إعرف عدوك

حرب إسرائيل إيران.. انتهت ولم تستكمل

ترجمة وإعداد: حسن سليمان

من ناحية أخرى، من المتوقع أن تُصوّر إيران الحملة على أنها إنجاز، بغض النظر عن نتائجها العسكرية. في الأسابيع المقبلة، سيتضح ما إذا كان من الممكن الحفاظ على هذه الإنجازات من خلال تسوية سياسية، أم ستُطلب من إسرائيل فرضها بالقوة. من شأن اتفاق نووي بشروط مُحسّنة أن يُرسّخ النجاحات العملياتية، ويسمح بمراقبة أدق للبرنامج النووي، ويُقلّل الاعتماد الكامل على الاستخبارات. مع ذلك من غير المرجح أن يمنع مثل هذا الاتفاق الجهود الإيرانية للتقدم نحو برنامج نووي عسكري في المستقبل على مسار سري، بل وربما يوفر للنظام شريان حياة، بما في ذلك تحسين قدرته على مواصلة أنشطته السلبية على أساس تخفيف العقوبات.

على أي حال، حتى لو وفّرت الضربات الإسرائيلية والأمريكية رداً فعالاً على التهديد النووي، إلا أنها لا تكفي لتوفير رد شامل على التهديدات التي تُشكّلها إيران. في نهاية المطاف، يكمن الحل طويل الأمد للتحدي الإيراني لأمن إسرائيل في تغيير النظام في طهران، لكن هذا يعتمد في المقام الأول على التطورات الداخلية في الجمهورية الإسلامية. وحتى ذلك الحين، يتعين على إسرائيل أن تستعد لمواصلة الحملة ضد إيران بالوسائل السياسية والاقتصادية والاستخباراتية السرية، وأحياناً العسكرية، وبالتنسيق والتعاون مع الولايات المتحدة لضمان تحقيق جميع أهدافها الاستراتيجية ضد إيران، وفي مقدمتها قطع الطريق على طريقها إلى الحصول على الأسلحة النووية، وتفكيك المحور الموالي لإيران، والحد من مشروع الصواريخ.

يُبشر وقف إطلاق النار بين إيران وإسرائيل، المُعلن عنه في 24 يونيو/حزيران، بنهاية المرحلة الحالية، وهي الأخطر حتى الآن، في الصراع الدائر بين الجمهورية الإسلامية وإسرائيل. ويمكن لإسرائيل أن تُنهي هذه المعركة بنجاح كبير. وحتى مع امتلاك إيران مخزوناً من اليورانيوم المُخصّب بنسبة 60%، والذي كانت تمتلكه قبل بدء الحرب، وربما نُقل إلى مخابئ، فقد تراجع البرنامج النووي بشكل ملحوظ. إن الأضرار التي لحقت بمنشأتي التخصيب في نطنز وفوردو، واللتين يُفترض أنهما لم تُدمرا بالكامل، ولكنها لحقت بهما أضرار جسيمة، إلى جانب تصفية أكثر من عشرة علماء نوويين كبار، ستمنع، أو على الأقل ستُقلل، إلى حد كبير، من قدرة إيران على تطوير أسلحة نووية في المستقبل المنظور. قد تتمكن إيران من إنتاج كمية من المواد الانشطارية بمستوى تخصيب 90%، لكن من المشكوك فيه أن يكون هذا كافياً لتمكينها من إنتاج أسلحة نووية. علاوة على ذلك، يعكس قرار الولايات المتحدة بالهجوم قراراً أمريكياً يُشكل سابقةً في ممارسة النفوذ العسكري، وهي خطوة ستُسهّل على أي إدارة مستقبلية استخدامه مجدداً عند الضرورة.

في المقابل، يُتوقع من إيران أن تُصوّر الحملة على أنها إنجاز، بغض النظر عن نتائجها. وطوال الحملة، ركّزت وسائل الإعلام والسلطات في طهران على ضعف إسرائيل ومدى الضرر الذي لحق بها، بهدف صياغة رواية ذهنية مفادها أن الجمهورية الإسلامية قادرة على التعامل مع إسرائيل طويلاً وإلحاق ضرر كبير بها. ولا تزال هزيمة حزب الله الصيف الماضي تُصوّر في إيران على أنها “نصر”، مدّعيةً أن المنظمة نجحت في فرض وقف إطلاق النار على إسرائيل بعد أن فشلت في تحقيق الأهداف الرئيسية للحملة من وجهة نظرها. لا يوجد ما يدعو إلى افتراض أن الرواية الإيرانية في نهاية الحملة الحالية ستكون مختلفة. فمنذ اندلاعها، سعت القيادة الإيرانية جاهدةً للحفاظ على ثلاثة إنجازات استراتيجية -منهجية رئيسية: أولاً، بقاء النظام، الذي يُنظر إليه على أنه الهدف الرئيسي لإيران. ثانياً، الحفاظ على البرنامج النووي، الذي يُنظر إليه على أنه “بوليصة تأمين” للحفاظ على وجود النظام. وثالثاً، بقاء المنظومات الاستراتيجية الحيوية، وفي مقدمتها منظومات الصواريخ، والاستخبارات، والقيادة والتحكم، اللازمة لمواجهة التحديات الأمنية المستقبلية.

مع إعلان وقف إطلاق النار، يُمكن القول إن النظام نجح في الحفاظ على تماسكه الداخلي، وإظهار عزمه، بل وحتى الوقوف في وجه التهديد الخارجي. وقد تأثر الرأي العام الإيراني بشكل رئيسي بصور القتلى المدنيين والدمار، ووجّه غضبه بشكل رئيسي نحو إسرائيل بدلاً من النظام. وقد تعرّض البرنامج النووي لضربة موجعة، لكن من غير المتوقع أن يدفع هذا إيران إلى الاستسلام أو التخلي عن طموحاتها النووية. علاوة على ذلك، من المحتمل جداً أن تُصبح طهران أكثر تصميماً على المضي قدماً في تحقيق القدرة النووية العسكرية. وعلى مدى العام الماضي، ظهرت مؤشرات على تغير في التصور الأمني الإيراني، خصوصاً في ظل انهيار “محور المقاومة” وفشل إيران في فرض معادلة ردع جديدة على إسرائيل، باستخدام الصواريخ الباليستية والطائرات بدون طيار. في طهران، تعالت الأصوات التي تُجادل بأن تحسين الردع لا يتطلب فقط تحسين القدرات الصاروخية واستعادة قدرات حزب الله والمحور الموالي لإيران، بل يتطلب أيضاً تغييراً في العقيدة النووية ودراسة إمكانية الوصول إلى الأسلحة النووية، ما سيمنح إيران “شهادة ضمان” نهائية. لا يُتوقع أن تضعف هذه الأصوات بعد انتهاء الحملة، بل ستزداد. ربما تكون قدرة إيران على الوصول إلى الأسلحة النووية قد تضررت في المستقبل المنظور، ولكن يُمكن تقدير أنها ستواصل تعزيز طموحاتها النووية، سواء في ظل الاتفاق النووي أو في مسار سري.

ماذا بعد؟ أعلن رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو هذا الأسبوع أن إسرائيل ملتزمة بتحقيق أهدافها عبر التسوية الدبلوماسية أو القوة. ولم يستبعد إمكانية التوصل إلى اتفاق يضمن إنجازات الحملة، لكنه أكد أنه في غيابه، سيتم الحفاظ على هذه الإنجازات من خلال استمرار التنفيذ “تماماً كما نفعل في لبنان”. تجدر الإشارة إلى أنه ليس هناك يقين مطلقاً بشأن رغبة إيران في العودة إلى الإطار المنظم في هذه المرحلة، وخصوصاً الإطار الذي يتطلب منها تنازلات تعتبرها طهران استسلاماً للإملاءات الأمريكية، وأهمها: حرمانها من القدرة على تخصيب اليورانيوم على أراضيها. علاوة على ذلك، من المشكوك فيه أن توافق إيران على آلية مراقبة تدخلية تابعة للوكالة الدولية للطاقة الذرية، التي اتهمها المسؤولون الإيرانيون خلال الحرب بالتعاون مع إسرائيل والولايات المتحدة والتمهيد لشن هجمات على إيران.

تُشكّل إمكانية تجديد الاتفاق النووي معضلةً صعبةً لإسرائيل، مع أن القرار النهائي في هذا الشأن يعتمد بشكلٍ رئيسي على القرارات التي ستُتخذ في الأسابيع المقبلة في واشنطن وطهران. فمن جهة، سيسمح هذا الاتفاق بمراقبةٍ أدقّ للبرنامج النووي. وفي حال عدم التوصل إلى اتفاق، ستُضطر إسرائيل إلى الاعتماد كلياً على القدرات الاستخباراتية لمراقبة البرنامج، ومن غير المؤكد ما إذا كان يُمكن الاعتماد على المعلومات الاستخباراتية لكشف أي انتهاكاتٍ مستقبليةٍ محتملة. أكثر من ذلك، ليس من الواضح ما إذا كان النموذج اللبناني (الرد على أي انتهاك) قابلاً للتطبيق على المدى الطويل. فهل تنوي إسرائيل فعلاً اتخاذ إجراء كلما حاولت إيران إعادة نشر منصة إطلاق في أي قاعدة في جميع أنحاء البلاد؟ وهل ستتخذ إجراءات ضد أي محاولة إيرانية لاستعادة منشآت التخصيب أو، لا سمح الله، امتلاك أسلحة نووية؟ حتى لو بدا في هذه المرحلة أن الولايات المتحدة وإسرائيل متفقتان على ضرورة احتواء إيران، فمن المشكوك فيه ما إذا كان هذا التنسيق الوثيق سيستمر مع مرور الوقت، وما إذا كان الموقف الأمريكي بشأن حرية عمل إسرائيل في إيران سيبقى كذلك مع مرور الوقت في ضوء التغيرات السياسية المحتملة في الولايات المتحدة في السنوات القادمة أو التحولات في الأولويات الأمريكية على الساحة الدولية. في ظل هذا الواقع، قد يكون من الأفضل السعي للتوصل إلى اتفاق نووي بشروط مُحسّنة، يُرسّخ النجاحات العملياتية الباهرة التي حققتها إسرائيل والولايات المتحدة، ويسمح بمواصلة المراقبة الدقيقة لتطورات البرنامج النووي. إذا لم يتم التوصل إلى مثل هذا الاتفاق، فستُضطر إسرائيل إلى مواصلة حملة مُستدامة، تجمع بين الضربات الحركية والإجراءات المضادة السرية، لمنع أي محاولة إيرانية لاختراق البرنامج النووي.

من ناحية أخرى، لا يضمن الاتفاق بحد ذاته تنفيذ إيران له على المدى البعيد، ناهيك عن أنه لن يمنع التقدم في مسار سري باستخدام القدرات المتبقية التي قد تمتلكها إيران. علاوة على ذلك، فإن الاتفاق الذي يُتوقع أن يُفضي إلى رفع (أو تخفيف كبير) العقوبات الاقتصادية سيوفر طوق نجاة للنظام، ويُعزز قدرته على مواصلة أنشطته السلبية في مجالات متنوعة. كما قد يُقيد حرية عمل إسرائيل تجاه إيران، ما لم يُحافظ عليها في إطار تفاهمات غير رسمية بين إسرائيل والولايات المتحدة.

على أي حال، يجب التذكير بأن الحملة ضد إيران لم تنتهِ بعد. قد تُوفر الهجمات الإسرائيلية والأمريكية على إيران حلاً مؤقتاً للتحدي النووي الإيراني، لكنها لا تُشكل حلاً شاملاً لجميع التهديدات التي تُشكلها الجمهورية الإسلامية، التي التزمت بتدمير إسرائيل. في نهاية المطاف، يبدو أن الحل طويل الأمد للتحدي الإيراني للأمن القومي الإسرائيلي يكمن في تغيير النظام في طهران. قد تفتح الحملة الحالية آفاقاً جديدة لإسرائيل والغرب لتعزيز التغيير السياسي في إيران. إلا أن فرص تحقيق ذلك تعتمد بشكل أساسي على التطورات الداخلية، وعلى عاملٍ لا يُعرف متى سيحدث أو إن كان سيحدث. في أقصى تقدير، يمكن للغرب مواصلة جهوده لدعم المبادرات التي تُتيح للمواطنين الإيرانيين حرية التواصل وتدفق المعلومات، وتُعبّر عن دعمها العلني للمتظاهرين، ما قد يُعطيهم دفعةً لمواصلة نضالهم، وتُهيئهم، من خلال وسائل وطرق مُتنوعة، لليوم الذي سيخرج فيه ملايين المواطنين الإيرانيين إلى الشوارع ويحتاجون إلى كل مساعدة ممكنة.

وفي غضون ذلك، يتعين علينا أن نستعد لمواصلة الحملة ضد إيران من خلال الوسائل السياسية والاقتصادية والاستخباراتية السرية، وأحياناً العسكرية، والتي من شأنها ضمان تحقيق جميع الأهداف الاستراتيجية ضدها، بما في ذلك وقف مسيرتها نحو الأسلحة النووية، وتفكيك المحور الموالي لإيران، والحد من مشروع الصواريخ.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *