هل يبكي الثرى؟ أمْ أنَّ يأساً في البلادِ يُراقُ؟
بقلم غسان عبد الله
ذهبوا إلى الزيتونِ بعدَ مغيبهِ.. وتداولوا وطناً لقبرِ السنبلةْ.. ذهبوا.. ولمْ تذهبْ أناملُ برْقِنا كانت تخطُّ على الفضاءِ قصيدتينِ وقنبلة.. لغَمْرٍ جريحٍ أغنّي.. وما نبْضُ هذا الترابِ الكليمِ سوى قلبِ أمٍّ على وقتِها مرَّ ليلٌ وخيلٌ ومرَّتْ شعوبٌ بعيدةْ.. والأمُّ هناكَ، حديقةُ حُبٍّ وحربٍ وحيدةْ..
تقومُ كخفْقَةِ وردٍ إذا حنَّ طيرٌ ورفَّ شريدٌ يلاقي شريدةْ.. تقومُ وتمسكُ خصرَ الجحيمِ الجميلِ وعينٌ تجسُّ الرمادَ المُسَمّى بلادي وعينٌ، تعيدُ إلى الحلمِ أحفادَهُ في القصيدةْ.. لها..، لهفةٌ لا تُكنّى وحزنٌ جليلٌ، وعشبٌ.. بطعمِ هديلِ الصليلْ.. لها، وهي تصغي إلى صخرةِ الانتظارِ فراسةُ ذاكَ الشهيدِ القتيلْ.. تحيةً لأمٍ تقومُ من وجعها سُعُفُ النخيلْ.. هوَى أمتي المتكسّرُ قربانُها الليلكيُّ الذي أدمنتْهُ السيوفُ كما أدمنتْهُ نصوصُ الصهيلْ.. تحيةً لِمَنْ في مهبِّ الردى أشعلتْ روحَها ثمَّ فاضتْ إلى.. آخرِ المستحيلْ..
كمْ مرّةٍ حرقَ الشهيدُ رُعافَهُ وأتى ليكتبَ طيْفَنَا بالأرجوانْ.. كقصيدةٍ عذراءَ، أوقدَ ماءَهُ ورمَى بهِ خطواتِنَا.. غطّى الصخورَ بنظرةٍ وأضاءَ خضرتَها لنا.. هل ما تَبَرْعَمَ في الشظايا يجتلي سِرَّ انتحاراتِ البنفسجِ في الدخانْ؟.. منذورةٌ أحلامُنا للنصرِ أوْ للموتِ.. والأشواقُ مثل الشِّعرِ وامرأةٍ إلى دمهِ تطيرُ..
مِنْ كلِّ مفترَقٍ تجيءُ الذكرياتُ إليَّ.. إنَّ الحبَّ مثلُ الذكرياتِ كلاهما وطنٌ إليكَ يدورُ، ثم يدورْ.. يا أيها الوجهُ المطلُّ على هديلِ الياسمينْ نحنُ اعتصرْنَا زهرةَ السكّينْ.. ما زلتَ تذكرُ طعْمَ رعْدَتِها ما زلتَ تُشعلني، وتركضُ في الحنينْ.. كبرتْ قصائدُ نارنا شجراً يسيرُ ولا يصلْ.. وتكاثرتْ أسماؤنا مطراً يعذبهُ الرحيلْ.. كبرتْ صنوبرةُ الصهيلْ ولمْ تعُدْ خيلي منَ المنفى ولمْ يَعُدِ الشهيدُ القتيلْ.. لهُ، حين يعلو بجرحي الخفيِّ، بريقي الذي يتنافرُ حتى الغرقْ.. لهُ..، حين يهمي هفيفاً براعمُ سِرِّ الشفقْ.. هو الأزرقُ البِكْرُ أصغرُ مني بحُزنَيْنِ.. أكبرُ منْ بيِّناتِ الشجرْ.. إذا ما اكتملْنا.. بنا ترتوي الشمسُ والصافناتُ تطيرُ.. كذا الشِّعرُ يقدِّسُ ما يَتَهاجسُ في منتهانا ويبكي إذا ما البنفسجُ خالجَ مني الشررْ.. هو للبنفسجِ شعلةُ نارٍ رمتْها السماءُ فكانَ المطرْ.. لعينيهِ، شعلةُ ماءِ القصيدةِ حين تمورُ شراعاً لأجراسِ الحلمْ.. لعينيه، وردةُ رقْصِ النوارسِ حين المحارُ يغنّي:
﴿فمي لارتشافِ الرنينِ وبرْقُةُ سيلي.. ملاكُ شرودي.. وحَرْثُ انخطافي.. دمي لشعاعِ الرنينِ وأيقونةُ اللازوردِ البتولِ مآذنُ قلبي وأسْرى انخطافي..﴾
شررٌ جارحُ الانتشاءْ.. شررٌ مضمَرٌ قابَ ماءِ السماءْ.. زهرُهُ، يستوي كالأزلْ.. هل تنشَّقَ فيَّ القصيدةَ ثمَّ اشتعلْ؟.. سَرَّبَ الحلمُ أوطانَهُ في الجُمَلْ.. سرَّبَ الحلمُ أشلاءَهُ.. كمْ سقى نارَهُ ورمّى في دمي لحنَهُ وارتحلْ.. طالعٌ في اكتناهِ الخرابْ شجرٌ ينحني للكتابْ.. هاجساً، هاجساً، ينحني ثمَّ.. يفتحُ أغصانَهُ للسحابْ..هذا دمُهُ.. والوردُ.. طَلْعُ الأسئلةْ.. بينه وبينَ السِّلْمِ، تلكَ الجلجلةْ.. مَنْ ذا يُصوِّحُ في المدى قصائدَ عومنا:
“سَقطَ الصدى؟.. لا ليسَ موتُكَ هكذا.. ليس وعدُكَ، أيها العربيُّ هذا..
إنه بغناءِ مَنْ صعدوا إلى قِمَمِ الردى، بمدينةٍ حملتْ وأجهضَها الغزاةُ،
يقسمُ، ما بينه وبين الصبحِ هاويةٌ فهلْ / والعتمُ يفضحهُ السَّنا،
أوقَدَ فيكم رعشةَ الحريةِ الزرقاء؟
أمْ.. أينعَ فيكم، وانطفأَ، وكانَ آخرَ ما تَهازَمَ في حديدِ الانبياءْ؟
الأولياءُ تخاطفوه، وجمَّلوه، وكرَّسوه حديقةً للبندقيَّةْ..
الأولياءُ، تباعدوا في مقلتَيْه فقالَ:
﴿هل يبكي الثرى؟ أمْ أنَّ يأساً في البلادِ يُراقُ؟
كيف نفاجئُ الرعدَ الظليلَ ونحنُ لمْ نرثِ السماءَ..؟
سيوفُنَا، نامتْ على أعناقِنَا والرعبُ آنسَ ما تشجَّرَ في الذبولْ؟
لا صحْوَ نحملهُ، إذنْ.. هي أمَّةٌ سَكِرَتْ فضاعتْ أمَّهاتُ الدم..
ضاعتْ بارقاتُ الوعدِ.. والأحلامُ، صادرَها الهباءْ..﴾
مطرٌ،.. وَ.. ترتطمُ القصيدةُ بالشجرْ..
مَنْ ذا الذي ألقى عصا كلماتِهِ فإذا الحجارةُ وردةٌ تسعى، وتشتقُّ الشررْ؟..
قُمْ أيها النايُ البصيرْ..
لكَ كلُّ ما في الأفقِ مِنْ حلمٍ ومنْ غيمٍ وعاصفةٍ تَرى..
قُمْ باسمِ مَنْ سَمَكَ الحصى واغسلْ غبارَ الليلِ عن دمنا الضريرْ..
يا أيها الناريُّ قَدْ نادتْكَ أزمنةُ النفيرْ والنازلاتُ..
سرتْ إليكَ جروحُنا وخيولُ موتانا..
فقُمْ يا فجرَ رحلِتنا التي تأتي.. سننتظرُ النشورْ.. سننتظرُ النشورْ.
