أول الكلام

سيسيلُ من خمٍّ بُعَيْدَ بلاغ الرسولِ كوزٌ من عَسَلْ

بقلم غسان عبد الله

سلَّمْتُكِ زمامَ العشق بيوم الغديرْ.. ولتخرجي من بئر ذاكرتي..‏ يا مياهَ الغدير.. خذي دَلْوَ المواسمِ، والحبالَ،‏ جدائلَ الصّبّار من حلْقي.‏. خذي قيثارةً تبرْعَمَتْ.‏. خذي لوح الشَّرائع وامضغي فتاتَ الأسى.‏. لا تتركي وتَراً يخالِفُ لحنَ غناءكِ،‏ أقيمي كبدوٍ عند خيامِ قصائدي..‏

يا مياهَ الغديرِ.. لي فرحتي وحدي‏ ولي قَلبٌ تُدَقُّ عليه أوتادُ الغديرِ.‏. ولي دعاءٌ فاطِميٌّ أُشعِلُ أنغامَهُ،‏ وأعضُّ قلبي،‏ كي يسيل من غمامته،‏ رضاباً علوياً وأطفئُ حُرْقَتي من أرْيِ نَحْلكِ،‏ وأشْفي برْدَ أيامي بمائكِ الكوثري والتّويجَ الشَّاعريَّ من التَّداعي دونَكِ،‏ اقتربي كأنَّك أنفاسي الملهوفةُ.!!‏ أرجوحتي اذ اشتعلت،‏ صارَ بوسعكِ التَّحليقُ بهيامي..‏

يا مياهَ الغدير.. أعيدي جنَّةً نُهبَتْ،‏ أعيدي البرقَ نحو غريزةِ الأمطارِ..‏ ها أنت ستُرجعينَ الوقت بعد فساد لحظاتِهِ..‏ وها أنتِ ستقطعين الرّيحَ أصنافاً.‏. ها أنتِ ماثلةٌ، ولو سافرْتِ أجيالاً،‏ وباردةٌ، ولو أُضْرِمْتِ نيراناً،‏ وغزيرةٌ، هلا أشرَقْتِ بفضاءِ هذا الأفْقِ،‏ مياهٌ من النميرِ المحمَّديِّ‏ لا يجفُّ ولو أُضْرِمَتْ على ضفافِهِ كلُّ الحرائق،‏ كم مرَّ رَواؤُكِ فوق أشجاري‏ وكم أذَّنتِ في أفراحِ فردوسي،‏ وشيَّعتِ الأحزانَ نحو عزلتها،‏ وأشعلتِ الضراعةَ في عيوني.‏. كم كنتِ خلف خمٍ شاهقةً،‏ مع الأنسامِ راقصةً،‏ وكانت كلُّ أحصنتي‏ تخبُّ مسيرها بترابِ ميدانِ الأفرحِ..‏ ثقُلَتْ موازينُ الشفاعةِ يا مياهَ الغديرِ بيومكِ..‏ أعطيتِ لقلبي عشقاً فريداً‏ أدرتِ له الزَّوارق من غرامي.‏. ورشوتِ عاتياتِ العواصف لا تهبُّ عليه‏ قلتِ لحارسِ الأمواج بارِكْهُ.. جعلتِ الصَّولجان لي لأخطُرَ كالأمير على القصائدِ والأبجديات.‏.

ترى مَنْ ترجَّل عن كواكبه‏ يقبِّلُ تحت أقدام الأميرِ التُّرابا؟‏.. من شقَّ نهرَ الفجر بين يديَّ شاءَ لي الحضورَ‏ ولمَّ عن يدي الغيابا.؟‏ ها أنتِ.. مياهٌ نورانيَةٌ..‏ أنتِ الفراشةُ في براءةِ برعمِ الزهور.‏. سيسيلُ من خمٍّ بُعَيْدَ بلاغ الرسولِ كوزٌ من عَسَلْ.‏. سيجتمعُ قفيرٌ من نحلِ جنان الله عليهِ‏ سيُشِعّ في جنبيك عند عليٍّ نهارٌ تسبَحُ الأفلاكُ فيه.‏.

يا مياهَ الغدير.. هل سمِعْتِ همساتِ القوم.. هل وافاكِ صوتٌ من جانب الطور الأيمنِ يهتفُ بكَ يا علي.. بكَ يا علي..

سيدي.. يا علي.. ها هُنا..،‏ قمرٌ،‏ هطَلَتْ دمعتاهُ،‏ على فسحةِ يديكَ ِ‏ضَوئينِ‏ مِنْ شَغَفٍ‏ واشْتعالْ!.. قمرٌ،‏ يدْخلُ القلْب َمُتَّحداً بهواكَ الشَفيفٍ‏.. يغني.. ويغفو، ‏على نخْلةِ الرُّوحِ‏ مُرْتعشاً‏ في التِّلالْ!.. يا شراعاً منَ الحُبِّ‏ والبَرْق ِ‏خذني إلى النُّورِ‏ عند ذيَّاكَ كَيْلا أَمُوتَ أسىً‏ وارتحالْ!!..‏

يا إبائي الذي منْ صلاة.. ها دمي سارحٌ ومُباحٌ‏ وروحي قطاةٌ‏ تطيرُ إلى قمَّةٍ‏ قبلَ أنْ تَرْتمي‏ في الرّمالْ!..‏ ها أَرى ضوءَكَ العَذْبَ،‏ يُسْقطني كالفَراشةِ‏ ولْهانَةً..‏ ثم يَصْعدُ بي‏ كالغَزالْ.. يا إبائي،‏ إبائي الذي منْ ضياءْ.. ‏أنتِ قرَّبتْ من رؤايَ المدى،‏ وأزَلْتَ المُحالْ!!..‏

سيدي.. ومولاي يا علي.. الليلُ يُشْعلُ قلْبي‏ كما يُشْعلُ الحُبُّ‏ كلَّ قناديلهِ‏ في الخَفَاءْ!!.. يُشعلُ الليلُ أُغْنيتي‏ ويَدَعني وحيداً‏ أُلملمُ أَسْرارَ روحي‏ وأُطلقُها قَمَراً‏ للفَضَاءْ!.. كيفَ أَقْطَعُ هذا الفراغَ الرَّهيبَ إلى نبضِكَ المُتدفّقِ‏ في عُشْبةٍ‏ أَوْ مَسَاءْ؟!..‏ كيف يا روحي‏ أمدُّ إليكَ،‏ شراعَ المساءْ؟!!.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *