قمة بريكس 2025 في مواجهة التحديات.. خطاب يلامس التطلعات
بقلم ابتسام الشامي
على وقع التحولات التي يشهدها العالم وما ينتج عنها من تحديات، انعقدت القمة السابعة عشرة لمنظمة بريكس في البرازيل، وعكس جدول أعمال القمة، وخطابات المشاركين فيها، ارتقاءً في مقاربة الملفات الساخنة والتعامل معها..
فضلاً عن تشخيص دور المنظمة في هذه المرحلة وما توفره الأحداث من فرص لها لتؤدي دوراً فعالاً، على قاعدة المساهمة في صناعة التحولات وليس التعامل مع تداعياتها فحسب.
تحدي السياسة الأمريكية
تضفي سياسة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب المزيد من التعقيد إلى المشهد الدولي، وهو إذ فشل في تحقيق وعده الانتخابي بإطفاء الحروب المشتعلة، فإن الانطباع المتشكل من الأشهر الأولى لولايته الثانية أن الملفات الساخنة المفتوحة ذاهبة إلى مستويات مختلفة من التصعيد، بل إلى خلق المزيد من التوترات السياسية والاقتصادية، لاسيما في ضوء حربه التجارية والعودة إلى استئنافها مع اقتراب موعد نهاية مهلة التسعين يوما الممنوحة لأصدقاء بلاده وأعدائها لتسوية أوضاعها وعقد اتفاقيات مع واشنطن. وعلى مسافة أيام قليلة من نهاية العدوان الإسرائيلي على الجمهورية الإسلامية الإيرانية، وما انطوى عليه الحدث من نتائج استراتيجية، وفي ظل استمرار الصراع الروسي الأطلسي في أوكرانيا والحرب الإسرائيلية الإبادية ضد قطاع غزة، التأمت في العاصمة الاقتصادية للبرازيل ريو دي جانيرو، قمة منظمة بريكس لعام 2025، تحت شعار “تعزيز التعاون بين دول الجنوب العالمي لحوكمة أكثر شمولا واستدامة”.
جدول أعمال القمة التي غاب عن حضورها الرئيسان الروسي والصيني، جاء منسجما مع التحولات الجارية على مستوى العالم، وعكست خطابات الرؤساء المشاركين تطلعا للاستفادة من الفرص الكامنة في تحديات المرحلة والارتقاء في مستوى المواجهة مع النظام الاحادي لتعبيد الطريق أمام التعددية القطبية.
نحو نظام تبادلي مالي جديد
غياب الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بسبب مذكرة توقيف صادرة عن المحكمة الجنائية الدولية، لم يحل دون مشاركته في القمة عن بعد بخطاب وصف بالناري. فلم يكتفِ بتوجيه انتقادات لاذعة للنظام العالمي الراهن، ونموذج العولمة الليبرالية الذي أصبح من الماضي من وجهة نظره، بل ذهب بعيداً، في طرح رؤية استراتيجية للتحرر من قبضة هذا النظام، عبر التحول نحو استخدام العملات الوطنية بين دول المجموعة، في خطوة مباشرة تهدف إلى تقويض سطوة الدولار الأمريكي وهيمنته على النظام المالي بوصفه احد ادوات السيطرة الأمريكية على العالم.
وفي موقف يظهر حجم التقارب في رؤى قادة منظمة بريكس لدورها في مستقبل صياغة النظام العالمي الجديد، شدد رئيس مجلس الدولة الصيني لي تشيانغ الذي مثل بلاده في القمة، على ضرورة أن تسعى دول بريكس لتصبح في طليعة جهود دفع إصلاح الحوكمة العالمية. وقال لي إن العالم يشهد بوتيرة سريعة تحولات غير مسبوقة منذ قرن، حيث يواجه النظام الدولي وقواعده تحديات جسيمة، بينما تشهد المؤسسات متعددة الأطراف تراجعا متواصلا في هيبتها وفعاليتها. مشيراً إلى أن الرؤية التي طرحها الرئيس الصيني شي جين بينغ بشأن الحوكمة العالمية، والقائمة على مبدأ التشاور الواسع والمساهمة المشتركة والمنافع المتبادلة، أصبحت تظهر قيمتها المعاصرة وأهميتها العملية بشكل أكبر. مؤكداً ضرورة “تعزيز التشاور الواسع القائم على المساواة والاحترام المتبادل في مواجهة تزايد الصراعات والخلافات، والسعي للمساهمة المشتركة من خلال التضامن في مواجهة تشابك المصالح المشتركة بشكل عميق، وتبني عقلية منفتحة لتحقيق النجاح المشترك والمكاسب المتبادلة في مواجهة الفرص التنموية متبادلة النفع”. وقال إن “دول مجموعة بريكس، باعتبارها القوة الرائدة للجنوب العالمي، يجب أن تحافظ على استقلالها واعتمادها على الذات، وأن تظهر إحساسا بالمسؤولية، وأن تلعب دورا أكبر في بناء التوافق والتآزر”.
بدوره، انتقد الرئيس البرازيلي لويس إيناسيو لولا دا سيلفا ما وصل إليه النظام الدولي، لاسيما افراغ القانون الناظم للعمل مؤسساته من مضمونه، مشيراً إلى أن النظام الحالي أصبح غير ملائم لعصر متعدد الأقطاب، داعياً إلى إصلاح شامل لمجلس الأمن يضم أعضاء دائمين من آسيا وأفريقيا وأمريكا اللاتينية. وكان لافتاً في خطاب الرئيس البرازيلي الإشارة إلى الإبادة الإسرائيلية الجماعية في غزة. إذ دعا إلى “عدم الاستمرار في تجاهل الإبادة التي ترتكبها إسرائيل في غزة، والمجازر بحق مدنيين أبرياء، واستخدام الجوع كسلاح حرب”.
البيان الختامي
وعلى مستوى خطابات المشاركين في منظمة بريكس، صدر البيان الختامي المشترك بنبرة مختلفة عن القمم السابقة، في لغته ومضمونه. إذ أدان بشكل صريح العدوان الإسرائيلي الأمريكي على الجمهورية الإسلامية الإيرانية، ودعا إلى وقف إطلاق نار غير مشروط في قطاع غزة. وبالموازاة مع دعوة البيان الختامي للقمة إلى “تعميق التعاون الاقتصادي والتجاري بين الدول الأعضاء، والتركيز على أولويات التنمية المستدامة”، والعمل على “محاولة خلق بيئة اقتصادية قادرة على منافسة تكتلات غربية تقليدية مثل مجموعة السبع”، خص الادارة الأمريكية برسالة تحذير من تداعيات الحرب التجارية. معربا عن “قلق بالغ” من الرسوم الأحادية وتأثيرها في النظام التجاري العالمي.
وفي ما يعكس تصميماً على تحقيق اهداف المنظمة في خلق بيئة تدفع باتجاه التعددية القطبية في إطار من التعاون الدولي القائم على المصالح المشتركة ورفض الهيمنة، شهدت القمة السابعة عشرة لمنظمة بريكس توسيعا لأعضائها بانضمام إندونيسيا رسميا إلى التكتل، في خطوة اعتبرت استراتيجية بالنظر إلى موقعها الجغرافي. علما ان المنظمة التي تأسست من أربع دول هي البرازيل وروسيا والهند والصين، سرعان ما جذبت اهتمام الدول الأخرى لتنضم اليها، فكانت جنوب أفريقيا الدولة الخامسة الأساسية، قبل أن تنضم كل من مصر وإثيوبيا وإيران والإمارات العربية المتحدة. ومع تحولها إلى تكتل اقتصادي كبير وسريع النمو، تقدمت 44 دولة بطلب رسمي للانضمام، وخلال العام الجاري، قبلت طلبات كل من بيلاروس وبوليفيا وكوبا وكازاخستان وماليزيا وتايلاند وفيتنام وأوغندا وأوزبكستان، كدول شريكة تمهيدا للعضوية الرسمية تحت اسم (+BRICS)، وأمام هذه الخارطة من الدول الأعضاء والمرشحة لأن تنال العضوية الكاملة، تكاد منظمة بريكس تحقق أحد أهم أهدافها، في التحول إلى “نادي الجنوب العالمي” الطامح إلى الاستقلال الاقتصادي والسياسي عن الغرب.
خاتمة
تشكل منظمة بريكس بما تمثله على المستوى الدولي منصة كاشفة لحجم التحولات الجارية، وتعكس من جهة أخرى حجم التطلعات لعالم جديد متحرر من الهيمنة الأحادية. وفي قمتها الأخيرة أبدت دول المنظمة استعداداً أعلى لمواجهة تحدي الهيمنة الأمريكية سياسياً واقتصادياً، لاسيما في ظل السياسية المعلنة من البيت الأبيض وفي مقدمها الرسوم الجمركية التي لم تميز بين أصدقاء الولايات المتحدة وأعدائها.
