سيسيلُ من خمٍّ بُعَيْدَ بلاغ الرسولِ كوزٌ من عَسَلْ
بقلم غسان عبد الله
يا مياهَ الغديرِ.. سلَّمْتُكِ قِيادَ هذي الروحِ لأميري يعجِنُ روحي بماءِ الأفراح لولايتِه، وبعطرِ ملاكٍ تزيَّنَ لحضرةِ الأميرِ.. ولتأخذي شغَفَ هذي الرُّوحِ المتيَّمةِ بعلي.. لعليٍّ يضيء فجر الأكوانِ ببياض إبْطي رسول النور.. لعليٍّ يعْلِنُ بدايةَ الخَفْقِ لقلبي الكسيرْ..
سلَّمْتُكِ زمامَ العشق بيوم الغديرْ.. ولتخرجي من بئر ذاكرتي.. يا مياهَ الغدير.. خذي دَلْوَ المواسمِ، والحبالَ، جدائلَ الصّبّار من حلْقي.. خذي قيثارةً تبرْعَمَتْ.. خذي لوح الشَّرائع وامضغي فتاتَ الأسى.. لا تتركي وتَراً يخالِفُ لحنَ غناءكِ، أقيمي كبدوٍ عند خيامِ قصائدي..
يا مياهَ الغديرِ.. لي فرحتي وحدي ولي قَلبٌ تُدَقُّ عليه أوتادُ الغديرِ.. ولي دعاءٌ فاطِميٌّ أُشعِلُ أنغامَهُ، وأعضُّ قلبي، كي يسيل من غمامته، رضاباً علوياً وأطفئُ حُرْقَتي من أرْيِ نَحْلكِ، وأشْفي برْدَ أيامي بمائكِ الكوثري والتّويجَ الشَّاعريَّ من التَّداعي دونَكِ، اقتربي كأنَّك أنفاسي الملهوفةُ.!! أرجوحتي اذ اشتعلت، صارَ بوسعكِ التَّحليقُ بهيامي..
يا مياهَ الغدير.. أعيدي جنَّةً نُهبَتْ، أعيدي البرقَ نحو غريزةِ الأمطارِ.. ها أنت ستُرجعينَ الوقت بعد فساد لحظاتِهِ.. وها أنتِ ستقطعين الرّيحَ أصنافاً.. ها أنتِ ماثلةٌ، ولو سافرْتِ أجيالاً، وباردةٌ، ولو أُضْرِمْتِ نيراناً، وغزيرةٌ، هلا أشرَقْتِ بفضاءِ هذا الأفْقِ، مياهٌ من النميرِ المحمَّديِّ لا يجفُّ ولو أُضْرِمَتْ على ضفافِهِ كلُّ الحرائق، كم مرَّ رَواؤُكِ فوق أشجاري وكم أذَّنتِ في أفراحِ فردوسي، وشيَّعتِ الأحزانَ نحو عزلتها، وأشعلتِ الضراعةَ في عيوني.. كم كنتِ خلف خمٍ شاهقةً، مع الأنسامِ راقصةً، وكانت كلُّ أحصنتي تخبُّ مسيرها بترابِ ميدانِ الأفرحِ.. ثقُلَتْ موازينُ الشفاعةِ يا مياهَ الغديرِ بيومكِ.. أعطيتِ لقلبي عشقاً فريداً أدرتِ له الزَّوارق من غرامي.. ورشوتِ عاتياتِ العواصف لا تهبُّ عليه قلتِ لحارسِ الأمواج بارِكْهُ.. جعلتِ الصَّولجان لي لأخطُرَ كالأمير على القصائدِ والأبجديات..
ترى مَنْ ترجَّل عن كواكبه يقبِّلُ تحت أقدام الأميرِ التُّرابا؟.. من شقَّ نهرَ الفجر بين يديَّ شاءَ لي الحضورَ ولمَّ عن يدي الغيابا.؟ ها أنتِ.. مياهٌ نورانيَةٌ.. أنتِ الفراشةُ في براءةِ برعمِ الزهور.. سيسيلُ من خمٍّ بُعَيْدَ بلاغ الرسولِ كوزٌ من عَسَلْ.. سيجتمعُ قفيرٌ من نحلِ جنان الله عليهِ سيُشِعّ في جنبيك عند عليٍّ نهارٌ تسبَحُ الأفلاكُ فيه..
يا مياهَ الغدير.. هل سمِعْتِ همساتِ القوم.. هل وافاكِ صوتٌ من جانب الطور الأيمنِ يهتفُ بكَ يا علي.. بكَ يا علي..
سيدي.. يا علي.. ها هُنا..، قمرٌ، هطَلَتْ دمعتاهُ، على فسحةِ يديكَ ِضَوئينِ مِنْ شَغَفٍ واشْتعالْ!.. قمرٌ، يدْخلُ القلْب َمُتَّحداً بهواكَ الشَفيفٍ.. يغني.. ويغفو، على نخْلةِ الرُّوحِ مُرْتعشاً في التِّلالْ!.. يا شراعاً منَ الحُبِّ والبَرْق ِخذني إلى النُّورِ عند ذيَّاكَ كَيْلا أَمُوتَ أسىً وارتحالْ!!..
يا إبائي الذي منْ صلاة.. ها دمي سارحٌ ومُباحٌ وروحي قطاةٌ تطيرُ إلى قمَّةٍ قبلَ أنْ تَرْتمي في الرّمالْ!.. ها أَرى ضوءَكَ العَذْبَ، يُسْقطني كالفَراشةِ ولْهانَةً.. ثم يَصْعدُ بي كالغَزالْ.. يا إبائي، إبائي الذي منْ ضياءْ.. أنتِ قرَّبتْ من رؤايَ المدى، وأزَلْتَ المُحالْ!!..
سيدي.. ومولاي يا علي.. الليلُ يُشْعلُ قلْبي كما يُشْعلُ الحُبُّ كلَّ قناديلهِ في الخَفَاءْ!!.. يُشعلُ الليلُ أُغْنيتي ويَدَعني وحيداً أُلملمُ أَسْرارَ روحي وأُطلقُها قَمَراً للفَضَاءْ!.. كيفَ أَقْطَعُ هذا الفراغَ الرَّهيبَ إلى نبضِكَ المُتدفّقِ في عُشْبةٍ أَوْ مَسَاءْ؟!.. كيف يا روحي أمدُّ إليكَ، شراعَ المساءْ؟!!.
