
“لقد استهدفنا الإيرانيون.. ويبدو أنهم يدركون أهمية التعليم العالي أكثر من بعض المسؤولين في حكومتنا”
ترجمة وإعداد: حسن سليمان
دخلت الجامعات والمؤسسات البحثية الإسرائيلية في حرب مع إيران بعد عامين من أصعب الأعوام في تاريخها. قُتل وجُرح مئات أعضاء هيئة التدريس والطلاب في قطاع غزة، وفقد عشرات الآلاف وقتاً طويلاً من الدراسة والبحث بسبب الخدمة الاحتياطية أو الإجلاء من منازلهم.
يُضاف إلى ذلك تحركات الحكومة المستمرة والمتنوعة لتقييد الحرية الأكاديمية. ومع ذلك، فقد رفعت الحرب مع إيران مستوى التحدي إلى مستوى جديد.
يقول رئيس لجنة رؤساء الجامعات ورئيس جامعة بن غوريون في النقب، البروفيسور دانيال حايموفيتش، في حديث مع صحيفة هآرتس: “للمرة الأولى، استُهدفنا بالفعل. بدأ الأمر بإصابات مباشرة في معهد وايزمان، ثم استمر بإصابة جامعة بن غوريون مرتين. في بداية الأسبوع، لحقت أضرار بجامعة تل أبيب، كما أُطلقت صواريخ على معهد التخنيون. يتضح أن الإيرانيين وضعوا التعليم العالي والبحث العلمي الإسرائيلي في صميم خارطة أهدافهم”.
في معهد وايزمان، دُمِّر ما بين 40 و45 مختبراً بحثياً في عدة مبانٍ، وتضرر حوالي 20 مختبراً آخر بدرجات متفاوتة. ألحق الانفجار أضراراً بنحو 40 مبنى في أنحاء الحرم الجامعي. وفي بئر السبع، ألحق الصاروخ الذي أصاب مستشفى سوروكا أضراراً جسيمة بالجامعة المجاورة ومركزها الرياضي. يقول حايموفيتش: “تضررت كلية الطب بأكملها، ولا نعرف كيف سنعود إلى التدريس هناك. دُمِّرت ستة مختبرات بالكامل”. ويضيف: “وصل الانفجار أيضاً إلى الحرم الجامعي المقابل للشارع، وألحق أضراراً بـ 30 مبنى من أصل 60 مبنى. وتم إجلاء 42 عضواً من أعضاء هيئة التدريس والطلاب من مبنى واحد”. في بئر السبع، لا يزال تقييم الأضرار جارياً، لكن يُقدَّر أنها بعشرات أو حتى مئات الملايين من الشواقل. وقررت جامعة تل أبيب منح منحة دراسية قدرها 2000 شيكل لكل طالب تهجر من منزله بسبب الأضرار الناجمة عن الصواريخ.
بالإضافة إلى الدمار المادي، تُلحق الحرب المستمرة التي تشنها إسرائيل منذ السابع من أكتوبر/تشرين الاول الضرر بالبحث نفسه. يُقسّم حايموفيتش الضرر إلى ثلاثة مستويات. يقول: “المستوى الأول هو تدمير المختبرات والمواد. تبلغ تكلفة مبنى البحث حوالي 50 مليون دولار. يضاف إلى ذلك 50 -100 مليون دولار لشراء المعدات. إجمالي الضرر بالمليارات”. ويضيف: “هناك نسخة احتياطية إلكترونية لكل شيء، لكننا لم نتخيل أننا سنحتاج أيضاً إلى نسخة احتياطية للمواد البيولوجية، مثل البكتيريا والأنسجة وعينات الحمض النووي وما شابه، في حال تدمير مبنى. كانت هناك نسخ احتياطية، لكنها كانت تُحفظ عادةً في ثلاجات أخرى في المبنى نفسه. في بعض الحالات، فُقدت عقود من الأبحاث. لا أعرف ماذا سأفعل لو فقدت جميع أنواع البذور التي جمعتها لأبحاثي في علوم النبات. يُخيفني مجرد التفكير في الأمر”.
المستوى الثاني هو الضرر الناجم عن عدم قدرة الباحثين على مواصلة عملهم. يقول حايموفيتش: “البحث الإسرائيلي ذو حضور عالمي. يأتي الناس من جميع أنحاء العالم للبحث هنا”. ويضيف: “غادر العديد من الطلاب والباحثين الشباب البلاد عند اندلاع الحرب. هؤلاء هم مئات من طلاب الدكتوراه وطلاب ما بعد الدكتوراه. يعتمد البحث بشكل كبير عليهم. كان لدى صديق مقرب ستة طلاب ما بعد الدكتوراه من الخارج – غادروا جميعاً، والآن لا يملك وسيلة لإجراء بحثه. عندما لا تستطيع البحث، لا يمكنك كتابة المقالات. الأمر أشبه بمصنع بلا عمال. لا يوجد منتج”.
المستوى الثالث من الضرر يتعلق بالعلاقات، وخصوصاً مع أوروبا الغربية. وينبع هذا الضرر بشكل رئيسي من عواقب الحرب على غزة. يقول حايموفيتش: “هناك تهديدات بتعليق عضوية إسرائيل في برنامج منح Horizon2020، الذي يُعدّ ربما أكبر برنامج تمويل بحثي في العالم. ويطالب عدد متزايد من الجامعات في هولندا وإسبانيا وإيطاليا وبلجيكا ودول أخرى بتعليق العضوية، ويصل هذا الأمر إلى المستويات السياسية. وهذا يُشكّل تهديداً كبيراً للبحث العلمي الإسرائيلي”.
في حيفا والمؤسسات الأكاديمية في المركز، أثّر توقف النشاط أيضاً على القدرة على تشغيل البنى التحتية العلمية بشكل مستمر. ووفقاً لنائب رئيس جامعة حيفا وعميد البحث والتطوير، البروفيسور أورن غزال – إيال، فقد حُوِّلت الموارد أحياناً إلى الاحتياجات الأمنية والعاجلة. ويشير إلى أن بعض الباحثين والعلماء ركّزوا خلال الحرب على البحث النظري أو الرقمي، بل إن بعضهم طوّر مبادرات بحثية جديدة تتعلق بالعواقب الاجتماعية والنفسية والبيئية للحرب نفسها. يتفق البروفيسور نعوم أدير، نائب رئيس معهد التخنيون للأبحاث، مع هذا الرأي قائلاً: “الباحثون ليسوا في المختبرات ولا يُجرون تجارب. إذا لم يعد الطلاب الأجانب الذين غادروا، فستكون ضربة موجعة”. إلى جانب الآثار المباشرة وقصيرة المدى، يُشير إلى “نتيجة إيجابية” للحرب: “جلس الكثير منا في منازلهم وعملوا على مقالات ومقترحات بحثية لم يكن لدينا وقت لكتابتها”. ووفقاً للبروفيسور عوديد رابينوفيتش، النائب الأول لرئيس معهد التخنيون، فقد ازداد عدد المجندين الاحتياطيين من مجتمع التخنيون بشكل ملحوظ مع بدء الحملة ضد إيران. وعلى عكس الجامعات الأخرى التي أنهت الفصل الدراسي، لا يزال أمام التخنيون حوالي أسبوعين من الدراسة، حيث تم تأجيل بدء الفصل الدراسي بسبب القتال في لبنان.
وفقاً للأستاذ الدكتور يارون شيف – تال، نائب رئيس جامعة بار إيلان لشؤون البحث العلمي، فقد توقف البحث التجريبي في الجامعة تماماً، باستثناء بعض الحالات الاستثنائية التي تتطلب اهتماماً مستمراً، كالأبحاث التي تستخدم الحيوانات أو التجارب التي تُجرى على مدى سنوات أو الأجهزة التي لا يمكن إيقاف تشغيلها. ويؤكد قائلاً: “حتى قبل ذلك، كانت الأمور تسير ببطء بسبب حرب غزة”. ويضيف: “هناك أشخاص لديهم مقالات قيد التحرير ولا يستطيعون العمل على مراجعاتها أو تقاريرها المتعلقة بتمويل الأبحاث المتأخر. وهذا يؤثر أيضاً على الطلاب الراغبين في العمل في دراسات ما بعد الدكتوراه”.
إن المكانة المركزية التي احتلتها الجامعات والمؤسسات الأكاديمية في الأجندة الإيرانية تدعو إلى التأمل. يقول حايموفيتش: “أحياناً يبدو لي أن الإيرانيين يدركون أهميتنا أكثر من بعض المسؤولين في حكومتنا”. ويضيف: “أخبرني مؤخراً مسؤول حكومي رفيع المستوى، رجل مثقف ذو سجل حافل، أن سبب وجود حركة المقاطعة وسحب الاستثمارات وفرض العقوبات (BDS) في أوروبا هو الأساتذة اليساريون. كما يمكنك أن ترى سيل التشريعات ضد الجامعات – فهم يريدون تحديد من يُقبل، ومن يُعطى الأولوية، وما يُسمح بقولِه. كل هذا لن يؤدي إلا إلى الإضرار بالبحث العلمي”.
صحيفة “هآرتس”