لُبنان “لؤلؤة الشرق الأوسط” بعين أمريكا!
بقلم زينب عدنان زراقط
ضغط أمريكي وإسرائيلي وداخلي من بعض الأحزاب السياسية المُعارضةِ للمقاومة من أجل “تسليم السلاح” في مضمون رسالة أمريكية جاء بها مبعوث البيت الأبيض “براك” إلى لبنان لأجل متابعة خروج قوات الاحتلال وقضية الإعمار…
وكان رئيس الوزراء الإسرائيلي “نتنياهو” سافر هو الآخر إلى واشنطن للبحث في وقف إطلاق النار في غزة أيضاً… حراك سياسي سريع بعد موافقة إيران على وقف إطلاق النار مع الكيان الصهيوني في مسعاً قطري ومطلبٍ أمريكي بشروط الجمهوريةِ الإسلامية والتي على ما يبدو شملت المنطقة.
رد “حزب الله” جاء واضحاً على لسان الأمين العام الشيخ “نعيم قاسم” بأنه “لا تسليم للسلاح” لا وبل مع الاستعداد والجهوزية التّامة للمواجهة – قبل أن يصل المبعوث إلى بيروت -، أمّا القسام فقد قالت كلمتها في الميدان بعملية ثلاثية هي الأولى من نوعها من ضمن سلسلة “كمائن الموت” فكان وقعها صعباً على نتنياهو أفسدت حماسته وأغضبته قبل ساعات من اجتماعه بالرئيس الأمريكي.
واقعاً وعلى الرغم من كُل الضغوط المُحدقة ليس على المقاومة وحسب بل وعلى العدو وما يتكبّده من خسائر وأزمات داخليه، ما يزال يلوحُ بالتصعيد على وقع زيارة المبعوث الأمريكي الذي أرجأ التفاوض إلى ثلاثة أسابيع من الأخذ والرّد ليعود مرةً أُخرى إلى لبنان ويبتُّ الأمر، إلاَّ أنّ الإسرائيلي لم يُبدِ التزاماً منذ بداية المُهلة، بل يُريدها مُهلةً على وقع إطلاق النار!.
حتى الأمريكي الذي لم تسلم سُفُنه المُتجهة نحو “إسرائيل”، لتستأنف القوات اليمنية في الآونة نفسها هذه المُناوشات السياسية تحت وقع إطلاق النار باستهدافها للسفن العابرة في البحر الأحمر باتجاه ميناء الأراضي الفلسطينية المُحتلة، وفي أقلّ من 24 ساعة تم استهداف سفينتين واغراقهما بشكلٍ كامل بعد إجلاء أطقمها، عدا عن فرضها معادلة الردع بالرّد الباليستي من اليمن إلى تل أبيب عقب ضربها مباشرةً.
إلى المَقلَبِ الآخر من المُعادلةِ، فيما يُبديه الرئيس المُكلف السوري الجديد أحمد الشرع من انصياع كامل وتام للإرادة الأمريكية والإسرائيلية، والشعار الذي رفعه منذ استلامه السُلطة أن لا مُهاجمه على إسرائيل من الأراضي السورية. ليتنازل بعدها الشرع عن الجولان وكل ما احتلته “إسرائيل” في مقابل دعمه للبقاء في السلطة. وأكّدت وسائل إعلام إسرائيلية أن رجل أعمال وناشط سياسي سوري زار الكنيست ونقل رسالة من الشرع بخصوص التطبيع مع “إسرائيل”. وتُشير التوقعات إلى عقد اللقاء بين الشرع ونتنياهو قبيل انعقاد الجمعية العامة للأمم المتحدة في سبتمبر في البيت الأبيض وسيوقعان خلاله اتفاقية أمنية برعاية ترامب، والتي هي أولى الخطوات نحو اتفاقية سلام وتطبيع بين سوريا وإسرائيل. حيث عززت إسرائيل من تواجدها في الجنوب السوري في خطة ترمي إلى بناء سياج أمني تحوّله إلى خط دفاع حصين أمام أي اعتداء أو هجوم، بإقامة جدار مزود بالأجهزة الإلكترونية وممرٍّ محفور على طول الحدود من سوريا إلى لبنان ومن ثمَّ فلسطين المحتلة، وفرض منطقة منزوعة السلاح، وحشد قوات كبيرة تقام لها قواعد عسكرية في المناطق العالية تشرف على سهول الجنوب السوري، في مفهومٍ يُطلق عليه “ممرُ داوود”.
يتضح أن الأوضاع في سوريا، اليمن، وغزة متشابكة مع ملف لبنان، إذ تؤثر كل هذه النزاعات والتحولات على الوضع اللبناني الأمني والسياسي. فكيف يدير الأمريكي والإسرائيلي ملف التفاوض في الأزمة اللبنانية الذي يتضح أنه مُرتبط بمجموعة ملفات إقليمية معقدة، منها الملف النووي الإيراني، وملف التطبيع العربي الإسرائيلي، ما يجعله جزءاً من لعبة أكبر تتعلق بموازين القوى في الشرق الأوسط؟.
الضمانات والانسحاب أولاً
المقاومة اللبنانية وصلت إلى مرحلة من النضج السياسي والعسكري تجعلها تقبل بوضع سلاحها تحت سلطة الدولة اللبنانية، شرط أن تكون هناك ضمانات واضحة للانسحاب الإسرائيلي ووقف الاعتداءات، وهذا يعكس تحولاً كبيراً في السياسة الداخلية اللبنانية، ويدل على سعي لتوحيد القرار الأمني والعسكري في يد الدولة، مما قد يقلل من الفوضى المسلحة ويعزز الاستقرار.
حزب الله أبدى مرونة في التعامل مع الدولة اللبنانية، من خلال الحوار مع رئيس الجمهورية ورئيس مجلس النواب، سعياً للوصول إلى صيغة تضمن الاستقرار الوطني. هذه المرونة تبرز رغبة في التفاهم الداخلي بعيداً عن الخضوع للشروط الخارجية، مع تأكيد على أن القوة العسكرية لحزب الله تبقى ضمن إطار حماية الوطن وليس لخدمة أجندات خارجية.
بينما زيارة المبعوث الأمريكي توماس براك تمثل استمراراً للضغط الأمريكي على لبنان، حيث أوضحت الأوساط السياسية إلى أنه يُبدي إشارات بتفاوضٍ يطول حتى العام المقبل، ما يضع لبنان في موقف انتظار وتهديد مستمر. الولايات المتحدة تصر على شروط تعجيزية، منها نزع سلاح حزب الله، دون النظر إلى مطالب لبنان الأساسية، ما يعكس توجهاً أمريكياً لإضعاف محور المقاومة عبر لبنان، وربط الحلول السياسية بشروط خارجية تفتقر إلى الواقعية السياسية. في وقتٍ ترتفع فيه حدّة التوتر بين القوى السياسية اللبنانية حول ملف سلاح المقاومة ما يُشكل تحدياً كبيراً، إذ أن هناك فريقاً يطالب بنزع السلاح فوراً، بينما المقاومة تشترط ضمانات واضحة قبل النقاش مع الدولة بخصوص سلاحها. هذا الصراع يعكس الانقسام السياسي العميق في لبنان، ويهدد بحدوث توترات داخلية إن لم يتم التوصل إلى تسوية هادئة.
بين الخرق والخوف
في حين أنّه تغيب في المفاوضات الأمريكية الإسرائيلية المطالب اللبنانية الشرعية مثل الانسحاب الإسرائيلي من جنوب لبنان، عودة النازحين السوريين، وإعادة الإعمار. هذا التجاهل يعكس استراتيجيات إسرائيلية وأمريكية تهدف إلى إبقاء لبنان في حالة ضعف وعدم استقرار، ما يفتح المجال لزيادة التوترات الأمنية والسياسية، ويعزّز من فرص المواجهة في المستقبل. بينما العدو يتصرف بأريحيه بانتهاكاته الدائمةِ. التصعيد الإسرائيلي على لبنان المُتمثل بالضربات الجوية وتصعيدها على كافة المناطق اللبنانية، وهو أسلوب ضغط بهدف تحقيق مكاسب سياسية وعسكرية دون الدخول في حرب برية مكلفة. هذا يشير إلى أن إسرائيل تستخدم القوة بشكل محسوب لضمان تفوقها الاستراتيجي دون الانجرار إلى مواجهة شاملة قد تؤدي إلى خسائر كبيرة، في خروقاتٍ دائمة بين الحذر والخوف.
إلاَّ أنَّ القدرات الصاروخية الإيرانية تشكل تهديداً وجودياً لإسرائيل، والتي يمتلك ما يُماثلُها من دعم الجهورية له، ما دفع واشنطن للتفكير في خيار توسع رُقعة الحرب على الرغم من التحديات الكبيرة. هذه المعضلة تعكس تعقيد الصراع في المنطقة، حيث التوازنات العسكرية والردع النووي والصاروخي تلعب دوراً محورياً في صنع القرار السياسي والعسكري.
من جهةٍ أُخرى، الولايات المتحدة تسعى للسيطرة على الساحل السوري لضمان نفوذ استراتيجي، مع محاولات دائمة لتقسيم سوريا إلى دويلات متناحرة. هذا التخطيط الإقليمي له تداعيات مباشرة على لبنان، خصوصاً مع وجود اللاجئين السوريين والتهديدات الأمنية المحتملة التي قد تؤدي إلى تأزيم الوضع الداخلي اللبناني.
في حين تتجه العديد من الدول العربية نحو التطبيع مع إسرائيل، يبقى لبنان خارج هذا المسار بسبب تعقيدات وضعه السياسي والأمني. هذا الواقع يضع لبنان في موقع متميز كجزء من محور المقاومة، لكنه أيضاً يضعه تحت ضغوط كبيرة من القوى الإقليمية والدولية التي تدفع للتغيير. بينما سوف تستكمل سوريا مشروع الاتفاقيات الابراهيمية والتوسع الإسرائيلي، وسوف تلحقها السعودية حيث أكد وزير الخارجية السعودي فيصل بن فرحان، خلال زيارته إلى موسكو، موافقته على التطبيع مع “إسرائيل” بعد وقف إطلاق النار في غزة.
في الختام، يقول الرئيس الأمريكي ترامب أن لُبنان هو “لؤلؤة الشرق الأوسط”، وهو في صدد تنفيذ مشروع يفي بنشر القوات الأمريكية على طول الساحل السوري لحماية الأقلّيات من السوريين، إلا أن المشروع في طيّاته هو تمدّد على طول ساحل شاطئ البحر المتوسط من حدود تركيا إلى غزة مروراً بالساحل اللبناني، فهل المُعضلة المطروحة مفادُها “وقف إطلاق النار” مُقابل “الاستيلاء الأمريكي على الاقتصاد البحري والثروة النفطية والغازية” المحروم لُبنان من استثمارها منذ عقود أم أن الانجرار لمواجهةٍ سبّاقةٍ من شأنها أن تقلبَ المُعادلات؟.
