“إسرائيل” في مواجهة قوافل كسر الحصار عن غزَّة
بقلم توفيق المديني
منذ أن فرض الكيان الصهيوني الحصار المشدّد لأول مرَّة على غزَّة من كافة أرجائه، في سنة 2007، وهو يواجه التحركات الشعبية من مختلف دول العالم المندِّدَة لهذا الحصار، وكذلك قوافل كسر الحصار البحرية والبرية التي كانت تحمل معها الأدوية والمواد الغذائية، والمعدات الطبية اللازمة للقطاع لكسر الحصار، بالقوة العسكرية من قبل جيش الاحتلال الصهيوني..
وقد وصلت إلى حد قتل المتضامنين، كما حصل في سفينة مرمرة التركية، والتي استشهد 10 من المشاركين فيها، في المياه الدولية قبل الوصول إلى قطاع غزة.
وإذا أحصينا سفن كسر الحصار عن غزَّة منذ العام 2007، فإنَّنا نجدها قد وصلت إلى العدد 36، وكانت آخر مبادرة سفينة “مادلين”، التي أبحرت من إيطاليا بداية يونيو/حزيران 2025، حاملةً على متنها ناشطين بارزين في العمل الإنساني والنضال العالمي، وقد غامروا لكسر الحصار المفروض على قطاع غزة وتنبيه العالم إلى جرائم حرب الإبادة الصهيونية بحق الشعب الفلسطيني. غير إنَّ جيش الاحتلال الصهيوني تعامل مع سفينة “مادلين” بِرَدٍّ عسكريٍّ عنيفٍ، في رسالة واضحة تعكس خشية إسرائيل تحوّل هذه المبادرات إلى نموذج يحتذى به.
قافلة الصمود المغاربية
تٌعَدُّ قافلة “الصمود” المغاربية أول قافلة عربية لكسر الحصار على غزَّة، وتضم قرابة 20 حافلة وزهاء 350 سيارة تقل نحو 1500 من المتضامنين من تونس والجزائر والمغرب وموريتانيا وليبيا. فقد انطلقت هذه القافلة في وقت سابق من الأراضي التونسية، ووصلت إلى مدينة الزاوية الليبية، محطتها الأولى داخل الأراضي الليبية، وستتجه لاحقاً صوب العاصمة طرابلس ومنها إلى مدينة مصراتة، لتبدأ رحلتها بعد ذلك نحو شرق ليبيا وصولاً إلى معبر “امساعد” الحدودي بين ليبيا ومصر، ثم إلى القاهرة، ثم معبر رفح في 15 من الشهر الجاري.
ويؤكد منظمو القافلة أنَّها لا تحمل مساعدات أو تبرعات ولكنَّ هدفها المشاركة في الحراك العالمي لكسر الحصار على غزة. وأعلن منظمو “قافلة الصمود” المغاربية لفك الحصار عن قطاع غزَّة، أنَّه من المرتقب وصول القافلة البرية إلى العاصمة المصرية القاهرة، الخميس 12حزيران/يونيو الجاري، بينما تصل مدينة رفح المصرية الحدودية، الأحد الذي يليه.
وأكد المنسق الطبي للقافلة محمد أمين بالنور: “القافلة برية تضامنية شعبية، انطلقت من ناشطين يعملون من أجل القضية الفلسطينية منذ سنوات، وبدأت المبادرة من تونس ثم توسعت لتصبح مبادرة مغاربية تضم مواطنين من تونس الجزائر والمغرب وموريتانيا، ثم يلتحق الإخوة من ليبيا ومصر.
على نقيض تهافت بعض الحكام المغاربيين على إسماع زوارهم ووزرائهم أنَّه لا بد من التوصل إلى اتفاقات ثنائية مع “إسرائيل” كما هو الحال مع النظام المغربي الذي وقع “اتفاقيات إبراهيم” مع الكيان الصهيوني سنة 2020، وأنَّ “التبادلَ الحرَّ” معه صار شرطاً أساسياً لتكريس العلاقات مع أوروبا الغربية و الولايات المتحدة الأمريكية، والتنعم بحسنات “التبادل الحر” مع أوروبا التي تستأثر بالأساس بمعظم تجارة دول المغرب العربي، والالتحاق جزئياً بالقطار الأمريكي، كانت شعوب المغرب العربي تنظر إلى الكيان الصهيوني بوصفه احْتِلاَلاً إحْلاَلياً اغتصب أرض فلسطين التاريخية، ويعمل الآن منذ حرب الإبادة على غزَّة المستمرة منذ عملية طوفان الأقصى في 7أكتوبر 2023، ولغاية الآن، على انتهاج سياسة القتل والتجويع الوحشي للفلسطينيين بهدف اقتلاعهم من أرضهم، وتهجيرهم من غزّة، وتقديمها للرئيس الأمريكي ترامب كهدية ، لكي يقيم فيها الريفيرا التي يحلم بها على شاطئ البحر المتوسط. والحال هذه تعبر قافلة الصمود عن مواقف الشعوب المغاربية المناصرة للقضية القضية الفلسطينية، والداعمة بقوة لكل حركات المقاومة الفلسطينية والعربية التي تخوض الصراع المسلح ضد جيش الاحتلال الصهيوني على مختلف جبهات القتال في داخل فلسطين المحتلة ومحيطها.
موقف النظام المصري المخزي
بدلاً من تسهيل السلطات المصرية مهمة قافلة الصمود المغاربية، ودخول أكثر من أربعة آلاف متضامن دولي من 54 دولة حول العالم، من بينهم وفد برلماني أوروبي، يعتزمون التوجه إلى مدينة العريش ثم إلى معبر رفح للمشاركة في اعتصام سلمي يوم الأحد الموافق 15 يونيو 2025، ضمن فعاليات المسيرة العالمية من أجل غزة، والوقوف إلى جانب الشعب الفلسطيني في وجه سياسات الاحتلال القائمة على العقاب الجماعي والتطهير العرقي والتهجير القسري، قامت القوات الأمنية المصرية باحتجاز عشرات التونسيين والفرنسيين والجزائريين، بمطار القاهرة لمشاركتهم بقافلة الصمود المتجهة إلى غزَّة.
وكانت الشرطة المصرية اقتحمت فندق داون تاون وفندقاً آخر وسط القاهرة، حيث يقيم أعضاء الوفد الفرنسي المشارك في القافلة، قبل أن ينقطع الاتصال بهم. وفي وقت سابق كشف موقع مدى مصر، أن سلطات مطار القاهرة بدأت بالفعل في توقيف وإعادة عدد ممن قدموا للمشاركة في المسيرة، بينما تم ترحيل آخرين كانوا قد وصلوا إلى مصر بالفعل.
ونقلت عن المحامية الجزائرية فتيحة رويبي، إنَّ الأمن المصري يحتجز منذ صباح الإربعاء40 جزائرياً منعهم من دخول مصر عقب وصولهم إلى مطار القاهرة للمشاركة في المسيرة، بينهم ثلاثة محامين. كما أعادت سلطات مطار القاهرة أكثر من عشرة أشخاص من الوفد المغربي، وصلوا اليوم بهدف المشاركة في المسيرة، فيما تم ترحيل مواطنين من تركيا كانوا قد وصلوا إلى القاهرة للمشاركة في المسيرة، بعدما تم رصدهم يحملون أعلام فلسطين خارج فندق إقامتهم. وفي وقت سابق قالت منصة رصد التونسية إن أمن مطار القاهرة يحتجز وفداً نسائياً تونسياً قادماً للمشاركة في قافلة الصمود.
وفي أول تعليق رسمي، أصدرت وزارة الخارجية المصرية، بياناً، الأربعاء12 حزيران/يونيو2025، حول ما يُعرف إعلامياً بـ “قافلة الصمود” المتجهة إلى قطاع غزة المحاصر، عبر معبر رفح، مؤكدة أنه: لا يُسمح لأي وفد أو قافلة بعبور الأراضي المصرية نحو رفح، إلا عبر التنسيق المسبق مع الجهات الرسمية، وبما يراعي الإجراءات الأمنية المعمول بها في المناطق الحدودية الحساسة. وشدَّدَت الخارجية المصرية على أنّ: “تنظيم الدخول إلى أراضي الدولة يتم وفقاً لقواعد وضوابط قانونية وأمنية محددة، تشمل الحصول على الموافقات اللازمة عبر القنوات الدبلوماسية المعتمدة”. وأضاف البيان، أنّ: “مصر تثمّن مشاعر التضامن العربي مع الشعب الفلسطيني، وتقدّر المبادرات الإنسانية، لكنها ترفض تجاوز الإجراءات المنظمة لهذا التضامن”.
وبحسب البيان ذاته، شدّدت مصر على موقفها الثابت الداعم لصمود الشعب الفلسطيني على أرضه، والرافض للانتهاكات الإسرائيلية الصارخة للقانون الدولي والقانون الدولي الإنساني، فيما تؤكد على “أهمية الضغط على إسرائيل لإنهاء الحصار على القطاع والسماح بالنفاذ الإنساني من كافة الطرق والمعابر الإسرائيلية مع القطاع”.
هاجم إعلاميون وكتاب مقربون من النظام المصري قافلة الصمود المغاربية البرية التي من المرتقب وصولها إلى العاصمة المصرية القاهرة، اليوم الخميس. وقال الإعلامي المصري أحمد موسى في منشور على إكس، “اليقظة مطلوبة من الجميع لمواجهة هذا الفخ الذي يستهدف وضع مصر في موقف محرج للغاية، سواء سمحت بالدخول او منعت القافلة، وتداعيات ما قد يحدث والحملات المجهزة سلفا ضد الدولة المصرية”.
وأضاف، “هل القافلة ستنقذ غزَّة أم هدفها الشو الإعلامي، الموضوع ليس سهلا بل مخطط بعناية والهدف هو إحراج مصر وليس إسرائيل، ولو افترضنا وصولهم رفح ورفض جيش الاحتلال دخولهم غزة مثلما رفض وصول السفينة مادلين شواطئ غزة واعتقل كل من عليها بمن فيهم نواب في البرلمان الأوروبي، هل سيعود هؤلاء النشطاء لبلدانهم أم سيحولون منطقة الحدود مع فلسطين لقنبلة موقوتة وبؤرة للأحداث والضغط على مصر”.
في مواجهة هذا التضليل الإعلامي من جانب أجهزة النظام المصري، يقول المنسق الطبي لقافلة الصمود المغاربية محمد أمين بالنور (هو طبيب جراحة عظام وكسور تطوع للعمل في مجمع ناصر الطبي والمستشفى المعمداني بقطاع غزة بين منتصف كانون الأول/ ديسمبر ومنتصف كانون الثاني/ يناير الماضيين): “القافلة برية تضامنية شعبية، انطلقت من ناشطين يعملون من أجل القضية الفلسطينية منذ سنوات، وبدأت المبادرة من تونس ثم توسعت لتصبح مبادرة مغاربية تضم مواطنين من تونس الجزائر والمغرب وموريتانيا، ثم يلتحق الإخوة من ليبيا ومصر”.
وأضاف بالنور: “هذه قافلة صمود لمناصرة غزة ومناصرة شعب الجبارين، فكل العالم يتفرج على أعمال الإبادة، والحكومات لم تقم بما عليها، وآن الأوان للشعوب أن تتحرك، فإلى متى العالم يصمت؟!”.
وتابع: “القافلة ليست سياحية، بل نضالية، وكل من فيها يخرج بصدر عار، ينشد الكرامة لمناصرة إخوتهم في غزة وفلسطين بصفة عامة”.
هل لا تزال قضية فلسطين قضية قومية؟
في كل مرّة يحصل عدوان على الشعب الفلسطيني في غزَّة، تتعالى الأصوات العربية، لا سيما من أوساط شعبية، ومن أحزاب سياسية وطنية تندد بهذا العدوان الصهيوني أو ذاك، لكنها تظل ردود أفعال يائسة لا تغير من الأمر شيئاً في واقع الصراع العربي – الصهيوني، حتى بعد أن انطلقت ما بات يعرف في الخطاب السياسي العربي “ثورات الربيع العربي”، إذ إنَّ هذه الثورات لم تطرح قضية تحرير فلسطين ومجابهة العدو الصهيوني على برنامج جدول أعمالها.
في ظل هزيمة الحركة القومية العربية وتقهقر الحركة الاشتراكية على اختلاف تياراتها، وتعمق الطلاق التاريخي بين المجتمعات العربية والأنظمة القائمة، برزت إلى الواجهة السياسية والنضالية الحركات الإسلامية الجهادية (حزب الله، وحركة الجهاد الإسلامي، وحركة حماس: كتائب عز الدين القسام، وأخيراً الحوثيين)، التي قدمت توجهاً إسلامياً جهادياً “ثورياً” مناهضاً للعدو الصهيوني، وللإمبريالية الأمريكية.
وبعد أحداث 11 أيلول/سبتمبر 2001، انتشرت في “إسرائيل” انتشاراً كبيراً القناعة الإيديولوجية التالية أن الدولة الصهيونية أصبحت تمثل “خطّ تماس دامٍ” بين الغرب والشرق، بين الحضارة “اليهوديّة المسيحية” – وهذا اختراع غريب إذا ما اطّلعنا على تاريخ الديانتيْن…- والحضارة الإسلاميّة. ولقد اعتبرت التيارات الأصولية المسيحية والصهيونية أنَّ “إسرائيل” هي “موقع أماميّ للعالم الحرّ”. وإذا كانت “إسرائيل” قد اكتسبت هذا المكان المميّز في الغرب، فذلك لأنّ الدولة الصهيونية تُعتبَر إرادة إلهية. وقد حوّل ذلك الصراعَ العربي – الصهيوني، الذي كان في البدء ميدانياً وإذاً سياسياً، إلى مواجهة ثقافية ودينية بين الغرب والإسلام.. إنه خطرٌ داهمٌ على العالم أجمع، انتشار نهج “صدام الحضارات” الذي يمتص طبيعة المشكلات المتعلقة بالأرض والسيادة والمواطنية والاستيطان والتحرر والثروة والفقر والتنافس بين الأديان والفجوة الثقافية، ويحوّر فيها، وكلها مجسَّدة في الصراع العربي الصهيوني. من وجهة نظر الدولة الوطنية العربية المعاصرة المناهضة للاستعمار الغربي، والكيان الصهيوني، لا تزال قضية فلسطين قضية قومية عربية، لا قومية سورية أو فلسطينية. وهذا يعني أن احتلال فلسطين، ليس اعتداء على فلسطين حدود سايكس -بيكو، ولا على سكان فلسطين الذين صورتهم خريطة الاحتلال البريطاني، إنَّه اعتداء على العالم العربي كله، إذا اعتبرنا العالم العربي واحداً، والأمة العربية واحدة، على رغم حدود سايكس – بيكو وكل حدود الاحتلال الاستعماري.
والمشروع الصهيوني لم يقم من أجل فلسطين، بل قام فيها ليحقق أهدافه العربية، ومنها تثبيت التقسيم الإمبريالي، وحفظ المصالح الإمبريالية الأمريكية، ومنع تحقيق الوحدة القومية والتحرر السياسي والاجتماعي. وبالتالي، فإنَّ تحرير فلسطين ليس شأناً فلسطينياً، إنَّه شأنٌ عربيٌّ.
لقد كان من صلب المشروع الإمبريالي – الصهيوني، أن تتعامل قيادات الأقطار العربية مع كل قطر باعتباره وطناً، وأن تتعامل قيادات الطوائف كل باعتبار طائفتها “وحدة تامة”، فإذا ما انسجمنا مع هذا المطلب، انسجمنا مع المخطط الامبريالي الأمريكي – الصهيوني. إنَّ الحل الصحيح هو الحل القومي، والحل القومي يجب أن يغلب، لأنَّه الحل الوطني الوحيد. أما الحل القطري فهو التصفية، وهو ليس حلاً وطنياً. فما معنى أن يتغلب الحل القومي؟ إنَّ هذا يعني:
أولاً: إنَّ تحرير فلسطين مهمة قومية عربية، وإنَّه من مسؤولية كل مواطن عربي، وكل حزب عربي وطني، وكل قوة قومية. وإنَّ هذا يعني أن يوضع التحرير في موقعه من المهمات القومية، وباعتباره هدفاً رئيساً، لا يعلو عليه أيَّ هدفٍ آخر، من حيث الأهمية. وأنَّ كل الإمكانات يجب أن تسخر لتحقيقه.
ثانياً: إنَّ أيَّ عملٍ في فلسطين لتحرير فلسطين، يجب أن يكون جزءاً من هذا العمل الكبير، لا خارجه، ولا بموازاته، حتى يأخذ بعده القومي، وقوته القومية، وحتى لا يتحول إلى عمل طفولي أخرق، أو استسلامي ضائع.
خاتمة: لقد تمَّ قبرا لعمل القومي لتحرير فلسطين في مقبرة التاريخ، بعد سقوط الأنظمة القومية العربية جميعها في مصر والعراق وليبيا وسوريا، كما قَبَرَ نتنياهو حلَّ الدولتين، وبعد أنْ أصبحتْ جميع الدول العربية مع تصفية القضية الفلسطينية، ومنخرطة في عملية التطبيع مع الكيان الصهيوني بدرجاتٍ متفاوتةٍ من حيث التوقيت الزمني. ولذلك تحارب الأنظمة العربية المستسلمة والفاقدة لأي نزعة وطنية وقومية، أية سياسة جديدة تتبناها الشعوب العربية، تُنَاصِرُ المقاومة في غزَّة ولبنان واليمن والعراق، التي لا تزال تشهر البندقية المقاتلة في وجه الاحتلال الصهيوني، وتناهض سياسة الإمبريالية الأمريكية في العالم العربي، التي تمد آلة الحرب الصهيونية بمختلف أنواع الأسلحة من طائرات حديثة، وصواريخ، وقنابل ذات أوزان ثقيلة تخترق الطبقات الخراسانية تحت الأرض، من أجل إبادة للشعب الفلسطيني، وتصفية حركات المقاومة في غزَّة ولبنان واليمن.
