إقليميات

الجيش اللبناني بين مطرقة الحكومة وسندان المقاومة

بقلم زينب عدنان زراقط

وبينما الداخل يشتعل وبات على شفا انقلابٍ داخلي ولهيبِ فتنةٍ، والسعودي يُصفّق بحرارةٍ للبلاء الحَسنِ، والأمريكي يفرك بيديه لنَيلِ غنيمته، والإسرائيلي يُكشر عن أنيابه لينقضَّ على فريسته… انزعوا السّلاح الذي منع العدو من استباحة لُبنان…  “اتركوا لُبنانَ أعزلاً للانقضاض عليه”!.

الجيش اللُبناني الذي لم يستطع أن يقوم بأي مُبادرة مُشَجّعة ضِدَّ الاعتداءات الإسرائيلية منذ اتفاق وقف إطلاق النار مع المقاومة في تشرين 2024، بينما “حزبُ الله” الذي قطع دابِر الاحتلال بدَمِ شهدائه وضحّى بخيرة شبابه وقائده الأسمى، أعطى للدولة العليّة الفرصة لاستكمال السيادة بالدبلوماسية التي طرحوها وبأهلية “القوى العسكرية اللبنانية”. لكن ما وصلنا إليه طيلة الثمانية أشهر من التسويف هو استباحةٌ يومية وخروقات بالآلاف، اغتيالات، قصف واعتداءات، وتحصينٌ للمواقع المحتلة والتمدد فيها عند الحافة الأمامية للشريط الحدودي بين الجنوب اللبناني وفلسطين المحتلةِ، هدروا إنجازات المقاومة وأعطوا العدو الصلاحيةَ لاستباحةِ الأرض والبشر تدميراً واغتيالات لشبابٍ هم خيرة الشباب ليضيعوا إنجازات المقاومة التي منعت العدو من تحقيق أهدافه بالحرب.. ليقدموا له إنجازاً من خلال السياسة الرعناء والدبلوماسية الكاذبة وهو ما لم يستطع أن يحققه بالحرب.

هنا يبرز السؤال الأهم: ما هي الضغوطات التي تتعرّض لها الساحة السياسية اللبنانية بشأن “نزع سلاح حزب الله”؟ وهل يعني ذلك بأن الدولة اللبنانية قد “فشلت” بتحقيق سيادة الوطن وطرد الاحتلال؟ أي هل تعود المقاومة لاستئناف مهامها الدفاعيةِ؟.

تدخُلات خارجية لِحَصرِ السّلاح

جاء سقوط النظام في سوريا وتولّي الحُكم عنصراً كان يتبع للمنظمات الإرهابية والتكفيرية، وكان مطلوباً لدى أمريكا مقابل جائزة بـ عشرة ملايين دولار، لنرى فجأة “أحمد الجولاني” – الشرع – بـ “البدلةِ وربطة العنق” يشكر الأمريكيين ويرفع راية السلام مع إسرائيل وإعلانه عدم استخدام الأراضي السورية لمواجهتها، ليُقدِمَ الجيش الإسرائيلي بين ليلةٍ وضُحاها، على تدمير كُل مُقدّرات الجيش السوري من مخازن سلاح وآليات والقضاء على القوّة الجوية السورية والأسطول البحري السوري بعد ساعات من سقوط بشار الأسد في سوريا يوم الأحد 8 ديسمبر 2024، وليتمركز بـالمنطقة المنزوعة السلاح بين “إسرائيل” وسوريا، وهو امتداد من قمة جبل الشيخ إلى الجنوب على طول حدود محافظة القنيطرة وشملت الريف السوري الغربي ومناطق إضافية داخل محافظة القنيطرة وريف دمشق الجنوبي والغربي. بالإضافة إلى إطلاق يد الإسرائيلي للتدخل بالنزاعات الداخلية التي كانت تحدث ومظلومية العلويين والدروز من الأقليات في السويداء ودس الفتن لإمعان التدخل الخارجي. ليتم إطلاق يد الإمارات في سوريا لإدارة ميناء طرطوس السوري على ساحل المتوسط وسوف تتكفّل شركة إماراتية تُدعى Tiger Group إنشاء برج سكني وتجاري من 45 طابقاً في دمشق يُطلق عليه Trump Tower Damascus، وإلى السعودية التي وقّعت47 اتفاقية واستثماراً بقيمة 6 مليار دولار ونصف مع سوريا، وبذلك تكون حصص سوريا قد تقسّمت غنائمَ بين إسرائيل وأمريكا والخليجيين.

هُنا لم يَرُق الأمر للإسرائيلي بالنسبة لوقف إطلاق النار في لُبنان وشروطه، فيما قد استساغ السيناريو السوري، إلاَّ أنَّ العائق الذي يقف أمام الإسرائيلي من التقدم في لبنان هو وجود المقاومة من جهة، وتخوّفه من خسارة ما حصّله من نقاط عن الشريط الحدودي إذا ما دخل في مواجهة عسكرية جديدة مع “حزب الله”.

منذ سنين بقيت الأزمة اللبنانية تراوح مكانها بين فراغ رئاسي وتعطّل حكومي وانهيار اقتصادي لكن في كل محطةٍ مفصليه كان لزيارات مستشار وزير الخارجية السعودي الامير يزيد بن فرحان إلى بيروت وقع سياسي لا يمكن تجاهله. في المرة الاولى زار الأمير بيروت في ظل فراغ رئاسي خانق وبعد أيام تم انتخاب قائد الجيش جوزيف عون رئيساً للجمهورية. في زيارته الثانية في نيسان جرى التفاهم على البيان الوزاري وتثبيت معادلة الاستقرار السياسي أما اليوم فيعود الأمير إلى لبنان في توقيت بالغ الحساسية وسط حديث عن دعم سعودي مباشر لخارطة طريق إصلاحية تبدأ بملف الكهرباء ولا تنتهي بالاستحقاق البلدي واستمرار وقوف المملكة إلى جانب لبنان وشعبه وأهمية الشروع في الإصلاحات اللازمةِ لتعزيز أمن واستقرار ووحدة لبنان. زيارة بن فرحان طبعاً لم تأتِ من فراغ، إنها جزء من مسار طويل تتعامل فيه السعودية مع لبنان على مبدأ المُحاصصةِ، الرياض تراقب، وتواكب، ولكنها لا تساوم والدعم لا يأتي بلا “المُقررات التي تُريدُها”. كانت الزيارة بمثابة التأكيد على الانسجام مع الموقف الأمريكي وبالتحديد الورقة التي قدمها الموفد توم براك إلى الحكومة اللبنانية التي تشدّد على عدم التراجع عن موضوع حصر السلاح وأنَّه ما من مساعدات ماليه ولا إعادة إعمار في حال عدم السير بنزع السلاح.

القوى الإقليمية والدولية، خصوصاً الولايات المتحدة وإسرائيل والمملكة العربية السعودية، تعمل بشكل منسق لمحاصرة حزب الله كجزء من استراتيجية أوسع تهدف إلى تغيير ميزان القوى في المنطقة لصالحها، وذلك من خلال الضغط على لبنان لفرض نزع سلاح حزب الله وقطع الدعم عن حماس في غزة، ما يعكس تداخلاً معقداً في الصراعات الإقليمية. أمّا المخزي والمُذلّ في هذا الأمر هو باعتبار إسرائيل قرار الحكومة بحصر السلاح “حدثاً تاريخياً”، بينما لا ضمانات أمريكية بشأن الانسحاب الإسرائيلي ولا أي تفاصيل حول المفاوضات مع جيش العدو.

ماذا بعد خذلان الدولة للمقاومة؟

جاء قرار الحكومة اللبنانية بتكليف الجيش اللبناني بوضع خطة لنزع سلاح “حزب الله” ضمن مهلةٍ زمنيةٍ، ما يعني عملياً أنها تضع الجيش في مواجهةٍ مع المقاومة، بينما المسؤولية تقع على عاتق الحكومة إذا كان القرار بالتراضي والتفاوض المباشر مع الحزب، أمّا في الحالةِ الأخرى – وغير المرجوّة – أن يكون القرار بالإكراه والمُداهمةِ وقراراً عسكرياً، وهو ما لا يؤمّل.

الجيش اللبناني بين مطرقة الحكومة وسندان المقاومة، بيدَ أنَّ تحميلهُ مسؤولية وضع خطة نزع سلاح حزب الله بالقوة سيضع المؤسسة العسكرية في موقف حرج للغاية، حيث قد يؤدي هذا إلى انقسام داخلي في الجيش بين الطوائف المختلفة، وقد يهدّد وحدة المؤسسة العسكرية التي كانت تاريخياً تحاول الحفاظ على التوازن بين مختلف مكونات المجتمع اللبناني. مثل هذا القرار قد يؤدي إلى مواجهة مسلحة داخلية، وهو أمر غير مسبوق في تاريخ لبنان الحديث.

بإيجاز، قرار الحكومة اللبنانية الأخير يعتبر انقلاباً متعدد الأوجه على الاتفاق الذي كان يهدف إلى تثبيت وقف إطلاق النار والانسحاب الإسرائيلي مقابل حفاظ المقاومة على سلاحها كجزء من استراتيجية دفاعية لبنانية. هذا الانقلاب يشكل إهداراً للسيادة اللبنانية ويعرّض البلاد لمخاطر كبيرة، خصوصاً أنه جاء دون مراعاة لمصالح مختلف الأطراف اللبنانية، وخصوصاً فصائل المقاومة التي تمثل قاعدة واسعة من الشعب اللبناني.

حزب الله يجابه اليوم معضلة كبرى؛ فبعد أن كانت استراتيجيته الدفاعية تعتمد على وجود غطاء شرعي للدولة اللبنانية، فإن قرار الحكومة بنزع هذا الغطاء يفرض عليه استعادة مهامه الدفاعيةِ والرّد على أي اعتداء إسرائيلي بشكل مباشر، فهل تعود المواجهة ويحقق “حزب الله” ما عجزت الدولة اللبنانية عنه، من استعادة الأرض وسيادة لُبنان ودحر الاحتلال؟! ويبقى السلاح درع لُبنان رغم أُنوف المُتخاذلين؟!.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *