أول الكلام

بين الأقوال والأفعال.. الفتور العربي كثير!

بقلم غسان عبد الله

الموعظة الحسنة أول مدارج الدعوة، أي دعوة، على أن ثمارَ الموعظةِ ليس شرطاً أن تكون سريعة، حالاً، في ساعتها..

الكلمات لا بد أن تستقر في القلوب، من بعد أن تعيها أذنٌ واعية، وللكلمات في القلوب “صدع” و “أصدع” وهذه لا تضيع، ويوماً ما سيُبَعثر ما في القبور، وسيحصل ما في الصدور، وما في الصدور هو آثارُ الكلمات، وعليها يحاسب الله الناس.

لا إتقانَ في حين إن الله يحبُّ إذا عمل أحدنا عملاً أن يتقنه.. الإتقانُ مطلبٌ غائبٌ، وكلمةٌ مفتَقَدةٌ في المعجمِ العربي: تعليماً، واجتماعاً، واقتصاداً وسياسة.. الإتقان مدخلٌ مهمٌ إلى ساحاتِ التجاوزِ، ومنافذِ الفضلِ، وسماواتِ الإحسان.. والإحسانُ مران ودراية، هو خلقٌ رفيع، لذلك فإن الله – دوماً – مع المحسنين.

الإحسانُ رتبةٌ فوق الفرضِ، وأفعالُنا العربيةُ قليلها نادرٌ جداً ما يصل إلى هذه الرتبة.. المحسنون رحماءَ بينهم يقرأونَ قراءاتٍ كبرى أكثرَ رحابةً واتساعاً.. المحسنون يرون ما لا يراه الصغار.

روي عن أحد الصالحين أنه كان يُقبِّل الصدقةَ من قَبْلِ أن يتصدّقَ بها.. ولما سُئِلَ عن هذا، قال: لأنها تقعُ في كفِّ الله.. أو لعلّهُ قال “في كفِّ الرحمن” هو لم يرَ الآخذَ من الناسِ، ولكن نظرَ من شرفةٍ عليا تجاوزتِ الأرضَ، واستشرفَ الملكوتَ، والملأ الأعلى.

حركتُهُ فكرةٌ عليا فَسَلَكَ سلوكاً يتساوقُ والفكرة، فكانت قراءاتُهُ عُليا، كان “محسناً” لم يَرَ!!، ولكنه نظرَ ولم ينظر “إلى”.. وإنما نظرَ “في”.. كانت له رؤيا لا رؤية. فجاوزَ برؤياه الظاهرَ القريبَ إلى ما فوقَ الهاماتَ وما هو أبعدُ من الأيدي والأدمغة، غادرَ الأرضَ وموضعَ القدم، فعرفَ عن الله ما لا يعرفُ كثيرون..

المسافات شاسعةٌ بين الأقوالِ العربيةِ والأفعالِ العربية.. وهذا يقللُ الثقةَ في العملِ العربيِّ.. يزيدُ “الثقوب” و”الفتور” و”التفاوت”.. الفتور العربي كثيرٌ.. والتفاوتاتٌ أكثر، والسعيُ إلى الاتِّساقِ كلمةٌ لا بدَّ منها عربياً، لسدِّ الثغراتِ وليُخْلِص قولُنا لفعلنا.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *