دوليات

الاستخبارات الأمريكية تزكي ادعاءاته والديمقراطيون يشككون بها ويتهمونه بالمبالغة.

بقلم ابتسام الشامي

استهداف إيران أهم قاعدة أمريكية في المنطقة جاء في أعاقب العدوان الأمريكي على مفاعلاتها النووية، ولئن ادّعى الرئيس الأمريكي أن الضربات التي وجهها جيشه لتلك المفاعلات أدت إلى تدميرها بالكامل وبالتالي إفقاد إيران واحدة من أوراق قوتها بما سيودي بها في نهاية المطاف إلى الاستسلام، فإن ادعاءاته لاقت الكثير من التشكيك في الاوساط الاستخبارية والاعلامية.

ادعاءات ترامب

لم ينتظر الرئيس الأمريكي دونالد ترامب التحقق من نتائج عدوانه على المفاعلات النووية الإيرانية فجر الثاني والعشرين من حزيران الجاري. وبعد ساعات قليلة على إلقاء قاذفات أمريكية قنابل خارقة للتحصينات وصواريخ بعيدة ضد المنشآت النووية الإيرانية، سارع ترامب إلى الاشادة بنتائج الضربات الأمريكية. وقال عبر منصته “تروث سوشيال”: لقد “لحقت أضرار جسيمة بجميع المواقع النووية في إيران، كما أظهرت صور الأقمار الصناعية، والتدمير مصطلح دقيق، الهيكل الأبيض الظاهر مغروس بعمق في الصخر، حتى أن سقفه يقع تحت مستوى سطح الأرض بكثير، ومحمي تماماً من اللهب”. وأضاف: “وقع أكبر ضرر على عمق كبير تحت مستوى سطح الأرض، الهدف تحقق”.

كلام ترامب سبقه تأكيد وزير حربه بـ “القضاء” على طموحات إيران النووية. وفي شرح تفصيلي لما أسمته القيادة العسكرية الأمريكية “عملية مطرقة منتصف الليل” قال بيت هيغسيث من منصة البنتاغون: “لقد دمرنا البرنامج النووي الإيراني… وبفضل قيادة الرئيس ترامب الجريئة وذات الرؤية الثاقبة والتزامه بالسلام من خلال القوة، قضي على طموحات إيران النووية”. مضيفاً أن العملية العسكرية الأمريكية ضد المنشآت النووية الإيرانية “حققت التأثير المطلوب”، وخصوصاً الهجوم على منشأة فوردو، حيث تعتقد الولايات المتحدة أنه “حقق تدميراً للقدرات”. وبينما بدى رئيس هيئة الأركان الأمريكية المشتركة، الجنرال دان كين، أكثر تحفظاً بشأن تأثير الضربات معتبراً أنه سيكون “من السابق لأوانه” للغاية التعليق على ما إذا كانت إيران لا تزال تحتفظ ببعض القدرات النووية”، حاول هيغسيث ردع إيران ومن سماهم وكلاءها من الرد على العدوان و”محاولة مهاجمة القوات الأمريكية” لأنها “ستكون فكرة سيئة للغاية”.

تقارير استخبارية تكذب ترامب

سردية النصر التي عبر عنها ترامب وفريقه العسكري والسياسي سرعان ما أصابها الشك، بفعل سردية أخرى مصدرها أمني تحدثت عن تأثير محدود للضربات الأمريكية في البنية النووية الإيرانية. وفي هذا السياق كشفت 4 مصادر، لشبكة CNN، عن تقييم استخباراتي أمريكي أولي خلص إلى أن الضربات العسكرية الأمريكية على ثلاث منشآت نووية إيرانية نهاية الأسبوع الماضي لم تُدمّر المكونات الأساسية للبرنامج النووي الإيراني، بل من المرجّح أن تؤدي إلى تأخيره بضعة أشهر فقط. ووفقاً لأحد المصادر، فإن هذا التقييم، الذي لم يُنشر سابقاً، أعدّته وكالة استخبارات الدفاع، وهي الذراع الاستخباراتية للبنتاغون، يستند إلى تقييم لأضرار المعارك أجرته القيادة المركزية الأمريكية (سنتكوم) في أعقاب الضربات، ويفيد التقدير بأن النتائج الأولية تتعارض مع مزاعم ترامب المتكررة بأن الضربات “دمرت تماماً” منشآت التخصيب النووي الإيرانية. وأكد اثنان من المصادر المطلعة على التقييم أن مخزون إيران من اليورانيوم المخصب لم يُدمّر، وقال أحدهما إن أجهزة الطرد المركزي “سليمة” إلى حد كبير. مضيفاً “إذن، فإن تقييم وكالة استخبارات الدفاع الأمريكية هو أن الولايات المتحدة أخرتها بضعة أشهر على الأكثر”.

تقرير الشبكة الأمريكية أثار غضب ترامب وفريقه كونه وضع سردية التدمير الكلي للبرنامج النووي الإيراني موضع التشكيك، ما أضطر الرئيس الأمريكي شخصياً لتكذيب الشبكة وشنّ حملة عنيفة ضدها وضد العاملين فيها مدعياً أنها تختلق الأكاذيب. لكن البيت الأبيض مع ذلك لم يستطع إنكار وجود التقييم، إلا أنه أبدى عدم موافقته عليه. وذكرت المتحدثة باسم البيت الأبيض كارولين ليفيت، في بيان أن ما سمته” التقييم المزعوم خاطئ تماماً، وصنف على أنه سري للغاية، ولكن مع ذلك سُرِّب إلى CNN من قِبل شخص مجهول، ضعيف المستوى، في مجتمع الاستخبارات”. مضيفة أن “تسريب هذا التقييم المزعوم هو محاولة واضحة لتشويه سمعة الرئيس ترامب، وتشويه سمعة الطيارين المقاتلين الشجعان الذين نفذوا مهمة مُحكمة التنفيذ للقضاء على البرنامج النووي الإيراني، ويعلم الجميع ما يحدث عندما تُسقط 14 قنبلة، وزنها 30 ألف رطل، على أهدافها بدقة: تدمير كامل”.

وفي سياق متصل بمحاولة احتواء ما كشفه التقرير الاستخباراتي الأمريكي، وضع وزير الحرب الأمريكي التقرير المسرب في إطار محاولات التشكيك بنجاعة الضربات الأمريكية مدعياً وجود جهة تريد تصوير هذه الضربات على أنها فاشلة. وأضاف في مؤتمر صحفي مشترك مع رئيس هيئة الأركان المشتركة أن التقرير الأولي الذي سربته وسائل الإعلام يقول إن هناك نقصاً بالمعلومات ويقوم على افتراضات. وقال: “وسائل الإعلام تبحث عن فضيحة وتتجاهل الإنجازات وتستهدف الرئيس دونالد ترامب.. وتأمل لو كانت الضربات غير ناجحة لمجرد استهداف الرئيس سياسياً”. وشدد هيغسيث على أنه بفضل العمل العسكري “الحازم” في إيران “قضى الرئيس ترامب على القدرات النووية لإيران ووفر الفرصة المناسبة للتوصل إلى سلام ووقف الحرب”.

وكان لافتاً في ردود فعل ترامب وفريقه المقرب التركيز على فكرة وجود مؤامرة تستهدف الرئيس شخصياً وتقلل من أهمية ما أنجزه في مواجهة المشروع النووي الإيراني من خلال توجيه الضربة المذكورة. علماً أن انخراط واشنطن في العدوان على طهران إلى جانب تل أبيب لاقى معارضة في الداخل الأمريكي لاسيما في أوساط ائتلاف “MAGA” الذي دعم وصوله إلى البيت الأبيض. ورداً على التسريبات الاستخباراتية التي نشرت مضمونها معظم الشبكات الإعلامية الأمريكية، قال المبعوث الأمريكي للشرق الأوسط ستيف ويتكوف إن الشخص الذي سرّب معلومات استخباراتية بشأن الضربات في إيران “ارتكب خيانة ويجب أن يعاقب”. أما وزير الخارجية الأمريكي ماركو روبيو فقد وصف بدوره التقارير الإعلامية التي تحدثت عن تقييمات استخباراتية جديدة بأنها “كاذبة” وأكد في تصريحات نقلتها مجلة بوليتيكو أن إيران أصبحت أبعد بكثير عن بناء الأسلحة النووية بعد الضربة الأمريكية.

الديمقراطيون يشككون أيضاً

وبينما كان الرئيس الأمريكي وفريقه يستشرسان في نفي صحة التسريبات عن محدودية تأثير الضربات الأمريكية في المنشآت النووية الأمريكية، جاءت إحاطة البيت الأبيض للكونغرس حول تأثير الضربات الأمريكية في المفاعلات النووية الإيرانية لتلقي المزيد من ظلال الشك حول سردية ترامب وفريقه. وبينما قال جمهوريون إنها عززت اعتقادهم بفعالية الضربات، شكا بعض الديمقراطيين من أنها “لم تُجب بشكل كامل على أسئلتهم”. وبعد تقديم وزير الخارجية ماركو روبيو، ووزير الدفاع بيت هيجسيث، ومدير وكالة الاستخبارات المركزية CIA جون راتكليف، ورئيس هيئة الأركان المشتركة دان كاين، إحاطة لأعضاء مجلس الشيوخ عن مدى الضرر الذي ألحقته الضربات بالبرنامج النووي الإيراني”، قال زعيم الأقلية الديمقراطية في مجلس الشيوخ تشاك شومر إن الإحاطة “أثارت أسئلة أكثر مما أجابت”. ووفقاً لما أوردته صحيفة “واشنطن بوست” قال شومر في قاعة مجلس الشيوخ “ما اتضح من إحاطة اليوم هو عدم وجود استراتيجية متماسكة، ولا خطة نهائية، ولا هدف نهائي. ماذا نفعل؟” بدوره، قال السيناتور الديمقراطي كريس ميرفي عضو لجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ، بعد الإحاطة بأنه بدا له أن البرنامج النووي الإيراني قد تراجع لبضعة أشهر فقط. وهو استنتاج جاء متوافقاً مع التقييم الأولي لوكالة استخبارات الدفاع DIA. وأضاف ميرفي: “كان الرئيس يتعمّد تضليل الرأي العام، عندما قال إن البرنامج قد قُضي عليه.. من المؤكد أن هناك قدرات ومعدات هامة لا تزال قائمة”.

علامات الشك التي أبداها عدد من الديمقراطيين بعد الإحاطة كانت قد بدأت قبلها إذ عبّر السيناتور كريس فان هولن لموقع أكسيوس أنه “قلق جداً بشأن تشويه ترامب للمعلومات الاستخباراتية والتلاعب بها وحتى الكذب بشأنها”، مشيراً إلى أن “الولايات المتحدة كانت في هذا الموقع من قبل، وذهبت إلى العراق بذرائع كاذبة”. وهو ما كرره السيناتور تيم كين في حديث إلى الموقع نفسه قائلاً “أعتقد أننا ربما كنا لنكون أقل قلقاً بشأن هذا الأمر لو لم نرَ إدارة تكذب علينا وتدفعنا إلى حرب في العراق عام 2002”.

الإعلام الأمريكي والغربي: رواية ترامب مبالغ بها

ولم يبق التشكيك في سردية البيت الأبيض محصوراً بالأقلية الديمقراطية في الكونغرس الأمريكي وإنما انسحب أيضاً على الاعلام الأمريكي والغربي أيضاً. إذ أشارت مجلة “تايم” الأمريكية إلى أنه في حين أدّت الضربات الأمريكية والإسرائيلية إلى تعطيل عمليات التخصيب الإيرانية، فإن طهران لا تزال تحتفظ بالخبرة العلمية والمواد المخزّنة، وباتت تمتلك، حالياً، حافزاً أقوى لدفن برنامجها بشكل أعمق تحت الأرض. ونقلت المجلة عن أليكس فاتانكا، الباحث في “معهد الشرق الأوسط”، قوله إنه “إذا نجت إيران من الصراع، فقد تخلُص إلى أنّ السلاح النووي هو السبيل الوحيد للردع”.

بدورها وصفت صحيفة بوليتيكو الأمريكية، التصريحات الصادرة عن ترامب بالواثقة للغاية، لافتة إلى أنّه “من المرجح أن تتمكن إيران من إعادة تشكيل برنامجها بسرعة، وربما في غضون عام تقريباً”. ونقلاً عن بعض الخبراء والمتخصصين حذّرت الصحيفة أنه “بعد الضربات الأمريكية، أصبح هناك خطر حقيقي من أن تتّخذ طهران قراراً بالذهاب إلى أبعد من تخصيب، أي نحو بناء قنبلة”. مضيفة “نظراً إلى أنّ إيران أخلت المنشآت الرئيسة قبل الضربات الأمريكية، فمن المرجح أن معظم الكوادر الإيرانية من العلماء والفنيين المهرة قد نجوا”.

وفي سياق متصل، أشارت صحيفة “فايننشال تايمز” البريطانية إلى أن دول أوروبية تعتقد أن إيران نقلت اليورانيوم من فوردو قبل الضربات الأمريكية. وذكرت الصحيفة بأن “التقييمات الأولية للمخابرات تشير إلى أن طهران تحتفظ بمعظم مخزونها من اليورانيوم عالي التخصيب”.

خاتمة

 في وقت يجهد فيه الرئيس الأمريكي دونالد ترامب تظهير نفسه منتصراً في المواجهة مع إيران، حاملاً لقب مدمّر برنامجها النووي، وجهت التقارير الاستخبارية الأمريكية صفعة قوية لجهوده، ووضعت سرديته في مهب التشكيك، قبل أن يوجه قائد الثورة الإسلامية في إيران الإمام السيد علي الخامنئي صفعة أخرى لرئيس يهوى الاستعراض والاعتداد بإنجازات حتى وإن افتقرت إلى المصداقية، وفي خطابه إلى الشعب الإيراني قال الامام الخامنئي: “لقد ضخّم الرئيس الأمريكي ما حدث بنحو مبالغ فيه، كان كل من يستمع إلى تلك التصريحات يدرك أن هذه الكلمات تخفي وراءها حقيقة أخرى، لم يتمكنوا من فعل شيء وعجزوا عن بلوغ الهدف الذي سعوا إليه، إنهم يضخمون الأمور لكي يغطوا الحقيقة ويبقونها طي الكتمان”.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *