل أبيب مفادها أن إيران تمتلك أوراقاً قوية قد تؤثر على مجريات المفاوضات النووية، ما يزيد من تعقيد الملف ويجعل المسار تفاوضياً ذا رهانات متبادلة.

ت‌- التكتم والتعليق الرسمي الإسرائيلي والأمريكية: عدم الرد الصريح من الطرفين على هذه الاتهامات والاكتفاء بالتكتم يشير إلى حجم وصعوبة الأزمة، كما قد يعكس قلقاً داخلياً من كشف ثغرات أو امتلاك الخصم لقدرات استخباراتية متقدمة لا يمكن الاستهانة بها.

ث‌- احتمال تصعيد نووي: التهديدات الإيرانية بالرد على أي هجوم على منشآتها النووية بضرب مواقع إسرائيلية مشابهة يفتح الباب أمام سيناريوهات تصعيد خطيرة، تعيد إلى الأذهان مخاطر الحرب النووية في المنطقة، ما يستوجب حواراً إقليمياً ودولياً لاحتواء الشرارة.

ومن المعلومات التي تمّ الإعلان عنها حول التسريبات الإسرائيلية الحساسة بيد الأمن الإيراني والتي تكشف شبكات تجسس وعمليات تهريب معلومات سرية أهمّها:

أولاً: الأشخاص

1- تحديد 23 جاسوساً بارزاً من عملاء الكيان الصهيوني، من بينهم مدراء حسابات حساسة ومؤثرة للكيان على مواقع التواصل الاجتماعي.

2- كشف شبكة المصادر والمرتبطين بالكيان في كل من إيران، لبنان العراق الأردن تركيا، مصر، الكويت، الإمارات قطر البحرين، السعودية، عمان، اليمن، وسوريا.

3- كشف هوية شخصية نافذة تُعدّ حجر الأساس في اختـراق مؤسسات داخل إيران.

ثانياً: الوثائق والمعلومات

1- بيانات 6 ملايين مستخدم على فيسبوك، تويتر، إنستغرام وتلغرام داخل الكيان الصهيوني.

2- معلومات سرية تتعلق بأنظمة: المياه، الكهرباء، الاتصالات، النقل، البريد، والخدمات الصحية والطبية.

3- بيانات 400 ألف ملف قضائي وجنائي وأمني وقانوني تخص الجهاز القضائي.

4- معلومات عن السجون، المساجين، والجرائم المرتبطة بهم.

5- ملفات سرية حول الاضطرابات والأمراض النفسية والجسدية لبنيامين نتنياهو وزوجته سارة، بما في ذلك سجلات طبية شهادات قضاة وأطباء، وقضايا رشوة وتهديدات ضد الشاكين لسحب بلاغاتهم.

6- معلومات عن شبـكات فساد تتضمن تهريب أعضاء بشرية، توزيع الماريجوانا، واستغلال جنسي لنساء من أصول روسية.

7- معلومات مالية ومصرفية وبنكية وتأمينية واسعة النطاق بيانات مسروقة من المكتب الخاص لنتنياهو، تشمل 6 أقـراص صلبة (4 تيرابايت لكل منها) و1720 وثيقة سرية.

8- معلومات حساسة وخاصة عن 23 من قادة المعارضة في الكنيست تتضمن كاميرات خفية في الحمّامات وغرف النوم والمنازل، وهجمات سيبرانية على هواتفهم وحواسيبهم الشخصية، استخدمت للابتزاز من داخل مكتب نتنياهو.

9- أرشيف سري لجهاز الموساد.

ثالثاً: البرامج السرّية للكيان الصهيوني

1- البرنامج النووي، بما فيه خارطة طريق خطيرة لمدة 4 سنوات في المجال النووي.

2- معلومات عن المواقع والمنشآت والبنية التحتية والمرافق والعمليات الخاصة بالصناعة النووية العسكرية للكيان.

3- برنامج استيراد الأسلحة من الولايات المتحدة، بما يشمل حجم المخزون ومواقع التخزين في مستودعات سرية.

4- وثائق تثبت رشوة أربع شخصيات بارزة من العالم العربي لدعم مشروع “اتفاقات أبراهام” للتطبيع.

رابعاً: الصور والفيديوهات

1- آلاف الصور الجوية عالية الدقة تغطي جميع مدن ومرافق الكيان وبناه التحتية.

2- 40 ألف ساعة تسجيل من كاميرات مراقبة لأماكن سياسية وأمنية وعسكرية وحكومية حساسة داخل الكيان.

3- فيديو مسرب يظهر خلافات حادة بين نتنياهو وبعض نواب الكنيست، والذي تم حذفه لاحقاً من جميع أرشيفات النظام الصهيوني.

ويُقال إنَّ هذه ليست سوى جزء بسيط من المعلومات التي تم الحصول عليها والعملية لاتزال مستمرة.

في الختام، إنّه لمن المعلوم أنّ أمريكا إذا ما أبرمت الاتفاق النووي مع إيران، يعني ذلك رفع الحصار الاقتصادي عنها وتحرير حوالي مئة ونصف مليار دولار أمريكي المحتجزة لها في الخارج وازدهار التجارة، وهذا بالطبع لا تريده أمريكا، بل هي فقط تتبع صيغة المُراوغة والخداع والمماطلة لأجل الوصول إلى ما بلغناه من الاتهام زوراً لإيران والافتراء عليها!. أما رسائل التهديد للبنان والعراق، والأوامر المعطاة للقواعد الأمريكية في البلدان الخليجية، وهذا الصخب الإعلامي كلّه فقد جاء بعد ما بلغ الاتفاق النووي الإيراني ذروته مع أمريكا، وعقب ما أعلنه الجهاز الاستخباراتي الإيراني عمّا حصّله من معلومات تشكّل أكبر ضربة لإسرائيل، كلّها تصبّ في موضع الترويع واتّباع سياسة البطش للتمكّن وهذا دوماً ما لا ترضخ له جبهة المُمانعة بل وتزداد صلابةً.

على كُلٍ، يبقى عنوان “الحرب النووية” شطراً عريضاً ومتطرّفاً جداً، يجرُّ المنطقة كلّها لما لا يُحمد عُقباه، حيث لا يُبقي ولا يُذرّ، يُباد فيه البشر والحجر وتُعدم الحياة الطبيعية لعقود وربما قرون… فهل تعي أمريكا وإسرائيل أن الصوت المرتفع لا يعبّر عن قوّة بل هو منطق الجهل، وتلجمها حساسية ما بحوزة إيران من معلومات استخبارية ويردعها عن الغوغائيةِ بالتهديد والوعيد ويتم التفاوض مع الجمهورية الإسلامية ويضع حلاً جذرياً لكامل المنطقة؟.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *