أول الكلام

‏هل يبكي الثرى؟‏ أمْ أنَّ يأساً‏ في البلادِ يُراقُ؟‏

بقلم غسان عبد الله

تقومُ كخفْقَةِ وردٍ‏ إذا حنَّ طيرٌ‏ ورفَّ شريدٌ يلاقي شريدةْ.. تقومُ‏ وتمسكُ خصرَ الجحيمِ الجميلِ‏ وعينٌ تجسُّ الرمادَ المُسَمّى بلادي‏ وعينٌ،‏ تعيدُ إلى الحلمِ‏ أحفادَهُ في القصيدةْ..‏ لها..،‏ لهفةٌ لا تُكنّى‏ وحزنٌ جليلٌ،‏ وعشبٌ.. بطعمِ هديلِ الصليلْ..‏ لها،‏ وهي تصغي‏ إلى صخرةِ الانتظارِ‏ فراسةُ ذاكَ الشهيدِ القتيلْ..‏ تحيةً لأمٍ تقومُ من وجعها سُعُفُ النخيلْ‏.. هوَى أمتي المتكسّرُ‏ قربانُها الليلكيُّ الذي‏ أدمنتْهُ السيوفُ‏ كما أدمنتْهُ‏ نصوصُ الصهيلْ..‏ تحيةً‏ لِمَنْ‏ في مهبِّ الردى‏ أشعلتْ روحَها‏ ثمَّ فاضتْ إلى.. آخرِ المستحيلْ..‏

كمْ‏ مرّةٍ حرقَ الشهيدُ رُعافَهُ‏ وأتى‏ ليكتبَ طيْفَنَا بالأرجوانْ..‏ كقصيدةٍ عذراءَ،‏ أوقدَ ماءَهُ‏ ورمَى بهِ خطواتِنَا..‏ غطّى الصخورَ بنظرةٍ‏ وأضاءَ خضرتَها لنا.. هل‏ ما تَبَرْعَمَ في الشظايا‏ يجتلي‏ سِرَّ انتحاراتِ البنفسجِ في الدخانْ؟‏.. منذورةٌ أحلامُنا‏ للنصرِ أوْ للموتِ‏.. والأشواقُ مثل الشِّعرِ‏ وامرأةٍ إلى دمهِ تطيرُ..‏

مِنْ كلِّ مفترَقٍ‏ تجيءُ الذكرياتُ إليَّ‏.. إنَّ الحبَّ مثلُ الذكرياتِ‏ كلاهما‏ وطنٌ إليكَ يدورُ،‏ ثم يدورْ..‏ يا‏ أيها الوجهُ المطلُّ‏ على‏ هديلِ الياسمينْ‏ نحنُ اعتصرْنَا زهرةَ السكّينْ..‏ ما زلتَ تذكرُ‏ طعْمَ رعْدَتِها‏ ما زلتَ‏ تُشعلني،‏ وتركضُ في الحنينْ..‏ كبرتْ قصائدُ نارنا‏ شجراً يسيرُ ولا يصلْ..‏ وتكاثرتْ أسماؤنا‏ مطراً يعذبهُ الرحيلْ‏.. كبرتْ صنوبرةُ الصهيلْ‏ ولمْ تعُدْ خيلي منَ المنفى‏ ولمْ‏ يَعُدِ الشهيدُ القتيلْ.. لهُ،‏ حين يعلو بجرحي الخفيِّ،‏ بريقي الذي يتنافرُ حتى الغرقْ..‏ لهُ..،‏ حين يهمي هفيفاً‏ براعمُ سِرِّ الشفقْ..‏ هو الأزرقُ البِكْرُ‏ أصغرُ مني بحُزنَيْنِ‏.. أكبرُ منْ بيِّناتِ الشجرْ‏.. إذا ما اكتملْنا..‏ بنا ترتوي الشمسُ‏ والصافناتُ تطيرُ‏.. كذا الشِّعرُ‏ يقدِّسُ ما يَتَهاجسُ في منتهانا‏ ويبكي إذا ما البنفسجُ‏ خالجَ مني الشررْ..‏ هو للبنفسجِ شعلةُ نارٍ‏ رمتْها السماءُ‏ فكانَ المطرْ..‏ لعينيهِ،‏ شعلةُ ماءِ القصيدةِ‏ حين تمورُ‏ شراعاً‏ لأجراسِ الحلمْ..‏ لعينيه،‏ وردةُ رقْصِ النوارسِ‏ حين المحارُ يغنّي:‏

﴿فمي لارتشافِ الرنينِ‏ وبرْقُةُ سيلي..‏ ملاكُ شرودي‏.. وحَرْثُ انخطافي..‏ دمي لشعاعِ الرنينِ‏ وأيقونةُ اللازوردِ البتولِ‏ مآذنُ قلبي‏ وأسْرى انخطافي..﴾

شررٌ جارحُ الانتشاءْ‏.. شررٌ مضمَرٌ‏ قابَ ماءِ السماءْ‏.. زهرُهُ،‏ يستوي كالأزلْ‏.. هل تنشَّقَ فيَّ القصيدةَ‏ ثمَّ اشتعلْ؟‏.. سَرَّبَ الحلمُ‏ أوطانَهُ في الجُمَلْ‏.. سرَّبَ الحلمُ أشلاءَهُ..‏ كمْ سقى نارَهُ‏ ورمّى في دمي‏ لحنَهُ وارتحلْ..‏ طالعٌ‏ في اكتناهِ الخرابْ‏ شجرٌ‏ ينحني للكتابْ‏.. هاجساً،‏ هاجساً،‏ ينحني‏ ثمَّ.. يفتحُ أغصانَهُ للسحابْ..‏هذا دمُهُ..‏ والوردُ.. طَلْعُ الأسئلةْ.. بينه وبينَ السِّلْمِ،‏ تلكَ الجلجلةْ..‏ مَنْ ذا‏ يُصوِّحُ في المدى قصائدَ عومنا:‏

“سَقطَ الصدى؟‏.. لا ليسَ موتُكَ هكذا..‏ ليس وعدُكَ،‏ أيها العربيُّ هذا..‏

إنه‏ بغناءِ مَنْ صعدوا‏ إلى قِمَمِ الردى،‏ بمدينةٍ‏ حملتْ وأجهضَها الغزاةُ،‏

يقسمُ، ما بينه وبين الصبحِ هاويةٌ‏ فهلْ‏ / والعتمُ يفضحهُ السَّنا،‏

أوقَدَ فيكم‏ رعشةَ الحريةِ الزرقاء؟‏

أمْ.. أينعَ فيكم،‏ وانطفأَ،‏ وكانَ آخرَ ما تَهازَمَ‏ في حديدِ الانبياءْ؟

الأولياءُ‏ تخاطفوه،‏ وجمَّلوه،‏ وكرَّسوه حديقةً للبندقيَّةْ..‏

الأولياءُ،‏ تباعدوا في مقلتَيْه‏ فقالَ:‏

﴿هل يبكي الثرى؟‏ أمْ أنَّ يأساً‏ في البلادِ يُراقُ؟‏

كيف نفاجئُ الرعدَ الظليلَ‏ ونحنُ‏ لمْ نرثِ السماءَ..؟‏

سيوفُنَا،‏ نامتْ على أعناقِنَا‏ والرعبُ آنسَ‏ ما تشجَّرَ في الذبولْ؟‏

لا صحْوَ‏ نحملهُ، إذنْ..‏ هي أمَّةٌ‏ سَكِرَتْ فضاعتْ أمَّهاتُ الدم‏..

ضاعتْ‏ بارقاتُ الوعدِ‏.. والأحلامُ،‏ صادرَها الهباءْ..﴾‏

مطرٌ،..‏ وَ.. ترتطمُ القصيدةُ بالشجرْ..‏

مَنْ ذا الذي‏ ألقى عصا كلماتِهِ‏ فإذا الحجارةُ‏ وردةٌ تسعى،‏ وتشتقُّ الشررْ؟..‏

قُمْ‏ أيها النايُ البصيرْ‏..

لكَ كلُّ ما في الأفقِ‏ مِنْ حلمٍ‏ ومنْ غيمٍ‏ وعاصفةٍ تَرى..‏

قُمْ‏ باسمِ مَنْ سَمَكَ الحصى‏ واغسلْ غبارَ الليلِ‏ عن دمنا الضريرْ..‏

يا أيها الناريُّ‏ قَدْ نادتْكَ‏ أزمنةُ النفيرْ‏ والنازلاتُ..

سرتْ إليكَ‏ جروحُنا‏ وخيولُ موتانا‏..

فقُمْ‏ يا فجرَ رحلِتنا التي تأتي..‏ سننتظرُ النشورْ..‏ سننتظرُ النشورْ.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *