إقليميات

حلم دولة “إسرائيل الكبرى” بضمِّ الضفة الغربية وجنوب سوريا

بقلم توفيق المديني

هذه الإبادة، التي تنتهج التجويع من لحظتها الأولى ولكنّها هذه المرَّة أرادت أن تجعله مطبقا لا ثغرة فيه لقطرة حليب أو لقمة طعام، ليست تفنّناً إسرائيليّاً خاصّاً بالإسرائيليين بل هي إبادة عربية أيضاً بحكم الحصار الذي تفرضه الأنظمة العربية على الغزيين، تطبيقاً لسيدهم الأوحد دونالد ترامب زعيم الإمبريالية الأمريكية.

فالدول العربية والإسلامية مدانة لأنَّها توفّر الشروط الموضوعية الأهمّ لاستمرار الإبادة والتجويع واستطالة الشرّ الصهيوني، لأنَّها دول مسلوبة الإرادة غير قادرة أن تبادر إلى فتح معبر رفح على الحدود المصرية، ومعابر الأردن، بعضها لاعتبارات سياسية ضيقة متعلقة بأنظمتها، وبعضها لأنّها لم تتعود أن تكون مبادرة وذات شأن في مواجهة الكيان الصهيوني، وبعضها لأنّها لا ترى في الكيان الصهيوني هو الخطر، بل الخطر يكمن في حركة المقاومة حماس، وباقي فصائل محور المقاومة التي يجب القضاء عليها، مثل أنظمة الخليج الخ..

حرب نتنياهو على جميع جبهات المفتوحة تحظى بضوء أخضر ودعم من ترامب وإدارته – بعد زياراته الثلاث لواشنطن – ليبقى المسؤول الأجنبي الوحيد الذي سُمح له زيارة البيت الأبيض ثلاث مرات في 5 أشهر!! ليُمنح الضوء الأخضر للاستمرار باستباحة أمن ودول إقليم الشرق الأوسط.

صوّت كنيست الاحتلال الصهيوني يوم الأربعاء 23 تموز/يوليو 2025 على مشروع قانون يدعو لفرض سيادة الاحتلال الصهيوني على الضفة الغربية المحتلة وغور الأردن. وحاز مشروع القرار، الذي قدمته الأحزاب اليمينية المتطرفة في الائتلاف الحاكم، الذي يقوده بنيامين نتنياهو على أغلبية 71 صوتاً، وجاء قبل بدء عطلة الكنيست الصيفية.

وذكرت صحيفة “هآرتس” الصهيونية أنَّ الاقتراح ذو طابع رمزي فقط، وقد بادر إليه الائتلاف الحاكم (يضم حالياً الليكود و”الصهيونية الدينية” و”القوة اليهودية”)، وحزب “إسرائيل بيتنا”، ويُحتمل أن يفتح باباً لنقاش موسّع في الهيئة العامة أو في اللجان البرلمانية حول مسألة الضم، لكنه لا يحمل أي أثر قانوني أو عملي مباشر. وقد صوّت لصالح الاقتراح 71 نائباً، فيما عارضه 13 فقط.

ضمّ الضفة يعني دفن مقولة الدولة الفلسطينية

جاء في نص الاقتراح الصهيوني الذي قدمه الائتلاف الحاكم بزعامة نتنياهو: “السيادة هي جزء لا يتجزأ من تحقيق الصهيونية والرؤية الوطنية للشعب اليهودي”، كما أضيف أنَّ “عملية السابع من أكتوبر أثبتت أن قيام دولة فلسطينية يشكّل خطراً وجودياً على إسرائيل ومواطنيها والمنطقة بأكملها”. وقدم الاقتراح، النائب دان إيلوز من حزب “الليكود”، الذي كتب بعد التصويت: “الرسالة واضحة، يهودا والسامرة (الاسم التوراتي للضفة المحتلة) ليست ورقة تفاوض.. لقد حان وقت السيادة”. وقال وزير العدل الصهيوني ياريف ليفين، أثناء كلمته في المؤتمر، إنَّ “إسرائيل” أمام “فرصة تاريخية” يجب عدم تفويتها لتطبيق السيادة الكاملة على “يهودا والسامرة”، وهو الاسم التوراتي الذي تستخدمه إسرائيل للإشارة إلى الضفة الغربية.

وقال وزير الطاقة إيلي كوهين “لن تكون هناك سوى دولة واحدة بين البحر المتوسط ونهر الأردن، هي دولة إسرائيل، والسيادة في الضفة ضرورة أمنية قبل أن تكون خيارا سياسيا”. وسبق الخطوة الجديدة تصعيد في الدعوات الرسمية لضم الضفة، حيث بعث وزراء “الليكود” الـ 14، ورئيس الكنيست أمير أوحانا، في الثاني من تموز / يوليو 2025، رسالة إلى رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو دعوه فيها إلى التصديق الفوري على ضمِّ الضفة الغربية.

وأدانت وزارة الخارجية والمغتربين الفلسطينية التصريحات والمواقف التحريضية وأي صيغ متداولة أو بيانات في “الكنيست” الصهيونية التي تدعو لفرض ما تسمى “السيادة الاسرائيلية على الضفة”. وقالت الوزارة، في بيان صحافي نشرته على وسائل الإعلام العربية والأجنبية، “هذه الإجراءات استعمارية تشكل تكريساً لنظام “الأبرتهايد” في فلسطين المحتلة، واستخفافاً فجّاً بقرارات الأمم المتحدة والرأي الاستشاري للعدل الدولية، وإمعاناً في تقويض فرصة تطبيق حل الدولتين، خصوصاً بعد قرار الكنيست برفض الدولة الفلسطينية، كما أنَّها دعوة صريحة لتصعيد دوامة الحروب والعنف”.

ومنذ بدء حرب الإبادة الإسرائيلية على قطاع غزة عام 2023، سرّع الاحتلال ووسع وتيرة الاستيطان في الضفة الغربية، وتصاعد حديثها عن ضمها وفرض السيادة الصهيونية عليها، مقابل رفض إقامة دولة فلسطينية مستقلة. وتؤكد الأمم المتحدة أن الاستيطان في الأراضي المحتلة “غير قانوني”، وتحذر من أنه يقوض إمكانية معالجة الصراع وفقا لمبدأ حل الدولتين، وتدعو تل أبيب منذ عقود إلى وقفه دون جدوى.

اعتماد الخيار الأردني

الكيان الصهيوني اليوم لا يريد توقيع أي اتفاق ملزم مع حماس، ولا الانسحاب من غزة، ولا يريد أيضاً أسراه! ويتربص بغزة، وينتظر الفرصة ليقوم بعملية سريعة غادرة وكاسحة، يسترجع من خلالها شرفه الذي انتهك، وينتقم بالضربة القاضية، وينهي شيئاً اسمه المقاومة في غزة، وهو يريد أيضاً ضم الضفة الغربية وغور الأردن، لتسريع فرض الخيار الأردني كحل لتفكيك القضية الفلسطينية، وإرساء دعائم الهيمنة الامريكية/ الصهيونية على مستوى إقليم الشرق الأوسط، وأبعد.

وفضلاً عن ذلك، تذهب العصبية الصهيونية المدعومة من الفاشية الإمبريالية الأمريكية إلى الرغبة في تدمير النظام الأردني لخلق إمكانيات جديدة لتوطين الفلسطينيين من الضفة الغربية. فالعصبية الصهيونية والفاشية الأمريكية تريدان أن تكون سياسة الكيان الصهيوني في الحرب والسلم تحقيق القضاء على الأردن ونظامه الحالي، وتسليمه للأغلبية الفلسطينية، لإقامة الدولة الفلسطينية المنشودة، بدلاً من حل الدولتين (العزيز على قلوب الحكام العرب المستسلمين والمهزومين والتابعيين للإمبريالية الأمريكية، والمتحالفين مع الكيان الصهيوني)، الذي دفنه ترامب ونتنياهو في مقبرة التاريخ.

يقول البروفيسور كيرتس أريان، أستاذ العلوم السياسية في جامعة ولاية أبالاتشيان. وهو مؤلف كتاب “الأردن والانتفاضات العربية: بقاء النظام وتأثير السياسة خارج نطاق الدولة”. في مقال نشرته مجلة “فورين أفيرز” الأمريكية – (الأردن أمام منعطف وجودي وعلى ترامب الإنصات له، ترجمة بلال ياسين، صحيفة عربي 21، لندن، تاريخ 26مارس/آذار2025): أنَّ الأردن يعيش أزمة وجودية، فمع أنَّ الأردن استطاع خلال تاريخه التغلب على مشاكل داخلية وخارجية واستقبل موجات من اللاجئين، نظراً لعدم استقرار جيرانه، وتجاوز أزمات اقتصادية حادة، إلا أنَّ الوضع اليوم مختلف.

وعلى الرغم من إدانات الحكومة الأردنية للكيان الصهيوني، فقد واصل المتظاهرون الأردنيون الضغط عليها لتغيير سياساتها جذرياً. وطالبوا بإلغاء معاهدة السلام لوادي عربة 1994 وإنهاء صفقة الغاز المثيرة للجدل مع الكيان الصهيوني، وطرد القوات الأمريكية وغيرها من القوات الأجنبية من المملكة، وقطع أي إمدادات تصل إلى “إسرائيل” عبر الأراضي الأردنية طالما استمرت الحرب.

وتظل فكرة الترحيل، حتى بالنسبة للأردنيين الرافضين للرؤية المحلية القومية، مرفوضةً، لأَّنَّ ترحيلاً جماعياً للفلسطينيين إلى الأردن، يثير قلقهم ويذكرهم بما يثيره اليمين الصهيوني المتطرف عن “البديل الأردني”، وحلِّ القضية الفلسطينية على حساب الأردن. وقد اعتبر المسؤولون الأردنيون، على مستوى السلطة التنفيذية والتشريعية هذا الحديث خطاً أحمرَ، وأنَّ فلسطين هي للفلسطينيين.

اقتطاع جنوب سوريا لإقامة “ممر داوود”

وفي جنوب سوريا برز “سيدٌ” جديدٌ يأمُرُ ويُنْهِي، ويسرُقُ الأراضي، ويُقيمُ القواعد العسكرية، إنَه الكيان الصهيوني الفاشي بزعامة نتنياهو الذي يشنُّ عدواناً متصاعداً على الأراضي السورية، بما في ذلك التوغل البري في المنطقة الجنوبية وصولاً إلى أطراف دمشق. ويستغل الكيان الصهيوني التحولات ليعيد رسم خريطة الجنوب السوري، وبعيداً عن المزاعم الصهيونية بشأن “حماية الدروز”، يرى مراقبون أن ما تقوم به قوات الاحتلال الصهيوني يندرج ضمن مشروع أوسع يهدف إلى تقويض وحدة الأراضي السورية، مستغلة حالة السيولة السياسية التي أعقبت فرار بشار الأسد من دمشق أواخر 2024.

ما جرى في محافظة السويداء (جنوب سوريا) طيلة أيام 13 ولغاية 20 تموز/يوليو 2025، أمرٌ يتجاوز حدود المنطق. فالسويداء ليست مجرد مدينة سورية تشهد عنفاً متفلتاً من عقاله فحسب، بل إنَّها مرتكزٍ لمشروعٍ جيوسياسي أكبر بكثير ممّا يمكن تصوره. والمسألة هنا تتخطّى ما أُصطلح عليه من اقتتالٍ طائفي، أو تعصّبٍ دينيٍّ، أو تطرّفٍ مجتمعي. منذ عملية “طوفان الأقصى”، في 7 تشرين الأول/أكتوبر 2023، تجاوزت المخططات الصهيونية مداها بسرعة خارقة، وبدأ فصلٌ جديدٌ من الصراع العربي –  الصهيوني، في ظلّ سياسة الاستسلام العربية الرسمية، وتفكك المعارضات العربية على اختلاف انتماءاتها الفكرية القومية والماركسية والوطنية، واستقالة النخب الفكرية والثقافية والسياسية عن لعب دور معين في مقاومة سياسة التطبيع، وطحن الشعوب العربية من قبل الأزمات الاقتصادية والاجتماعية لتصبح لاهثةً وراء لقمة العيش، وممارسةً نوعاً من المواطنية السلبية في كل البلدان العربية. فالمشروع الصهيوني الذي يريد نتنياهو تنفيذه، من خلال تجدد اعتداءاته على سوريا، عنوانه “ممر داوود”. وتكمن الأهداف الحقيقية للكيان الصهيوني، تحقيق ما يلي:

1- تفتيت سوريا إلى خلق ثلاثة كيانات طائفية هشة وضعيفة مبنية على أسس طائفية وعرقية: كيان درزي في الجنوب، وكردي في الشمال الشرقي، وعلوي في الغرب، وهي مناطق تتمتع بثروات طبيعية ومواقع استراتيجية وهو ما يضمن للاحتلال الصهيوني محيطاً سياسياً هشاً يعزز مكانته كإمبريالية فرعية مهيمنة في كل منطقة الشرق الأوسط.

2- إذا كانت الأهداف الصهيونية في سوريا هي: السيطرة على المناطق الحيوية، وتدمير الأسلحة الإستراتيجية، و”حماية الأقليات”، وهي ذريعة تُستخدم سياسياً لتبرير الاعتداءات المستمرة على سوريا، فإنَّ الهدف الحقيقي يكمن في عرقلة التمدد التركي في شمال سوريا، إذْ ليس خافياً على أحد قلق الكيان الصهيوني من تزايد النفوذ التركي في الشمال السوري. ووفق تحليلات أمنية، فإنَّ أحد الأهداف الجديدة للعدوان الإسرائيلي هو منع أنقرة من توسيع دائرة تأثيرها في سوريا، خصوصاً بعد العمليات العسكرية التي نفذتها تركيا في السنوات الأخيرة ضد قوات سوريا الديمقراطية (قسد). ويسعى الكيان الصهيوني لمنع أي تشكيل سياسي أو إداري موالٍ لتركيا في جنوب سوريا، خشية أن يتحول إلى ممر إستراتيجي يهدد عمقها الأمني.

خاتمة: إنَّ بناء دولة “إسرائيل الكبرى” يقتضي من الكيان الصهيوني التوسع في ضم الأراضي الفلسطينية والعربية، ومن ضمنها السيطرة على السويداء التي تقع في قلب “ممر داوود” وهي آخر عقدة ديموغرافية وجغرافية للوصول إلى قاعدة التنف، وتشكّل حزاماً فاصلاً بين الجنوب السوري والمناطق الشرقية، حيث النفوذ الأمريكي. لهذا يجب السيطرة على السويداء لإعادة رسم طريق الطاقة والتجارة والهيمنة في المنطقة، وتحقيق ممر داوود الذي له علاقة بالأدبيات التوراتية. وهو جزء من الحلم الصهيوني لإنشاء “دولة إسرائيل الكُبرى”، التي تبدأ من حدود هذه الدولة (شمالاً) من الجولان السوري المُحتل، وتمرّ بالقنيطرة ودرعا وجبل حوران، فالبادية السورية باتّجاه قاعدة التنف عند الحدود السورية – الأردنية – العراقية، ثمّ إلى منطقة كردستان (داخل العراق) حتى ملامسة الحدود التركية (شرقاً). ويُفترض أن يفتح هذا “الممر” “بوابة” جديدة باتجاه أوروبا. ويعني ذلك إمكانية الاستغناء عن قناة السويس وطريق الحرير الصيني، فيصبح “الممر” طريقاً لنقل البضائع من الخليج وآسيا الوسطى إلى أوروبا. وهنا تكمن أهميّته القصوى للكيان الصهيوني. لهذه الأسباب تريد “إسرائيل” عقد “اتفاقيات إبراهيم” أي التطبيع، وبأسرع وقت ممكن، وبالشروط التي تُحدّدها هي مع البلدان العربية، بحيث تكون موانئُها جاهزة لنقل البضائع براً وبحراً إلى أوروبا، حسب تحليل الخبراء في المنطقة.

إنَّهُ طموحٌ استعماريٌ قديمٌ، فما علاقة ما يجري في السويداء، من اقتتال ومجازر، بذلك؟. إنَّه جزءٌ من مخطط زرع الفتنة الداخلية، وتغذية الإرهاب الديني والطائفي والإثني، الذي بدأ بالساحل السوري – اللاذقية تحديداً – ثم انتقل إلى حمص، وبعدها إلى جرمانا، وصولاً إلى السويداء. أي المخطط هو تمزيق الوحدة الوطنية المجتمعية في سوريا.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *