كلامٌ عن القصيدة
بقلم غسان عبد الله
نامتْ مشاويرُ المساءِ على هواها، والقصيدةُ أَيقظتْ كلَّ الكلامْ،
دارتْ على جُرحِ المغني دورةً، ثمَّ استراحتْ في المُدامْ،
لتكونَ جُرْحَاً نازفاً أو جارحاً، يمشي إلى روحِ الأحبةِ كي ينامْ،
تنمو على أُفقِ الصحارى غيمةً،
ويشدُّ ذاكَ الرأسَ أوجاعٌ، فتسبقني مراثٍ للكلامْ..
وما تهجَّى في مدائنَ ذوّبتْ سَفَرَ الحمامْ..
لتجيءَ زفرةَ عاشقٍ، أنشودةً، ميناءَ روحٍ شيَّعتْ بؤسَ المدينةِ،
والعروبةُ قد تناستْ صوتَها وجيوشُها حَشْدٌ مِنَ الأسماءِ والألقابِ،
أو جُثثٌ تسمي فتحها فينا، لتنشقَ المهاوي فوقَ أروقةِ السلامْ،
لتجيءَ مِنْ أُفقِ السماءِ، تعيدُ ترتيبَ الحكايةِ والهواءِ
تزيلُ ميراثَ الغباءِ ولعنةَ الأسماءِ، ما بلغتْ سيوفٌ في دمانا، أو غشتْ جمرَ الهلامْ،
لتُبيحَ تسريبَ الكآبةِ والبحارِ، وما تعفَّنَ فوقَنا مِنْ شواطئ تغدو بحاراً،
أو غيوماً ترتدي دفءَ الأماكنِ، ثُمَّ يملأُ نوحُها هذا الغرامْ..
هيَّا إذنْ صارَ الهواءُ مواتياً، فتغيّبي في جُرحيَ الذكرى،
بما غَشيتْ سماءٌ في عروقي، ما صارَ من أسماء في رعشِ الخلايا
ما تخبَّأَ في الأصابعِ من بروقي، وتقحّمي ذاكَ البعيدَ ولا تداري صمتَنا،
ما زلتِ قادرةً على دقِّ الضلوعِ، وما تكوَّرَ من ثلوجِ الخفقةِ الأولى بنا
يا منْ أُداري صمتَها زمناً، فيفضحني على شغفٍ رجوعي.
هيَّا إذنْ.. سترينَ إيقاعاً وأرواحاً، وروداً تشتهي أنفَ الحبيبِ،
عمراً يوقَّعُ فوقَ عقمِ الأرضِ، أو سُحُبُاً توزعُ وردةً حمراءَ فوقَ البابِ فجراً،
كي يرتّلَ دفئها صوتَ الحنينِ، وما تراكمَ في دموعي..
هيّا إذنْ قولي لبحرِ الروحِ: إنك تلجئين من المسافةِ،
من عباءةِ مَنْ تكاثرَ فوقَنا، حتى هَربنا نحو داخلنا، ليعلونا خرابٌ في خراب..
هيّا ادخلي، ما زالَ في الروحِ الكثيرُ، وما يزالُ القلبُ مشتعلاً، بآياتِ الكتابْ..
ما زالَ في القلبِ المدائنُ شيّدتْ أسماءَها خوفاً،
فلا ترمي خرابَ الأفقِ فيها، واتركي وادي الحيارى،
قد تَرينَ الروحَ في أفقِ الأصابعِ من فراشاتٍ ملونةٍ،
وقد تمشيَ السنابلُ فوقَ موجٍ يحتمي من كثرةِ الحراسِ بالوادي الكبيرِ
وبالأغاني في جرارِ عَتّقتْ هذا الحنينَ، وزاولتْ هذا الغيابْ..
هيّا ادخلي سترينَ نيراناً تُشعّلُ نارَها، والشعرُ يهربُ في القصائدِ،
يُلْبِسُ الآفاقَ ثوباً ثم يمسحُ دمعةً فوقَ العِتابْ..
سترينَ أسراراً توسّعُ روحَنا، ماءً يعودُ إلى المنابعِ،
أو رياحاً تهتدي فينا، لتنسجَ أفقَها جمراً على روحِ الترابْ..
هيّا إذنْ.. ولتتركي مدنَ الملوحةِ جانباً،
قد آنَ أن ننسى مدائنَ غُلِّفتْ بدمِ الأخوةِ، ثم غطَّاها سرابٌ في سرابْ..
لا تجعلي خوفَ الحراسةِ يرتدي فيكِ التجّهمَ وادخلي،
سترينَ يُنبوعاً من الدمعِ المجسَّدِ بالقصائدِ، فوقَ قلبٍ يكسرُ الميناءَ والأسماءَ،
يَدخلُ في البراري دورةً يمشي إلينا، ثم يحملُ روحَنا فوقَ العذابْ..
هيّا إذنْ أنتِ المدائنُ والمرافئُ فامنحي للحرفِ صوتاً فوقَ مئذنةِ الحروبْ..
هيّا إذنْ قولي بأني حبُّكِ المسْمَرُّ في الصوتِ المقدّسِ
حين يُفرغُ كأسَه الكبرى على شباكِ روحي،
ما تنامى من غناءٍ فوقَ سوسنةٍ تهرِّبُ ظلَّ أريجِ الأماسي جمرةً،
لتقول: إنَّ الليلَ ياقوتُ الكلامِ نبوءةُ الأوقاتِ،
شاطئُ الأسرارِ، أنهارُ البنفسجِ رحلةً، إنَّ المدائنَ أصغرُ الأشياءِ في روحِ التذكّرِ..
فلنكوّرْ ما تناثرَ من هواءِ الحبِّ، وليكتبْ غريبُ الدارِ أنّا قبلةُ الأرضِ الجميلةِ،
من شمالِ الحزنِ حتى نخلةِ السَهرِ الجنوبْ.
